الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحلم بوزيرة

مشتاق عبد الهادي

2011 / 8 / 13
الادب والفن


((الحلم بوزيرة...حلم يؤجل دوما))

القصة عالم مصغر تعوم فيه كائنات متعددة الأشكال والشخوص والدواخل فتفرض تلك الكائنات نفسها على النص وتتدخل في حجمه لتكون دون إرادة من كاتب النص نصا يسمى (القصة أو القصة القصيرة أو القصة القصيرة جدا أو الأقصوصة أو الومضة القصصية)كما يحلوا لبعض القصاصين والنقاد تسميتها.
إذا للقصة مذاق يلهم المتلقي عالم عجز الكثير عن سبر غوره كون القصة شانها شان الأجناس الأدبية الأخرى (متجددة) مع تجدد القوالب واللغة والعوالم لتأخذ في كل حقبة شكل يفرض نفسه على التنظير والمنظرين ولكن لا يغادر منطقة الإبداع الكامنة في القصة.
كلنا نحاول أن نصنع نموذج لقصة تشبه دواخلنا وعوالمنا ونأمل أن يصنفها الآخرون ضمن جنس القصة القصيرة.
محمد الاحمد قاص عراقي صاغ اسمه من تنوعات الموضوع إذ انه جريء في الطرح وفي شكل ولغة النص،ففي مجموعته الجديدة (الحلم بوزيرة) الصادرة عن دار الشؤون الثقافية ضمن سلسلة (سرد) التي تبنت وزارة الثقافة نشرها عام 2010 عرض القاص مأساة تزاوجت فيها ماسي الحب وماسي الحرب وقد برع في معظم قصصه خصوصا في دمج هذا التزاوج المتناقض ولم يتردد في موضوع القصة بغمز الجماعات التي أسست الجحيم في هذه البلاد ويظهر ذلك جليا في قوله ((ومن السوء أن تجمع حولها الناس البريئة)) أو ((بعضهم تسلم مبالغ ليهتف،ولا سيما العاطل عن العمل،يهتفون هتافات بدت ناقصة تكملها الآذان التي سمعتها في السابق)) كما جاء في قصة ((فضاء كله دم)) ص5 وعمد القاص في قصة ((الحلم بوزيرة))ص15 إلي اللغة الشعرية فاتخم الفكرة بوابل من الجمل الشعرية الراقية في الوقت الذي لم يغفل فيه عن الحفاظ على بنية القص الذي أطره بسرد شفاف تصاعد حتى ختم القصة بأسلوب الصدمة التي تخالف النهاية فيه كل التوقعات.
واعتمد في ((موسيقى قصص الحب)) ص 23 على فن قصصي صارت في السنوات الأخيرة أقلام النقاد تتحسس وجوده ولذته وإبداعه، نعم إن الأقصوصة أو الومضة القصصية فن صعب يعتمد على التكثيف والدمج العالي بين الجملة القصصية والجملة الشعرية ،وفي قصة ((الدروب التي لا تتصل بطريق)) ص27 ينسج القاص محمد الاحمد ترنيمة صمت هادرة تجذرت فيها براعم من الخوف والضعف والوحدة/غنائية فردية أطلقت من صمت الليل إلى صدى الليل،وبتلاعب في بنية وروح القصة واعتماد الغمز الوجودي والفلسفي والسياسي وهو إن فكرنا قليلا يكون منبعه عادة من سراج واحد ويظهر ذلك جليا من خلال قوله ((متمنيا إبدال الحرف (ص) إلى حرف (هـ) )) التي أطرها بهامشين مشاكسين جدا أضافا للجملة بل للقصة روح من التمرد والمشاكسة والغرابة. ((قصة نهض الأب)) ص 29 ودمج القاص بين الضحك الباكي والبكاء الضاحك من خلال التعرض لأحداث الدم وضعف رقبة الإنسان وهشاشتها أمام سكين الإجرام ومن ثم يقوم القاص بتثبيت وارشفة الأسلحة اللاإنسانية واللاأخلاقية كـ ((الدريل والسيف والسكين)) وغيرها من الأدوات التي استخدمت في خطف حياة الكثير من الأبرياء في العراق وهي قصة شمولية نشرت الحقبة المظلمة التي مرت على العراق كما في قصة ((الضحك)) ص33 و ((جثة قد تأجل موتها)) ص53 .
وفي قصة ((ليلة أخرى)) ص39 يتنامى عمر الضياع في زمن الضياع الذي شاء أن يكون في محطة لانتظار الحافلة ومن مفارقات القصة هو إن الشخوص الأربعة كانوا يعومون في طريق واحد. ومن خلال قولبة شخوص قصة (شهريار وشهرزاد) وضمن زاوية البقاء عمد القاص محمد الاحمد إلى تعاقب وجودي ، فقد كان الهم الأول هو البقاء ضمن دائرة الأنثى التي اقترن بقائها بسرد الحكايات التي كانت تتمايل أحداثها بين الكذب ((والحقيقة المائلة)) أو حتى الصدق،دوامة من اللذة ضمن محيط المرأة التي صارت كصباح يحارب بهائه ظلمة الليل قصة ((كذبة فاقعة للزمن الفاقع))ص 45 .
وفي قصة ((حكاية الأسرة))ص 61 حب من نوع متميز فالقاص تلاعب في الأحداث والكلمات حتى بات القارئ لا يفرق بين من يكتب وبين من يقرا.
وتأتى فلسفة الألم والجوع واوجه تشابهها مع العراق حيث إن الشخصية المحورية في القصة يحاول أن يكتب قصة ومن خلال استعراضه للآلام كتب قصة كبيرة بحجم العراق ((شاي حار)) ص57 وفي ((خمس مقامات في السياسة والجوع)) ص81 استعرض القاص جل تجربته حيث تراوحت بين الفنتازيا وكذلك الجرأة ،وفي ((خسارة متأزمة بالفقدان))ص89 ينحرف القاص محمد الاحمد في خضم نشوة الخوض في الجمل الشعرية حتى يتأزم في الإسهاب والإطالة اللامبررة.ويستمر في نشوة النصوص الأولى حتى تكاد أن تفلت منه المجموعة بكاملها حيث عمد إلى إقحام مقالة ((النص علم العلوم ومنه يجتاف العصر؟))ص 115ظلما في المجموعة لعدم انتمائها إليها وذلك لانه وعلى طريقة (رولان بارت) يتناول الكتابة والقارئ والنص وهو كتب على ما يبدوا في عدة أماكن وفي أوقات مختلفة لطغيان روح الانثيال السريعة عليه رغم انه نص متميز ولكن في مجال التنظير.
أخيرا أجد في مجموعة ((الحلم بوزيرة)) مجموعة من النصوص التي أضافت للقاص المبدع محمد الاحمد رصيد متميز من الإبداع وصارت من المجاميع التي يتفاخر بها وهي حقا كذلك.

***

مشتاق عبد الهادي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1


.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا




.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية


.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال




.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي