الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل هناك ارادة حقيقية لتأسيس دولة مدنية في مصر؟

مينا منير

2011 / 8 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


أجد صعوبة شديدة في فهم ذلك الإصطلاح الشائع هذه الأيام "دولة مدنية ذات مرجعية دينية". فبين ليلة وضحاها نجد السلفيين، الأقباط، دعاة الدولة المدنية والإخوان المسلمين يجمعون على ما يسمى بالدولة المدنية ذات المرجعية الدينية. مالفارق بين الدولة الدينية والمدنية ذات المرجعية الدينية؟ يرى السلفيون في الأمر أنه لا فرق طالما الحَكم في النهاية هو الدين، ويقبل المسألة بدهاء سياسي كل من الأخوان والأحزاب الدينية المستجدة مثل الوسط وغيرها. فواجهة "المدنية" تتسم بالحضارة والتقدمية، لكنها ليست أكثر من واجهة زجاجية والمرجعية في النهاية للدين.
معنى ذلك أن أي نزاع قضائي سينتهي به إلى الإحتكام لرأي الشرع. ألم يكن ذلك هو الحال أيام مبارك في ظل المادة الثانية من الدستور؟ طبعاً، والدليل على ذلك أن الإخوان والسلفيين هم الذين قاتلوا وسخروا كل جهودهم لإنقاذ دستور 1971.
ومع العودة لطرح سؤال ماهية مدنية الدولة في ظل الوثيقة الحاكمة للدستور، انتفضت القوى السياسية الدينية وزمجرت بمليونيات رُفعت فيها علم تنظيم القاعدة الأسود إلى جانب علم السعودية، الراعي الرسمي للمناسبة، صارت المسألة دفاعاً عن دور الشريعة في مصر. والأعجب هو انتفاضة الكنيسة نفسها وشجب البابا شنودة الواضح لأي مساس بالمادة الثانية مع اضافة ما يخص المسيحيين " وان يترك أهل الكتاب يحتكموا الي شريعاتهم "، وهي اضافة لا تعني أي شيء لأن احتكام الملل المسيحية في الشريعة الإسلامية وقوانين الملل في الدولة العثمانية والمعمول به في مصر يقبل ذلك. تلك الإضافة تلقفتها القوى السياسية التي تتباحث في صياغة الوثيقة الفوق دستورية، مما يعني أن مقاربتهم هي نفس مقاربة التيارات السابق ذكرها.
اذاً نحن أمام مشكلة، ليست في تعريف الدولة المدنية، فكل تلك التيارات تزخر بالفقهاء والقانونيين الذين يعرفون ماذا يقولون، وإنما الإشكالية هي في رأيي الغياب الكامل للإرادة السياسية التي تسعى لتحقيق دولة لا يعود فيها المصريون في قوانينهم إلى الشيوخ ورجال الدين.
مدنية مصر على المحك، فهي في مواجهة ما يقرب نصف قرن من التخلف في التعليم والقهر الإجتماعي والمساومة مع التيارات الدينية المختلفة. هذا يعني بطبيعة الحال أن الزخم الطويل للقناعات الدينية سيكون على سطح الحياة السياسية لفترة طويلة. فالعقلية المصرية التي لم تجد غير شيخ الجامع أو كاهن الكنيسة أن يعطيهم مفاتيح الحياة الأخرى، التي هي على رجاء الحياة الأفضل، يصعب عليها اليوم أن تعود إلى أرض الواقع بعد أن خسرت إيمانها في قدرة الإنسان على التعاطي مع متطلبات حياته بقوانين يسنها هو بحسب ظروفه الحضارية. الكفر بالإنسان صار في المعتقد الديني المصري النابع من القهر الإجتماعي مرادفاً ومتوازياً مع الإيمان بالآخرة. هنا نجد أنه يستحيل بين يوم وليلة أن يفتكّ الإنسان المصري من قيود سيطرة رجال الدين، لكن تلك السيطرة لن تستمر إذا ما نجحت مصر في مرحلتها الإنتقالية على تطوير اداء مؤسسات الدولة من أجل المساعدة على تحسين ظروف المعيشة، العدو الأول للإنغماس الديني المتطرف.
رجال الدين يعلمون ذلك تماماً، ولذلك يحاربون المسألة بشتى الطرق. نرى كل يوم هجوماً واضحاً من مشايخ السلفية على بديهيات الحياة السليمة كالديمقراطية. وهذا ليس حال المشايخ السلفية فقط، وإنما يشمل أيضاً الكنيسة القبطية التي لطالما حازت على قوة تسلطية مطلقة، بحجم قوة السماء في المذهبين الأرثوذكسي والكاثوليكي، يمكن بها حل وربط أي شيء بما فيه الحياة الأخرى، المطمح الوحيد لفاقدي الحاضر. لقد رأينا دفعة الحرية التي أُعطيت للذين ذهبوا ليتظاهروا أمام الكنيسة فأُطلقت الكلاب عليهم بلا رحمة. ما كان لهذا أن يحدث إن كانت الدولة بمؤسساتها يمكنها أن توفر ملاذاً قانونياً لاحتياجات المسيحيين بدلاً من تركهم فريسةً للسلطة الكهنوتية. من الجدير بالذكر أن أدولف فون هارناك، اللاهوتي الألماني الكبير، قد أشار إلى أن ثقافة السلطة الكهنوتية في الإسكندرية، والتي كانت وراء مقتل هيباثيا وكثيرين، ما كان إلا امتداداً للسلطة الكهنوتية الوثنية الشديدة قبل انتشار المسيحية في شمال افريقيا.
في ظل الواقع الديني المصري تكاد فكرة العلمانية مستحيلة التطبيق في تلك المرحلة، ولكن مدنية الدولة يمكن أن تتقبل مرجعية قانونية تتخذ من الفلسفات والثقافة الدينية، التي هي مكون أساسي من ثقافة المجتمع المصري، أحد المصادر التي يمكن قراءتها وطلب مشورتها. وهنا شتان فيما أقوله بين المرجعية والمشورة، كذلك هناك فارق بين الشريعة والثقافة الدينية. فالثقافة الدينية مثلاً تقدّس قيمة الإنسان ولكن الأحكام الدينية الخاصة بحياة الإنسان شيء آخر.

على أية حال، إن الواقع المصري يتطلب شجاعة لإسقاط الأقنعة المدنية وإظهار المطالب على طبيعتها، وعلينا أن نعرف جيداً أن مصر لم تدفع كل فاتورة عهد مبارك بعد، فمازالت التيارات التي نمت وتشعبت وتسلطت في عصره، والتي وظفها مبارك بحسب احتياجاته مثل الكنيسة والجماعات السلفية والإخوان، هي التي ستدفع مصر في ظل نشاطها ما بقي من فاتورة حكم مبارك. في نفس الوقت تلك الجماعات والقوى السياسية التي تدفع مصر نحو الدولة الدينية لن تستمر إلى الأبد لأن تفكك نظام مبارك نتج عنه أيضاً استعادة الإرادة في إيجاد حياة أفضل على الأرض قبل السماء، ولو بشكل جزئي، مما يعني تراجع دور الجامع والكنيسة ولو بعد حين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نور وبانين ستارز.. أسئلة الجمهور المحرجة وأجوبة جريئة وصدمة


.. ما العقبات التي تقف في طريق الطائرات المروحية في ظل الظروف ا




.. شخصيات رفيعة كانت على متن مروحية الرئيس الإيراني


.. كتائب القسام تستهدف دبابتين إسرائيليتين بقذائف -الياسين 105-




.. جوامع إيران تصدح بالدعاء للرئيس الإيراني والوفد المرافق له