الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معطف الشقيق الأكبر

زهدي الداوودي

2011 / 8 / 14
الادب والفن



قصة قصيرة

كان الشقيق الغني هو الأكبر وأما الشقيق الآخر الأصغر، فكان الفقر قد كتب على جبينه بخطوط كبيرة من حيث يريد أو لا يريد. كان مصيره الذي كتبه قدره لا يزعجه، إذ أن الأمور بيد الله لا يمكن لأحد من بني البشر تغييرها، بيد أن الشيء الذي كان يزعجه دائما وأبدا هو هذه الكبرياء الفارغة التي يلف بها شقيقه نفسه: هو القادر على كل شئ، هو الغني الذي رزقه الله، هو الذي لولاه لمات العديد من الفقراء الذين يرأف بهم ويسد حاجاتهم. إنه يواكب هذه الأعمال بعنجهية مفرطة تصاحبها أوامر مطلقة لا يمكن لأحد، مهما كان، أن يواجهه بكلمة انتقادية طفيفة. هكذا كان يفكر كريم، الأخ الأصغر الذي قرر ذات يوم أن يقف في وجه الأخ الأكبر الذي هو بمثابة الأب في عرف القبيلة. إنه يجب أن يكسر شوكة شقيقه أمام أقرانه بالذات، ليس حقدا عليه أو حسدا منه، كلا أبدا. حتى أن شقيقه الأكبر يعرف ذلك جيدا.
وكان كريم، الشقيق الأصغر، يؤكد دوما أنه ليس بحاجة إلى شقيقه الأكبر، الذي في الحقيقة لا يتوانى في مساعدة شقيقه الأصغر، بيد أن ضعف الشقيق الاكبر الشديد المعروف عنه، يكمن في تكرار مباهاته والمبالغة فيها إلى حد الازعاج.
يؤكد أهل القرية، الذين اطلعوا على الحكاية بحذافيرها كالعادة، أن القصة بدأت كما يأتي:

ذات يوم ممطر خطف القدر أحد فلاحي القرية المجاورة. وسرعان ما انتشر الخبر في أرجاء القرى الاخرى. وقبل أن يتم القيام بأعمال الدفن التي لا تقبل التأجيل في العرف الاسلامي الحنيف، تحزم أهل القرى للمشاركة في التأبين في أسرع وقت ممكن. ولما كان الفلاح الفقيد غنيا فلاشك من وجود الوليمة بعد مراسيم الدفن. وإذا كانت الوليمة موجودة، فلابد أن تعقبها جلسة طويلة يتجاذبون فيها أطراف أنواع الأحاديث. وكالعادة وقف على رأس وفد المعزين الأخ الأكبر. كان المطر لا يزال يهطل ببطء، بحيث لا يؤدي إلى البلل التام. رأى الأخ الأكبر شقيقه الأصغر كريم بين الحشد وهو بلا سترة تقيه شر المطر، فأوعز إليه بسرعة أن يذهب إلى بيته ويطلب من زوجته أن تعطيه معطفه الثاني ثم يأتي ويسير إلى جانبه. فعل كريم ما أراده منه شقيقه الأكبر. وبدأ الوفد بالسير باتجاه القرية الموعودة. كان المطر قد انقطع عن الهطول بعد أن ترك بضع زخات متفرقة على أجساد السائرين حيث ما لبثت أن تبخرت.
مرت دقائق طويلة أطبق خلالها الصمت على الجمع. أراد الأخ الأكبر أن يثبت إحسانه وفضله على شقيقه الأصغر بين الحاضرين، قال باعتداد:
"هل رأيت يا أخي كريم؟ لولا معطفي لبللك المطر"
هز كريم راسه بالايجاب:
"طبعا كاكه، لولا معطفك لبللني المطر"
قال ذلك رغم معرفته التامة بأن المطر لم يبلل أحدا. وشاركه الآخرون رأيه، دون أن يعلقوا على الأمر، إذ أنهم يعرفون العادة الجارية التي تمنع التدخل في شؤون الشقيقين اللذين لاشك سرعان ما يتصالحان ويبقى الخذلان للمتدخل.
بعد مسيرة قليلة هبت زخة مطر طفيفة. تنفس الشقيق الأكبر الصعداء قائلا:
"هل رأيت يا أخي كريم؟ لولا معطفي لبللك المطر"
قال الأخ الأصغر كريم كما لو أنه يستعد للقيام بعمل ما:
"طبعا كاكه، لولا معطفك لبللني المطر"

وطال موضوع بللك وبللني. وأصبح هو المهيمن على الجو، دون أن يتجرأ أحد على تبديله. اقترب الجمع من القرية. وكان الصمت لا يخرقه سوى الشقيق الأكبر. اقتنع هذا بأنه تمكن من إفهام الجمع بأنه هو المهيمن ليس على أسرته فحسب، بل على القرية كلها. وشعر الشقيق الأصغر كريم بكل ما يمر برأس شقيقه الأكبر الذي امتلأ غرورا وغطرسة. تساقطت قطرات قليلة ما لبثت أن تبخرت من على الملابس. وكانوا قد بلغوا بركة من صنع الطبيعية تجمعت فيها مياه الأمطار، عند ذلك قال الشقيق الأكبر متباهيا:
"هل رأيت يا أخي كريم؟ لولا معطفي لبللك المطر"
في تلك اللحظة بالضبط حدث ما لم يكن في حسبان الجمع: قفز الشقيق الأصغر إلى منتصف البركة وراح يتناوب في الغطس مكررا:
"يا كاكه مهما هطلت الأمطار، لما تبللت كالآن.. لما تبللت..لما تبللت.. هاك خذ معطفك، لا شكرا لك ولا شكرا لمعطفك"








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم #رفعت_عيني_للسما مش الهدف منه فيلم هو تحقيق لحلم? إحساس


.. الفيلم ده وصل أهم رسالة في الدنيا? رأي منى الشاذلي لأبطال في




.. في عيدها الـ 90 .. قصة أول يوم في تاريخ الإذاعة المصرية ب


.. أم ماجدة زغروطتها رنت في الاستوديو?? أهالي أبطال فيلم #رفعت_




.. هي دي ناس الصعيد ???? تحية كبيرة خاصة من منى الشاذلي لصناع ف