الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخالة (بخيتة)..

ماجد القوني

2011 / 8 / 14
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


* رسالة لرئيس الجمهورية: إن كنت تقبل أن يدوسونا بأقدامهم.. حسبنا الله..
* أسمها (بخيتة) لكنها لم تذق طعم السعادة لأكثر من سبعة عشر عاماً..
* طلبت مني الموظفة التوقيع على استلام الاعانة المالية.. لكن لم أستلم المبلغ..
رصد: ماجد القوني
لمرارته وقدرته على تدمير الذات البشرية، حرّمه الله على ذاته وحرّمه على الناس أجمعين، وبالرغم من قدرته تعالى على الظلم، إلا أنه تنزه عنه تعالى، ليحل عدله ورحمته مكان الظلم، فقال الله فيما رواه رسول الله في الحديث القدسي: (يا عبادي إني حرّمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا) (رواه مسلم). تُرى لماذا يظلم بعضنا البعض؟
كثيرة هي الحصارات التي دفعت بالخالة (بخيتة) لتتجه صوب صحيفة (الجريدة) لا لتشكو أحد، وهل تشتكي الحكومة للحكومة؟! كان خيارها أن يعرف الجميع أنها لها قضية ولأنها لن تستطيع إختراق أسوار رئاسة الجمهورية، كان لابد لها أن تصرخ من خلال هذه الصحيفة وعبر هذه الصفحة التي تتحدث عن حقوق المواطنين. وأن تصل رسالتها للمسؤولين.
بخيتة ولكن:
بالرغم من أن اسمها (بخيتة) أي سعيدة بلغة أهلنا في غرب السودان، إلا أن السعادة لم تطل عليها لأكثر من سبعة عشر عاماً، منذ أن فارقت للأبد زوجها ورفيق دربها، الذي ترك لها ثمانية أطفال. في زيارتها الأولى (للبندر) كانت مرافقة لأختها المريضة بإحدى المستشفيات، وقضى الله أن تغادر شقيقتها وتترك لها طفلتها. بعد أن وارت زوجها ثرى مدينة الابيض حزمت أولادها واتجهت شرقاً هرباً من حالة اللاأمن، لتحط رحالها في مدينة أمدرمان.
تسكن "أم التيمان" أو هكذا يحلو لزبائنها مناداتها في أقصى مدينة أمدرمان منطقة تسمى (الجِخيس) لكن لكي تتماشي المنطقة مع (مركزية) الأسماء، أطلقت عليها الجهات الرسمية (الفتح 2) لكن الله لم يفتح على القرية بالماء والكهرباء حتى الآن، ومازالت تتواصل داخلياً عن طريق عربات (الكارو).
تشق عتمة الفجر عبر طريق مهجور، ترعبها همسات آخر الليل، وأشباح البشر البعيدة السالكة طريق الرزق، عبر رحلة مواصلات مرهقة ومُكلفة مالياً تصل الخرطوم باكراً لمكانها بالقرب من مستشفى الخرطوم لتعدل أمزجة طال بها السهر ومرافقة المرضى، وليل الخرطوم المضني، تبيع الشاي حتى وقت متأخر، وتذهب سريعاً لتطعم تسعة أفواه أرهقها الجوع والشوق للأم.
(كشة الجمعة):
دموعها لم تمنحنا الفرصة لمعرفة المعاناة التي تحس بها، ولم ندركها إلا بعد فترة، بعد أن أدركت أن دموعها أوشكت أن تنتهي، حينها صمتت برهة، مسحت دموعها بطرف ثوبها لتحكي: أن يوم الجمعة الماضية. بعد أن وضعت طعامها وشرابها إستعداداً لإطعام الصائمين، وقبل أذآن الافطار بخمس هجمت علينا (الكشة) وقاموا بإراقة المياه والأكل وكل ما كنا نعرضه، والناس تنظر غير مصدقة ما يحدث، لم استطع أن أحمي بضاعتي ورأسمالي ومعاش أولادي. سقطت لأصحو على صرخات ابني: " أمي ماتت، أمي كتلوها.. البربينا أنا وأخواني منو"؟ أفاقت: (بخيتة) لتجد وكأن إعصاراً داهمها هي وبضاعتها التي كانت تستهدف بها العشرات من الصائمين، ليتكامل الأجر، وتسهل للصائمون مشقة البحث عن مكان للإفطار.
رسالة للراعي:
أنا إمرأة أعاني من الضغط والسكرى، نذرت حياتي من أجل أطفالي، فلماذا يحاربونا في أرزاقنا، لا أريد أن أطعم أولادي حراماً ولا مجال لعمل آخر، نحن لم نسرق ولم نمارس الرزيلة ليضربونا في الشارع ويحطمون متاعنا، ولماذا يلقون بنعمة الله على الأرض؟ والصائمون في أمسْ الحاجة لتحليل صيامهم. نحن نبحث عن الرزق الحلال، قد لا يحسون بمدى المعاناة التي تواجهنا لنجمع مالاً ليكون رأسمالاً في هذه الأيام الصعبة، أولادي في المدارس يحتاجون لمصاريف ولا عائل لهم غيري. نحن في شهر الرحمة والمغفرة لماذا لا يخافون الله فينا. رسالة أوجهها للرئيس عمر البشير حسبنا الله ونعم الوكيل إن كنت تقبل أن يدوسونا بأقدامهم ويدمرون حياتنا!!
المنظمة القطرية:
في معرض حديثها ذكرت (بخيتة) أن هنالك منظمة قطرية تقوم بدعمهم كل فترة عبر وسطاء وموظفون سودانيون، وفي هذا الشهر المبارك قامت المنظمة بتوزيع كيس الصائم، لكنها لم تستلم المبلغ المالي المقرر لها، بالرغم من أنها بصّمت على الورقة بإعتبارها إستلمت المبلغ، وأخبرتها الموظفة بأنه ستستلم المبلغ بعد أيام، ولم تستلمه حتى الآن. مجموعة تساؤلات نرميها في محيط المنظمات العاملة في دعم الفقراء والمحتاجين.. هل هناك من يستغلون معاناة المحتاجين وبساطتهم؟ هل تستحق (بخيتة) والمئآت من أمثالها الدعم؟ وإذا لا تستحق، لماذا وقّعت على وثيقة الاستلام؟ وإذا كانت مُستحقة لماذا لم يتم تسليمها؟ سنحاول من خلال تحقيقاتنا القادمة الإجابة على هذه التساؤلات.
المحرر:
لن ننحو المنحى الذي ذهبت إليه الخالة (بخيته) لتفرغ جوفها من معاناتها، ولن نطلب من أحد أن يتقي الله فيما ولاه.. لن نشير لديوان الزكاة بأن هنالك من يقضون نحبهم حسرة وإحتياجاً، ففي دولة الشريعة والتوجه الحضاري، لا حاجة لنا بالصراخ في أوجه الولاة، بأن بغال الناس تتعثر في طرق وأزقة المدينة، لكن نناشد الخيّرين من الشعب السوداني، والمنظمات الانسانية لمساعدة هذه الأسرة، لأننا ندرك جيداً أن الخير والتعاطف والانسانية ستبقى متصلة إلى يوم القيامة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل 5 أشخاص جراء ضربات روسية على عدة مناطق في أوكرانيا


.. هل يصبح السودان ساحة مواجهة غير مباشرة بين موسكو وواشنطن؟




.. تزايد عدد الجنح والجرائم الإلكترونية من خلال استنساخ الصوت •


.. من سيختار ترامب نائبا له إذا وصل إلى البيت الأبيض؟




.. متظاهرون يحتشدون بشوارع نيويورك بعد فض اعتصام جامعة كولومبيا