الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورة عالمية في الأفق

إكرام يوسف

2011 / 8 / 15
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


يعيش العالم الآن على صفيح ساخن. ويبدو أننا بصدد انتفاضة عالمية ، ربما تتحول لثورة أممية تشهد نهاية الرأسمالية والليبرالية المتوحشة، وبداية نظام عالمي جديد أكثر عدلا.
فبعد ثورات الربيع العربي، التي استسهل البعض نسبتها لأجندات خارجية، كما لو أن شعوبنا ـ دونا عن شعوب الدنيا ـ لا تثور من تلقاء نفسها دفاعا عن الكرامة والحرية، ولا تستطيع الاحتجاج على الفساد والاستبداد إلا بفعل فاعل خارجي؛ ها نحن بصدد انتفاضات متوقعة تطول بلدان العالم الأول. ففي مواجهة الأزمة الاقتصادية، بدأت الدول المتقدمة، فرض قوانين تقشف على السكان، وتخفيض ميزانيات الخدمات والرعاية الصحية والتأمينات الاجتماعية، بينما يزداد أغنياؤها ثراء، وفقا لتقارير تؤكد ارتفاع ثروات أغنى أغنياء العالم على الرغم من ظروف الأزمة المالية العالمية الأخيرة!
وتوالت مؤخرا صور ضجر الشعوب؛ من احتجاجات بدأت قبل شهر في إسرائيل، إلى أحداث بريطانيا ـ و شرارة بدايتها مقتل شاب على يد الشرطةـ وصولا إلى إعلان الشباب الأمريكي عن تنظيم يوم غضب أمريكي في 17 سبتمبر المقبل على غرار مافعل الشباب المصري (ويبدو أن شباب أمريكا قرر الاستجابة لدعوة اوباما له بتقليد الشباب المصري).
ورغم مرور أيام عدة على الاحتجاجات اللندنية، لم نسمع حتى الآن حججا مبتذلة من قبيل الأصابع الأجنبية التي تحرك الأحداث، وليس من المتوقع بالطبع أن نسمع عن تمويل أجنبي يسعى إلى زعزعة الاستقرار وتعطيل عجلة الإنتاج، وما إلى ذلك من سخافات أبواق الدفاع عن نظام المخلوع في مصر وعصابته.
وعلى العكس من الثورة المصرية التي أبهرت العالم لتحضرها ورقيها، وإصرار الثوار المصريين على عدم اللجوء للتخريب رغم تعرضهم منذ اليوم الأول لإطلاق الرصاص الحي وقنابل الغاز، والقنابل المسيلة للدموع، وخراطيم المياه القذرة؛ بدأت الاحتجات في بريطانيا بإلقاء قنابل حارقة وإشعال سيارات وتخريب محال تجارية. ومع ذلك لم ترد شرطة لندن بعنف على المتظاهرين، ولم نشهد قناصة يطلقون الخرطوش أو الرصاص الحي، أو سيارات تدهس المتظاهرين بالعشرات من دون رحمة، كما لم نشهد بالطبع موقعة الجمل! بل أن وكالات الأنباء نقلت بعد أربعة أيام من الأحداث أن شرطة لندن " بدأت تبحث" تعزيز إمكانياتها لمواجهة أحداث العنف، وأن رئيس الوزراء "يدرس" إمكانية السماح للشرطة باستخدام الرصاص المطاطي، بعد أن بلغ عدد المصابين من رجال الشرطة في الأيام الأولى للأحداث111 مصابا. وهو سلوك بالطبع لا يرجع إلى طيبة قلب الشرطة الإنجليزية، أو حنية النظام الحاكم؛ وإنما هي قوانين وضعت لحماية حقوق الإنسان، لا يجرؤ مسئول على انتهاكها. وإن كان انتهاكها غير مستبعد عندما تستشعر الحكومات الرأسمالية الخطر الداهم فعلا!
ولكن الأنباء ترددت يوم الخميس الماضي (بعد خمسة أيام على الأحداث واشتعال الحرائق في أكثر من مدينة امتدت إليها الاضطرابات) عن أن الحكومة البريطانية "تبحث تعطيل شبكة التواصل الاجتماعي وخدمات الرسائل عبر الإنترنت مثل خدمات رسائل بلاكبيري وموقع تويتر خلال أوقات الاضطرابات". وعلى الفور، هاجمت مجموعة من القراصنة الموقع الإلكتروني لشركة بلاكبيري، بعد تعهدها بمساعدة الشرطة في تحقيقات أحداث الشغب.
ونجح فريق القراصنة في إزالة شعار الشركة الرسمي من صفحتها، وإزالة مساحة التدوين، ووضع رسالة تهديد للشركة بدلا منه، بأنها ستتعرض للانتقام إذا سلّمت للسلطات ما لديها من معلومات عن مستخدمي هواتفها المحمولة.
كما عقد البرلمان البريطاني جلسة طارئة لمناقشة الأحداث يوم الخميس (هل يتذكر أحدنا موقفا لبرلمان مصر أثناء ثورتنا؟). وأمام البرلمان، قال ديفيد كاميرون رئيس الوزراء ، إن بريطانيا "ستبحث" الاستعانة بالجيش لدى وقوع أعمال شغب في المستقبل حتى تتفرغ الشرطة للتعامل مع مثيري الاضطرابات.
وعلى الرغم من محاولة تصوير الاحتجاجات البريطانية على انها انتفاضة مخربين، إلا أن من قاموا بها هم أبناء الفقراء والأقليات الذين ينفجرون في الشوارع بين الحين والآخر، تحديا لقوانين لا تحترم وجودهم ولاتعيرهم انتباها، وليس التخريب أو أعمال العنف سوى تعبيرا عن عدم احترام تلك القوانين؛ فالملاحظ من شهادات شهود العيان أن الشباب الساخط يقوم بأعمل تخريب للمتاجر، من دون نهبها؛ ومن ثم سيكون من الغباء بمكان، اعتبار أساليب القمع كفيلة بإخماد هذا السخط.
وقبل نحو شهر ، اندلعت في شوارع الدولة الصهيونية احتجاجات مماثلة، وإن دعا إليها أبناء الطبقة المتوسطة، ممن ضجوا من التركيز على بناء المستوطنات بدلا من تحسين الحالة الاجتماعية للمواطنين. ومن المتوقع أن ينضم إلى هؤلاء تدريجيا أبناء الطبقات الفقيرة التي تعاني من سوء الأحوال الاقتصادية، فضلا عن السكان العرب الفقراء ومعاناتهم المزدوجة.
كما يتوقع أن يكون العماد الأكبر لشباب الغضب الأمريكي في السابع عشر من الشهر المقبل، أبناء الطبقات الكادحة والجاليات الفقيرة، المهمشين في دولة عظمى لا تقيم لوجودهم حسابا ويعانون من الظلم الاجتماعي والإجحاف الاقتصادي.
وإذا كانت الثورة في مصر اندلعت بالأساس يوم عيد الشرطة سخطا على امتهان كرامة المواطنين، ورفضا لممارسات أجهزة القمع؛ إلا أن الظلم الاجتماعي الذي يعانيه أبناء الطبقات الفقيرة ينذر بانتفاضة عاتية مقبلة، مالم يتدارك الحكام الحاليون الأمر بسرعة. و لاشك أن الظروف مهيأة أكثر في بلداننا النامية، لانتفاضات اجتماعية واقتصادية مماثلة وربما أكثر عنفا، بعدما فاض الكيل بالفقراء.
وهكذا تؤكد الأحداث يومًا بعد يوم، أن النظام الرأسمالي أكمل دورته، ووصل حد التوحش الذي لم يعد محتملا، بعدما صار 0.2 ف المائة من سكان العالم يمتلكون وحدهم نحو 70 بالمائة من ثرواته. وإذا كان العقدان الماضيان شهدا بدايات حركات متعدية للقوميات تناضل ضد العولمة المتوحشة أو الليبرالية المتوحشة، فيبدو أن العالم يسرع الخطى نحو عولمة جديدة أكثر إنسانية، تجعل الكلمة الأولى للشعوب، وليس للاحتكارات.. فهل يشهد جيلنا بدايات ثورة أممية حقيقية قادمة؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هنية يؤكد تمسك حماس بدور الوسطاء للتوصل لاتفاق متكامل لإنهاء


.. قرار الجيش الإسرائيلي بشأن -الوقف التكتيكي- لأنشطته العسكرية




.. الولايات المتحدة .. قواعد المناظرة الرئاسية | #الظهيرة


.. في أول أيام عيد الأضحى.. مظاهرة قرب السفارة الإسرائيلية بعما




.. بسبب منع وصول المساعدات.. غزيون يصطفون في طوابير طويلة من أج