الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أفكارحول ربيع الثورة فى أوروبا

عماد مسعد محمد السبع

2011 / 8 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


استدعاء مشاهد الإنتفاضات العربية وزخمها الشبابى الساخط و المندفع فى الشوارع و الميادين العامة بمناسبة ما حدث من أضطرابات وأعمال عنف فى بريطانيا على مدار الأيام القليلة الماضية – يستوجب وقفة للمضاهاة والتأمل .

فرغم تفاوت السياقات السياسية والإجتماعية – فأن هناك قاسمآ مشتركآ يؤشر لواقعة أن الغاضبين صاروا يستنسخون طرائق ومفاهيم ورموز و شعارات ولافتات - يوجهون بعضهآ وفق شروط ومعطيات الظرف المحلى و يستبقون البعض الآخر ألهامآ ودروسآ .

شاهدنا ذلك عبر مظاهرات للأميركيين في ولاية ويسكونسن ضد حاكم الولاية / سكوت ووكر الذى رفض سحب مشروع قانون يلغي حقوق النقابات في التفاوض باسم أعضائها، بدلآ من التفاوض فردا فردا حيث قضى عدد كبير من المتظاهرين الليل فى مبنى الولاية ، وتحولت الإحتجاجات لحدث احتفالى وأحتجاجى كبير أخذ يطلق شعارات رددها المصريون فى قلب ميدان التحرير بالقاهرة .

وتابعنا جموع المتظاهريين فى أسبانيا التى خرجت إلى الميادين الرئيسية فى مدريد وبرشلونة ضد السياسات الإقتصادية للحزب الإشتراكى الحاكم وأخذت تنسب نفسها لروح ميدان التحرير وتنقل منه صور التعامل مع الحصار الأمنى واستراتيجية الحشد والتعبئة والإعتصام فى الخيام .

ثم كانت تظاهرات أثينا حيث خروج اليونانيون فى تجمعات حاشدة ومستمرة ضد أجراءات التقشف الحكومى التى تنال من كفالة الحقوق وبرامج رعاية الفقراء والفئات الوسطى على هامش الإعلان عن أفلاس البلد وعجزها عن سداد ديونها .

كما أشتعل الموقف داخل ( أسرائيل ) وشاهدنا حركة جماهيرية غاضبة ضد حكومة " بنيامين نيتانياهو " أمتدت لعشر مدن كاملة وبقلب تل أبيب , وعرفت بأسم " أحتجاجات الخيام " للإعتراض على أسعار السكن وغلاء المعيشة وغياب العدالة الإجتماعية .

وأخيرآ شاهدنا أعمال العنف التى قام بها شباب غاضب فى عدد من المدن الإنجليزية على خلفية مقتل شاب أسود بيد الشرطة حيث أعتبرتها حكومة " كاميرون " عدوانآ على القانون والملكية لما أقترنت به من سلب ونهب وتخريب , فى حين أعتبرها البعض نتيجة للضغوط الإقتصادية ولسياسات تخفيض الإنفاق العام وأنها تقدم نسخة أنجليزية لبعض مما يشاهده البريطانيون على شاشات التلفزيون من صورللإحتجاج على تردى الأحوال المعيشية بمنطقة الشرق الأوسط .

وفى الواقع فأن مقاربة الحدث الإنجليزى الأخير ربما ترتبط فى نقاط ما ببروفة العمل الذى أضطلعت به "حركة 6 أبريل " بمدينة " المحلة الكبرى / فى مصر " عام 2008 حيث أشتعل الإضراب داخل هذه المدينة العمالية الفقيرة والمهمشة ووقعت أشباكات وحرائق وقطع للطرق العامة - وكانت هذه الأحداث بمثابة تجربة عملية لحدث الثورة المصرية الأكبر فى الخامس و العشرين من يناير .

تبادل صور وخبرات النموذج الإنتفاضى يتضح أثره هنا فيما رشح من معلومات تؤكد أن قادة تنظيم " 6 أبريل " – الذى يتخذ لنفسه رمزحركة أوبتور الصربية ولعب دوررآ رئيسيآ فى ثورة مصر - حصلوا على دورات نظمتها تلك الحركة للتدريب على وسائل التظاهر والإعتصام و الإحتجاج السلمى وكيفية التعامل مع العنف الأمنى ,و باعتبار ذلك خطوات على طريق الثورة السلمية ضد أنظمة القمع والإستبداد .

أن ما حدث فى أنجلترا – وكذا بأسبانيا و اليونان والبرتغال –- ينقلنا لتساؤل حول مدى تأثير ربيع العرب المباشر وغير المباشر على التطور السياسى والإجتماعى و السكانى فى المجتمعات الأوروبية – مع مراعاة تفوت وأختلاف السياقات السياسية والإجتماعية بين الحالتين العربية والغربية .

وفى الحقيقة فأن أوروبا التى تمثل المحرك الأساسى للثورات التاريخية ومهد العقائد والأيديلوجيات الكبرى لن تكون بعيدة عن جدل الإنتفاضات العربية وعن أستلهامها وعن تمثل هذا الجمهورالعربى الجديد و الطامح لأفكار الحرية والعدالة .

القارة العجوز تبدو مؤهلة لإحتضان نموذج الفعل الإنتفاضى الشرق أوسطى , فى ظل عالم صينى / هندى مازال ينبذ بقيمه التقليدية و الكونفوشيسية و البوذية أفكار الثورة والتمرد , وعالم أمريكى لاتينى يموج بتحولات أجتماعية و أشتراكية متلاحقة وفق معطياته الخاصة , وكذا التنبؤ بأستمرار سيطرة الثقافة اليمينية المحافظة فى الولايات المتحدة لعقود قادمة .

ومن هنا يتحدث بعض الكتاب الغربيين الآن عن مدى تأثر الشواطىء الجنوبية للقارة بما يحدث على الضفة الآخرى للمتوسط , فضلآ عن أن أوروبا مازالت تتحمل العبء الأكبر من نفقات الأزمة المالية العالمية فى وقت تتصاعد فيه الضغوط على الإتحاد الأوروبى لإنقاذ أعضائه من براثن الأزمة الإقتصادية والإفلاس .

تدهور أحوال الفئات و الشرائح الوسطى وكذا العمال و الفقراء فى مجتمعات أوروبا الغربية يلقى بظلاله كبعد أجتماعى دافع للإحتجاج و الثورة القادمة , لاسيما فى ظل سيطرة حكومات اليمين وأتباع سياسات تروم محاباة الأغنياء وخفض الضرائب عليهم وتقليص الإنفاق العام والحكومى على الخدمات الأساسية .

ثمة ظروف معيشية مضنية وتفاوتات أجتماعية تدفع نحو أنسداد آفاق المستقبل فى عيون الشباب الأوروبى الذى يعانى البطالة ومزاحمة المهاجرين بداية من أيسلندا و أيرلندا و أنجلترا , و مرورآ بالبرتغال وفرنسا , وأنتهاءآ بأيطاليا التى يعانى شبابها من فقدان الأمان الوظيفى وأنخفاض الأجور , وأنتهاءآ بأسبانيا التى وصل فيها معدل البطالة لأكثر من 42 فى المائة .

واللافت هنا أن "عدم الإستجابة لأية مطالب للمتظاهرين " أصبح يشكل سلوكآ أعتياديآ ومشتركآ لحكومات اليمين الأوروبى , ففى اليونان تم أقرار خطة التقشف الحكومى , و فى فرنسا جرى تمرير قوانين العمل , و فى أسبانيا لم تخضع الحكومة لمطالب المحتجين , وفى أنجلترا تم أقرار سياسات التعليم الجامعى و العام ودون أعتداد بحركة الإحتجاجات الواسعة عليها من جانب الطلاب والشباب .

سلوك عدم الإستجابة و القبول و المرونة السياسية من جانب هذه الحكومات سيؤدى حتمآ لإنتاج وسائل أكثر عنفآ للتعبيرعن المطلب الإجتماعى والطبقى و ترجمة حضوره , ولذلك فأن هناك ضرورة لربط ما حدث فى شوارع لندن خلال هذا الأسبوع بما جرى منذ عدة شهور من تجاهل الحكومة الإنجليزية لمطالب الشباب بشأن السياسات التعليمية ونفقات دخول المعاهد والجامعات.

فالتراكمات الكمية للغضب والإحتقان ستتحول لكيفى نوعى فى مرحلة معينة من تطور حياة السياسة والمجتمع الأوروبى , ولكى يواجه هذا " الكيف الجديد " نموذج أقتصادى رأسمالى هش و سياسات مالية عاجزة ليست بعيدة - فى واقع الأمر - عن برامج الإصلاح الإقتصادى والتكيف الهيكلى التى تطبقها البلدان النامية والتى كانت يلتزمها أبن على فى تونس ومبارك فى مصر قبل الثورة عليهما .

فضلآ عن أن قواعد البنية التحتية التكنولوجية الجيدة ومواقع التواصل الإجتماعى على الفيسبوك و التويتر و اليوتوب ستشكل أدوات الحشد و التعبئة و التجنيد الأساسية بين هذا الشباب الأوروبى الساخط . وحيث تتحسب حكومات اليمين لهذا الأمر بعد تجربة نجاح الثورتين المصرية و التونسية عبر هذه التقنيات الإلكترونية . ومن هنا فأن مشروع " ديفيد كاميرون " الأخير بشأن فرض قيود ورقابة شرطية وأستخباراتية على النشاط الإفتراضى ليس الإ خطوة على طريق محاصرة المد الإلكترونى المتصاعد والثورة على الإنترنت التى يضطلع بها الشباب الأنجليزى .

وأذا ما أستطاعت الثورات العربية أن تفرض على المؤسسات الإقتصادية الفاعلة فى أوروبا وأمريكا أعادة حساباتها, وأذا ما أستطاعت أن تشكل فى المستقبل " كتلةحرجة ضاغطة " تدفع المركز الرأسمالى لأعادة تحليل الإقتصاد العالمى والعلاقات الإقتصادية الدولية وتحقيق قدر من العدالة على النطاق الدولى – فأن الأثرالإقتصادى الأهم للإنتفاضات العربية سيتحقق وسيترك أنعكاسات دالة على واقع الإقتصاد والسياسة فى أوروبا .

ثمة تحولات راديكالية بدأت على خلفية المد الثورى المتلاحق بالمنطقة العربية , وعلى الوعى السياسى الأوروبى أن يستوعبها وأن يدرك أن رهانه النهائى والأخير على ( الإستقرارالسياسى والإجتماعى لدولة الرفاه ) أصبح فى ذمة التاريخ .

وأذا لم تسارع حكومات اليمين الأوروبى لأستدراك النتائج السلبية لسياساتها وتوجهاتها الإقتصادية والإجتماعية فأن الثورة ستدق أبواب القارة البيضاء , ليس فقط بأثر من مطالب الحرية والعدالة التى ينادى الإنسان العربى بها , وأنما أيضآ ليقدم الإنسان الأوروبى أسهامه الخاص فى هذه اللحظة التاريخيةوفى أختبار مدى قدرة هؤلاء البشرعلى التحكم فى حركة المجتمع و التاريخ والمصير الإنسانى .
عماد مسعد محمد السبع .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سباق بين مفاوضات الهدنة ومعركة رفح| #غرفة_الأخبار


.. حرب غزة.. مفاوضات الهدنة بين إسرائيل وحماس| #غرفة_الأخبار




.. قراءة عسكرية.. معارك ضارية في شمال القطاع ووسطه


.. جماعة أنصار الله تبث مشاهد توثق لحظة استهداف طائرة مسيرة للس




.. أمريكا.. الشرطة تنزع حجاب فتاة مناصرة لفلسطين بعد اعتقالها