الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أصول النقد والحِرَفية الأخلاقية للناقد

كامل كاظم العضاض

2011 / 8 / 15
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


أثار المقال الأخير للدكتور عبد الخالق حسين المنشور في بعض المواقع الصحفية الإلكترونية بعنوان، "تلامذة غوبلز يتفوَّقون على أستاذهم"*، والمراد بإستاذهم هنا، هو جوزيف غوبلز، وزير دعاية أو إعلام أدولف هتلر، أثناء الحرب العالمية الثانية، أثار لدي بعض الهواجس والملاحظات التي تراكمت، ليس فقط من خلال مطالعة هذا المقال، إنما من خلال متابعة معظم ما ينشر من نقد، ونقد تحليلي، أحيانا، حول الأوضاع والظواهر السلبية، (ونادرا منها الإيجابية)، في العراق في عهده الجديد، أي بعد إسقاط النظام السابق، وإحتلال البلاد في نيسان من عام 2003، وحتى الوقت الحاضر. ونحن هنا لسنا بصدد تقديم نقدا خاصا بنا لهذه الأوضاع، فقد كتبنا الكثير نحن بدورنا حولها، ولكننا نتوخى مناقشة منهجية النقد ذاته، حيث نعتبرها مهنة حِرَفية، حتى ولو مورست، كتعبير عن رأي سياسي، بغض النظر عن حِرَفية الكاتب أو مقدار إمتلاكه للإمكانيات الكتابية النقدية وغير النقدية. مثل هذا الكاتب لا يهمنا هنا، فهو يريد أن يعبر عن رأيه، بغض النظر عن مقدار صوابيتة أو منهجيته العلمية في الكتابة. نحن نهتم هنا بالكُتّاب الذي يكتبون بحِرَفية، أو يطرحون أنفسهم ككتاب ناقدين، وقد يقبلهم الكثير من القراء بهذه الصفة. عموما، لاحظت ان الكتابة النقدية نادرا ما تكون متجردة وحِرَفية، إذ لابد أن تصطبغ بأيديلوجية الكاتب وإنحيازاته الشخصية، وقد تكون إنحيازاته نابعة عن قناعة حقيقية، أو أنها متأثرة أو مؤثر عليها بمصالح خاصة قد يجنيها الكاتب، ولا نقول أنها مصالح قد تكون بتعويض مادي، بغض النظر عن حجم العوض وكيفيته، سواء كان مباشر أو غير مباشر. وكيف يتسنى لشخص مثلي، لا تربطه معرفة أو علاقات وثيقة وشخصية مع الغالبية العظمى من الكتاب الذين يقعون ضمن التصنيف العام المذكور آنفا. كيف يتسنى له تقديم براهينه ومستنداته لإثبات الدوافع المصلحية للكاتب الناقد. لا لا يمكن الإدعاء بأننا نستطيع ذلك، ولربما نحن لسنا بحاجة الى ذلك أصلا. يكفي أن ننقد النقد وفقا للمنهجية النقدية المتبعة، أما المصالح الخفية، فأمرها متروك للقضاء إن كانت رشوة فيثبتها، أوهي متروكة للأيام والشهود والنتائج لتبيّنها، كحقائق مثبوته وقعت، مع التواريخ والشهود. هذا ليس من إختصاصنا، ولايمثل رغبتنا، وبالتأكيد هو ليس الهدف من مقالنا هذا. وعليه، فالمقال ليس إتهام موجّه لأحد، ولا هو موّجه ضد ما كتبه الأخ عبد الخالق حسين، متهما معد فياض، بالكذب والتدليس والتجني على حكومة المالكي، وإتهامها زورا بأنها قدمت 10 مليار دولار دعما للأسد لتمكينه من شعبه الثائر وبأوامر من إيران، وذلك بنقله معلومات أفاده بها مجهول، لا وجود له، برأي الدكتور عبد الخالق، وأن الأمر، برأيه، أي رأي الأخ عبد الخالق، لايعدوا أن يكون فرية بائسة لا أكثر. كما يتجاوز الأخ عبد الخالق معد فياض ويتهم الحزب الشيوعي العراقي الذي قد ينتسب إليه السيد فياض، لقيامه بنشر هذه الفرية أو الكذب على الطريقة الغوبلزية، إي الإفتراء المتكرر للإيهام بصدق الفرية، في صحافته. أنا شخصيا لا أعرف السيد معد فياض، ولا صدف أن قرأت الخبر بنفسي على صفحات طريق الشعب، لسان حال الحزب الشيوعي، ولكني قرأت الخبر في أماكن متعددة، ولم أصدقه إطلاقا، لأن مبلغ كهذا لايمكن أن يمرر "من تحت العباءة"، إذ لابد أن ينفضح. وهنا أنا متفق، تماما، مع الدكتور عبد الخالق، فالمنطق هنا، وليس مستند الدفع الحسابي، يكفي لطرح التساؤل المشروع، وبالتالي فضح القضية. ولكني أود أن أسأل الأخ عبد الخالق، إذا كنت تتهم معد فياض بإنه يكذب حول وجود مصدر سرب له هذه الكذبة، ونفيت، بصورة قاطعة، وجود مثل هذا المصدر. السؤال لعبد الخالق، هو ما هو برهانك أنت أيضا لنفي وجود المصدر؟ هل القصة من تأليف وإخراج السيد معد وحده، إذن هو، في هذه الحالة قد يعتبر مؤسسا لمدرسة غوبلزية كاملة في العراق، وأنه الوريث الحقيقي لجوزيف غوبلز! ماذا لو صرح السيد معد، علنا، بإسم المصدر؟ وأنا أخمن بأنه لابد أن يكون هناك مصدر ما، سعوديا كان أم غير سعودي. في هذه الحالة يصبح دور معد فياض، كصحفي، مجرد ناقل لخبر بصفته صحفي ليس غير. أما طريق الشعب، فهي صحيفة تنقل أخبار، هذه مهمتها، وإذا ما نشرت خبرا، فالمسؤولية على مصدر الخبر المباشر أوغير المباشر. فمتى كانت الصحافة تفتح تحقيقا قضائيا مع كل مخبر وصحفي يشتغل معها، لكنها تستطيع تحميله المسؤولية في حالة ثيوت كذب الخبر.
نلاحظ، إذن، بأن هناك ثمة علاقة قوية بين النقد ومقدار الإلتزام الأخلاقي بإتباع الحِرًفية أو المهنية في توجيه النقد؛ إذ لا يجوز أن تغدق على نفسك، كناقد، حقوقا أنت تستنكرها، اي هي موضوع نقدك أيضا. فحين تنفي وجود مصدر لخبر معد فياض، بدون برهان، تعتبر معد فياض كاذبا أو مؤلفا، بإيحاء أو بتمويل من السعودية، وهنا غصت بالرمال، كيف تثبت ذلك؟ بل تجاوزت مخيلتك معد فياض، فإتهمت حزبا شيوعيا بطوله، بأنه واقف الى جانب السعودية، مشيا على قاعدة "عدو عدوي، صديقي"، وذلك شحنا ضد حكم وطني لا يجد من يساعده ليستقر، ليشيد الديمقراطية والتنمية الوطنية الى ما هناك من أهداف وطنية. فحكومة المالكي مظلومة بالنقد الهدّام، وليس البناء، وتعتبر نشر أكذوبة معد فياض هي من نوع النقد الهدّام. من الناحية الشكلية، يبدو بأن هذا التخريج مقبول، ولكن من ناحية موضوعية، ينطبق عليه القول، "ما هكذا تورد يا عبد الخالق الإبل"!! هنا تتطلب مهنة النقد طرح التساؤلات، ضمن إطار من الإحتمالات، تطال منطقية الخبر من جهة، وصدقية ناقل الخبر ودوافعة، إن وجدت من خارج مهنته، كصحفي، من جهة ثانية. بل ولماذا لا تتجه بالسؤال مباشرة الى السيد المالكي نفسه، فهو يملك جيشا من المستشارين والإعلاميين، وإمكانيات دولة. كما هناك برلمان، وهناك مسؤولون، وهناك معارضون وهناك صحافة، لماذا لا تشحذ هذه الإمكانيات لإطفاء الخبر والتأكد من أنه مدسوس، وربما مدسوس على معد فياض نفسه. فلا يمكن يا سيد عبد الخالق أن تتصور بأن ما تكتبه هو القول الفصل، فللنقد ونقد النقد كذلك أصول وأخلاقيات ومهنية منهجية. منها المنهجية المنطقية، ومنها منهجية الإستقراء، ومنها منهجية الإستنتاج الحيادي الأمين، وهذه أمور تستلزم جهدا وتعبا، ولا يمكن تحبير مقالات خلال سويعات أوأقل وتوجيه الإتهامات والتشخيصات بتعميمات، تفتقد الى مناهجها. وثمة إطار يؤطر عملية النقد بكل أصوله، وهو يتمثل في مقدار تسامي أخلاقيات الناقد، وحسابه الدقيق لآثار أحكامه وخصوصا إذا كانت تنطوي على نتائج تضّر بمستقبل ومصالح ومصادر عيش شخص ما، مهما كانت صفة ذلك الشخص. وإذا كنت لا تريد لنقدك أن يطال، بدون برهان، شخص محدد بالأسم، وهذا هو الأهم، فركّز على الخبر بذاته، وإجعل المصدر مبنيا على المجهول، طالما أنك طرحت أسئلة التحري بمنطقية وبمنهجية نقدية عالية. فكلنا كتبنا عن الفساد، ولم نسمِّ شخصا معينا بذاته، إلا من كان يُحال على القضاء بصفته متهم فقط. ولا يجادل أو ينفي أحد حالة الفساد الفضيع في العراق، ولكن لكل حالة من التشخيص شروط وحقائق، كما في حالة شركتي الكهرباء، الألمانية والكندية، هناك إثباتات ميدانية، فمن المسؤول؟ وزير الكهرباء وحده؟ كلا!؟ أنت أخ عبد الخالق موجود في بريطانية وتحمل جنسيتها، أرجو أن تسأل النائب عن منطقتك الإنتخابية، بغض النظر إن كنت قد إنتخبته أم لا. إسأله، لطفا، عن معنى "المسؤولية الجماعية"، "Cabinet or Collective Responsibility" "والمسؤولية الوزارية"، "”Ministerial Responsibility، والفرق بينهما حسب الدستور البريطاني العرفي، أي غير المكتوب، ولكنه مع ذلك من أرسخ القوانين الدستورية في العالم، وبريطانية، بل إنكلترا، كما قد تعلم، هي أم الديمقراطيات في العالم المعاصر. ثم عد وقل لنا، فيما إذا أن وزير الكهرباء وحده هو الذي يجب أن يستقيل، وأن رئيس الوزراء، كالملك، مصون وغير مسؤول، ولا يمكن أن يستقيل؟؟؟

********************************************************************
*مقال الدكتور عبد الخالق حسين

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=270371








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - من اصبح غوبلزيا؟
احمد نادر ( 2011 / 8 / 15 - 08:10 )
السؤال الى عبد الخالق حسين؟


2 - لا فظ فوك
عباس علوان ( 2011 / 8 / 16 - 09:06 )
تحية حارة للكاتب الكبير، أعظم مقال قرأته في حياتي، يمتاز بالوضوح والدفاع عن الحق، والكاتب عادل في حكمه، فهو لا يصدق أن المالكي دفع 10 مليار دولار لسوري، ولكنه مع ذلك يدافع عن كاتب التقرير، وهذا عمل عظيم يشكر عليه الأستاذ الكاتب

اخر الافلام

.. صاروخ باليستي روسي يستهدف ميناء أوديسا


.. ما فاعلية سلاح الصواريخ والهاون التي تستخدمه القسام في قصف م




.. مراسل الجزيرة يرصد آثار القصف الإسرائيلي على منزل في حي الشي


.. خفر السواحل الصيني يطارد سفينة فلبينية في منطقة بحرية متنازع




.. كيف استغل ترمب الاحتجاجات الجامعية الأميركية؟