الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التحول الديمقراطي في مصر

نائل جرجس

2011 / 8 / 14
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


تُعتبر ثورة مصر السلمية أحد أهم انجازات شعوب العالم العربي، حيث تمكّن الشعب المصري العظيم من إنهاء حقبة من الاستبداد والظلم. وقد تجلّت هذه الأخيرة بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المصري وكذلك انعدام الحريات وأي مناخ ديمقراطي يسمح بنشر ثقافة حقوق الإنسان وهذا ما يجعل تحقيق أهداف الثورة المصرية، بالانتقال إلى نظام تعددي ديمقراطي قائم على الحرية والعدالة والمساواة، أمرا عسيرا.

إنّ هذا التحول الديمقراطي المرجو في مصر أمرا محفوفا بالمخاطر ولاسيما وأنّ النظام المصري السابق، كغيره من الأنظمة العربية، ساهم في غسل العقول خاصة عن طريق النظام التعليمي وتغييب ثقافة حقوق الإنسان وأخيرا وليس آخرا تغييب الحياة السياسية وهذا ما أدّى إلى نمو تيار ديني متطرف نجح بجذب شريحة شعبية مهمة، بدعم مباشر أو غير مباشر من نظام مبارك. حيث لم يكف هذا الأخير من التشدق بعبارة "إمّا نحن أو الإسلاميون" وهذا التعبير نفسه لطالما استخدمته بعض الأنظمة الغربية بتحريض من إسرائيل من أجل إجهاض أي مشروع ديمقراطي وطني يثور على أنظمة الاستبداد التي ساهمت باستمرار اغتصاب الأراضي العربية وحقوق الشعب الفلسطيني. وهذا ما يفسّر الحزن الإسرائيلي على نظام مبارك وهو ما تجلى بوضوح بخطابات سياسييها إثر سقوطه.

فإسرائيل على يقين بأنّ زوال نظام الاستبداد في مصر والتحول الديمقراطي فيها، كما في بقية الدول العربية، سيؤدي حتما إلى نهاية فوقيتها وانتهاكاتها المستمرة للقانون الدولي ولحقوق العرب، لأن ميزان القوى سيكون بمصلحة شعوب المنطقة العربية التي يبلغ عددها مئات الملايين مقابل بضعة ملايين من الإسرائيليين نجحوا بتكبيل كل القاطنين في العالم العربي عن طريق هذه الديكتاتوريات. إنّ قيام أنظمة ديمقراطية في البلدان العربية بما فيها مصر سيؤدي إلى تقوية الاقتصاد عوضا عن نهب المقدرات وبناء جيوش قوية وشعوب متماسكة قادرة على استرداد الحقوق المسلوبة من طرف إسرائيل.

وللعودة إلى عبارة "إمّا نحن أو الإسلاميون" و "الديمقراطية والانتخابات النزيهة تفرز إسلاميين"، وهو أيضا ما يتشدّق به الإسلاميون المتطرفون أنفسهم، فإننا نقول بأنّ هذه "الديمقراطية الإسلاموية" غير مقبولة ومتعارضة تماما مع مفهوم الديمقراطية الحديث الذي أفرزته لنا الحضارة الإنسانية بجميع مكوناتها. حيث أنّه من المغالطة حصر الديمقراطية بالانتخابات لأنّ الديمقراطية جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان وهذا ما أكّده صراحة إعلان وبرنامج عمل فيينا لعام 1993 الذي اعتبر في فقرته الثامنة بأنّ "الديمقراطية والتنمية واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، أمور مترابطة ويعزز بعضها بعضا."

إنّ أي تشريع قانوني، حتى لو تمّ سنّه عن طريق استفتاء شعبي مصري، يجب أن يحترم حقوق الإنسان والأقلية مهما كان عددها. ولتوضيح الفكرة، فإنّ القوانين التي ينوي تطبيقها هؤلاء الإسلاميون المتطرفون في حال وصولهم إلى السلطة تتعارض كليا مع الديمقراطية هذه. فالتمييز الديني وقتل المرتد عن الدين، كما هو منصوص عليه صراحة في القانون السعودي والإيراني، يتعارض مع حق الإنسان في الحياة والحرية الدينية. كما أنّ جلد النساء والرجم كما يحدث حاليا في السودان، والكثير من العقوبات اللاإنسانية (التعذيب) يتعارض أيضا مع هذه "الديمقراطية". ومن هنا تبدو أهمية أنسنة الدستور المصري بما ينسجم مع الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان واستبعاد أية أيدلوجية سياسية أو دينية لأنها حتما ستؤدي إلى إعادة هيكلة نظام أشد استبداد وكذلك إجهاض أهم أهداف الثورة المصرية. كما يجب تشديد الرقابة الدستورية سواء على القوانين الحالية المصرية أو على مشاريع القوانين بشكل يؤدي إلى استبعاد كل ما يتعارض مع هكذا دستور وبالتالي مع منظومة حقوق الإنسان بمفهومها الدولي.

والخلاصة أنّ التحول الديمقراطي في مصر يجب أن لا يسمح لأي نظام سياسي يفرزه صندوق الانتخاب باضطهاد المواطن المصري وقمعه بأسم "التشريعات الديمقراطية" أو "الديمقراطية" لأن هذه الأخيرة وُجدت لمصلحة الإنسان واحترام حريته وحقوقه وإنسانيته وليس لسحقه واستعباده من السلطة الحاكمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الولايات المتحدة تعزز قواتها البحرية لمواجهة الأخطار المحدقة


.. قوات الاحتلال تدمر منشآت مدنية في عين أيوب قرب راس كركر غرب




.. جون كيربي: نعمل حاليا على مراجعة رد حماس على الصفقة ونناقشه


.. اعتصام لطلبة جامعة كامبريدج في بريطانيا للمطالبة بإنهاء تعام




.. بدء التوغل البري الإسرائيلي في رفح