الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في حضرة الغياب - حلقات ضمن مسلسل العنف الرمزي./ رائد الدبس.

رائد الدبس

2011 / 8 / 12
الادب والفن


في حضرة الغياب - حلقات ضمن مسلسل العنف الرمزي./ رائد الدبس.

مسلسل "في حضرة الغياب" عن حياة الشاعر محمود درويش، الذي يجري عرضه على فضائيات عربية من بينها فضائية فلسطين، شكّل حادثة كاشفة دالّة على كثير من الظواهر في حياتنا الثقافية العربية والفلسطينية. أولى تلك الظواهر هي ظاهرة الرداءة في مستوى الكثير من الأعمال الفنية الدراميّة العربية. وقد شكّل هذا المسلسل تجسيدا فجّاً لها، بوصفه عملاً دراميّاً يتسم بالركاكة والعجز عن مقاربة حياة الشاعر – الإنسان من ناحية، وإرثه الثقافي العظيم من ناحية أخرى.. التسرع في إنجاز هذا العمل، بالإضافة إلى عجز الممثل عن مقاربة شخصية الشاعر وطريقته في إلقاء الشعر، كفيلة بفضح العمل وإظهاره على حقيقته كعمل فنيّ رديء، لا يرقى إلى مستوى قامة ثقافية إبداعية عربية وعالمية مثل محمود درويش.
لكن تقييم العمل بحد ذاته لا ينبغي أن يتم بمعزل عن السياق العام الذي أنتجه. ففي السياق العام لواقع الحياة الثقافية العربية بما في ذلك الدراما العربية، ثمة الكثير من الرداءة المسيئة التي تدفع إلى القول أن عمل فراس إبراهيم ليس نباتاً شيطانيا ظهر بصورة مفاجئة، بل هو جزء من ظاهرة مكرّسة منذ سنوات طويلة..

لقد شكّل المسلسل تحديّا للجميع، وبقدر ما أظهر عجز القائمين عليه، وكشف عن ظاهرة الرداءة ضمن الأعمال الدرامية العربية، فقد كشف أيضاً عن عجزنا، أفراداً ومؤسسات، بسبب هشاشة وغياب قوانين حماية الملكية الفكرية في بلادنا، وكذلك غياب التشريعات التي يمكن أن تحمي الرموز الثقافية من العبث والتشويه والاستثمار التجاري. في هذا السياق، فإنه يمكن القول أن على مؤسساتنا الثقافية الفلسطينية وخصوصا مؤسسة محمود درويش، أن تبادر لفعل أي شيء يتجاوز حدود إصدار بيان، كأن تبادر إلى المطالبة بسنّ قوانين وتشريعات لحماية حقوق الملكية الفكرية وحماية رموزنا الثقافية الفلسطينية، وليحمل هذا القانون المقترح، اسم محمود درويش.

في مواجهة رداءة المسلسل الذي شكّل منذ حلقاته الأولى استفزازاً ونوعاً من الاعتداء بعنف رمزيّ على الشاعر ومحبّيه، غلبت النزعة السجاليّة والمطالبة العصابية بمنع عرض العمل، وفي ذلك تعبير عن العجز أيضاً. حالة العجز هذه لم تتوقف عند حدود المطالبة بالمنع ، فهذه المطالبة في حدّ ذاتها هي حق لأصحابها، لكن حملة المطالبة ذهبت إلى حدود التعسف في استخدام هذا الحق، وبلغ التعسف ذروته عبر تحشيد أسماء للتوقيع على بيان المنع دون علم أو استئذان، كما حدث مع كاتب هذه السطور وآخرين. كما ذهب البعض بسجالات غير مجدية الى استحضار دماء شهداء الهوية الوطنية والثقافية الفلسطينية. واتخذت هذه الحملات والسجالات نزعة تشبه الطبيعة ذاتها التي انتجت المسلسل الرديء، وقد تجلّى ذلك في ممارسة نوع من العنف الرمزي بحق الجمهور المتلقي، فكما يمارس هذا العمل الرديء عنفاً رمزياً على الشاعر والجمهور المتلقي، تمّ التحشيد ضده في بعض الأحيان بطرق تعسفية غير نقدية وغير منتمية لمدرسة الشاعر، بالإضافة إلى أنها نصّبت نفسها حارساً لأملاك الغائب، أو حارساً لوعي وذائقة الجمهور الحاضر. يحضرني في هذا الصدد قول عالم الاجتماع الفرنسي الشهير بيـيـر بورديو إذ يتحدث عن العنف الرمزي الذي يُمارس في الحقل الثقافي:" إن المثقفين هم بلا شك من بين أسوأ الناس تموقعا فيما يتعلق بوعي العنف الرمزي، وبالضبط ذلك الذي يمارسه النظام المدرسي، لأنهم تلقّوهُ هم أنفسهم بشدّة أكثر من متوسط الناس، ولأنهم يستمرون في الإسهام بممارسته".

مقابل الحملة التي اتسمت بممارسة أشكال متفاوتة من العنف الرمزي، كان ثمة اتجاه آخر مثّله مجموعة من المثقفين والكتاب الفلسطينيين والعرب الذي آثروا الانتصار لروح محمود درويش ولإرثه الإبداعي العظيم ومدرسة الحرية التي يمثلها، من خلال ذهابهم إلى معالجة نقدية ذات كفاءة عالية ابتعدت عن السجال والنزعة العُصابية. يمكن أن نذكر منهم على سبيل المثال وليس الحصر مقالات الكتّاب: صبحي حديدي، حسن خضر، محمود شقير، وحسن البطل، وآخرون لا يتسع المجال لذكرهم .فالانتماء لمدرسة الحرية والإبداع التي يمثلها محمود درويش، ينبغي أن يبتعد عن المبالغة أو التعصب أو الاستعراض الذي يبحث عن شعبوية زائفة.. وأن يكون المرء وفياً حقاً للشاعر ولإرثه الثقافي العظيم، يعني أن يمتلك مثله تواضع ونزاهة وصدق الكبار.. وأن ينشر هذا الإرث العظيم بلا كلل أو ملل.

محمود درويش.. يا أيها المحمود فينا ومريض المُشتَهى.. سلام لروحك الحيّة، واعتذار عن كل ما أصابها من جراح دوريَ حاول أن يدلّلك فأدماك، واثقل روحك بحبّ قاس وعنف رمزيّ كنت تنأى عنه وأنت بيننا، فكيف بمثله وأنت في حضرة الغياب؟!
وأما قبل وأما بعد، سنظل نردد معك :


يا أيّها المتفرجون، تناثروا في الصمت،
وإبتعدوا قليلاً عنه كي تجدوه فيكم، حنطةً ويدينِ عاريتيْن،
وابتعدوا قليلاً عنه كي يتلو وصيّتَه، على الموتى إذا ماتوا،
وكي يرمي ملامحهُ على الأحياء إن عاشوا..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع