الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سندرلا الرمل

فليحة حسن

2011 / 8 / 15
الادب والفن


لم تكن صفحة السماء المرتفعة فوق رأسها تشي بشيء ما، فقد كان صفاؤها يغري بالجلوس والتأمل، هنا قررت أن تفرش الحصيرة التي اعتادت فرشها كل يوم وتجلس، واضعة إلى جانبها كتاباً، ودفتر ملاحظات، هي هكذا، تعلق على كلّ ما تقرأ ،وكأنها محترفة كتابه، أو ناقد يسعى لاقتناص الجمل، كانت تهرب بين الفينة والأخرى الى الفجوات للتأمل مابين السطور المدونة، وفي واحدة من لحظات هروبها أحست بأنها تجلس على بساط الريح، فقد اخذ الحصير يرتفع من كل الجهات، وكان لا يجذبه للأرض إلا ثقل جسمها، الذي صار هو الآخر يخفّ شيئاً فشيئاً،
اندهشتْ، ورفعتْ وجهها للسماء، فرأتْ أوراق دفترها وقد انفصلتْ بعضها عن البعض، وأخذتْ تحلّق بطريقة لولبية، اتسعتْ عيناها وهي ترى وجه السماء، وهو يتلوّن بالأصفر، ثم البرتقالي، فالرمادي ، شيئاً فشيئاً، لم تشأ أن تهرب من الرمل الذي ملأ كل مساماتها ،وكثيراً ما هدّأت نفسها
– نحن في الصيف،وليس هذه الريح إلا دوامة ستنجلي عما قريب،وليس من اللائق بي وأنا الإنسانة أن انهزم أمام زفرة طارئة للطبيعة،
هكذا أقنعتْ نفسها، وشيء من الزهو اخذ يعتمر روحها، امرأة تواجه العاصفة، هكذا وجدتْ نفسها بطلة تقف أمام إعصار هائل، وتصل حدّ شجاعتها امتطاء ذلك الإعصار بعد ترويضه.
نشوة حلم اليقظة الذي عاشته ،جعل جسدها يتحد وأطنان الغبار القادم من بعيد كلّ ما فعلته إن أسرعتْ ،وأغلقتْ النوافذ ،والأبواب، وخرجتْ دونما دروع، لكي تقابل جنود الرمل
شيئاً ما، اصطدم بالباب الرئيسي للدار،ربما حجر هاوٍ حملته الريح، حجر افزع تلك السيدة ودق باب ذاكرتها، فارتسمتْ صورة شوهاء لطفلين تائهين كانا قد خرجا لشراء بعض الحلوى من الدكان المجاور،
فزعتْ اصطكت أسنانها رعباً وأخذتْ كلّ عظامها ترتعد، وهي تسأل ماذا حل بهم صغيراي؟؟
بصعوبة هائلة استطاعتْ وضع عباءتها على رأسها إذ إن أصابع الريح كانت تعمد الى نزعها عن رأسها، فتحسب المرأة عباءتها بعنوة من قبضة الريح، وتلفّها على جسدها،
استغرق الوقت أمداً طويلاً وهي تحاول أن تصل الى باب البيت، فالريح ربما أحست بأن تلك المرأة تحدتها، لذا أرادت أن تبين لها خسران ذلك التحدي،
دفعت نفسها بقوة الى الباب، وسمرت قدميها على دكته، ومدت كفها الى أكرته، وسحبته بعنف لم تعرفه فيها إلا الآن، فتحت الباب غير إن العاصفة أغلقته بوجهها مرات،
ولما لم تتراجع السيدة عن قرارها لانت الريح قليلاً، فتمكنت الأخرى من الخروج من الدار غير إن الريح لم تقبل بهذا القرار، وعبرت عن احتجاجها بان أغلقت الباب بضربة كادت أن تسقطه أرضاً،
فتحت السيدة عينيها، لم ترَ شيئاً لقد صار الجو عبارة عن جلد متغضن تتراكم عليه طبقات الرمل ،
- أين صغاري؟
سؤال يكاد أن يطيح بعقل المرأة، ويسقطها أرضاً، ركضت في شرايين الشوارع المتجلطة بالرمال لم تر شيئاً، لا الأولاد لا الدكاكين لا السيارات لا الشوارع نفسها ،وكأنما أعطت الريح قراراً فورياً لكلّ شيء بان اختفي أنا قادمة،
كان ضوء سيارة يلوّح من بعيد وكأنه مصباح لص، أو إشارة لفراغ الدنيا من حياتها،
فجأة امتدت شوارع الرمل إمام عينيها ،الفضاء الذي لم تره بهذا الاتساع إلا اليوم وغابات الخوف التي تتسع حتى تصل أقاصي النفس، وهي وحيدة، بلا مثيلات ،
أم ثكلى تتكسر أصداء صرخاتها بحائط الرمل،الرمل الذي احتفظ به صوتها، بعد أن ملأ كلّ فمها، فقط لسان المزمار وقف حائلاً دون سريانه الى جوفها ،
لم تكن تعتمد على عينيها في البحث،فقد استحالت رموشها قضبان رمل منعت بصيص الضوء أن يتسلل الى عينيها الآتي غارتا في ظلام دامس،بعد محاولات عديدة للإبصار باءت بالفشل .
كانت أسئلة مثل أين أجدهم ؟
الى أين رحلوا ؟
تدور في رأسها، وتدير المرأة حول نفسها، صارت اليد اليمنى وسيلة لشق اللاشيء الممتد الى ما لانهاية ،بينما بقيت اليد اليسرى تتمسك بكلّ قوتها بطرفي العباءة،
المرأة تحاول أن لا تنكسر، والزوبعة تريد لها التشضي، دار الجسد مع الزوبعة ،أو أدارت زوبعة الرمل جسد السيدة،وألقتها في ركن قصي،
اختلط صوت ارتطام عظامها بصدى القرميد المطبوخ فوق جلد الحائط ، صار الألم لقاحاً ضد اليأس، هكذا سحبت نفسها رويداً رويداً، وتكورت بعباءتها المزدانة بالرمل والتراب، بينما وقفت الزوبعة الرملية كفارس شحذ كلَّ أسلحته بانتظار مبارزة حاسمة، إلا إنها سرعان ما تراجعت حينما أبصرت شبح المرأة الرملي يحاول النهوض من جديد متكأ بكلتا يديه على الجدران، ثم صار يرفع جسده المتهالك عن الأرض قطعة قطعة .
كانت الخطوة الأولى أصعب ما مّرت به السيدة من مراحل حركتها، أحست بثقل جسدها وهي تضع قدمها على سطح الشارع محاولة المشي
– كيف امشي ؟
عصرت ذاكرتها الواهنة، أتاها الجواب
- ( ندفع الأرض الى الوراء فتدفعنا الى الإمام )
هكذا سمعت من زمن احدهم شارحاً قانون المشي ،هنا جربت دفع الأرض الى الوراء ،
وبدلاً من أن تدفعها الأرض الى الإمام أزلت قدمها فسقطت، تكررت المحاولات،
غير إن الرأس وحده لا يستطيع جر الجسد، وان كان يخصه، هنا استعانت المرأة بأطرافها الأربعة وأخذت تحبو،
لم تنقشع العاصفة غير إن طبقة من الهواء أزاحت طبقات الرمل العالقة في جلد السماء وسمحت بالضوء أن يتخللها،
فاستقبلته عيون المرأة بمهرجان دموع
- أين هما؟
تحول الصوت الى أنين، وصار يتردد على وقع خطوات المرأة الزاحفة في قلب شيء امتزج به الزمان بالمكان، تلفت قلبها صوب الجدران المطلية بالرمل الأحمر، ووقعت عيناها على باب دارهم،
أسرعت الزحف بمزيج من مشاعر الخوف من الفقدان والأمل في اللقاء، ما تزال الريح الرملية بعويل ذئبي تشن حربها على كلِّ ما هو واقف وتجبره على الرضوخ جاثياً ،
طرقت الباب، لم ُتفتح،
بكلتا يديها حاولت هذه المرة ،وكررت الأمر مرات عدة، انفتح الباب كان (هو) يغطي انفه وفمه بالمنشفة صارخاً بوجهها
- لماذا خرجتِ ؟ لقد عادوا؟ هيا ادخلي ؛
أمسكت بدكة الباب ،ورفعت رأسها، فرأته يدخل الغرفة مسرعاً،بينما أخذت تسحب نفسها رويداً رويداً الى داخل البيت،
هرع إليها الطفلان ،امتدت المرأة نحوهما بكل جسدها، لتشهد العباءة اختلاط دموع اللقاء برمل العاصفة ، وابتدأت مواسم العناق
- أمي أنتِ حافية ؛؟
صاحت الصغيرة بعد أن نظرت الى قدميّ أمها، هي الأخرى لم تنتبه لهذا الأمر،
...................................
وفي رواية أخرى قيل:
إن المرأة لما خرجت تبحث عن طفليها،صادفها ملك الرمل، وحين طلب منها اصطحابها الى وادي عبقر في اليمن كملكة متوجه، رفضت بشدة.
وبخبر آخر قيل:
إنها هددته بفضح سره للماء، وقيل ترجاها أن تترك له ذكرى للقاء لم يتم، فلم تفرط بعباءتها ، ولا بنظرة عابرة، فكان أن سلب منها حذائها ،
وقيل:
بأن جارتها بعد أن سمعت همهماتها ومن تلك الساعة والى الآن وهي تناديها سندرلا الرمل ،








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض


.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل




.. كل يوم - رمز للثقافة المصرية ومؤثر في كل بيت عربي.. خالد أبو


.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : مفيش نجم في تاريخ مصر حقق هذا




.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : أول مشهد في حياتي الفنية كان