الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وحشٌ طليقٌ في الشام

ليث العبدويس

2011 / 8 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


يُجانِبُ الصوابَ منْ يَظُنُّ أنَّ الستالينيّة ولّتْ وماتتْ، كلّا فقد بُعِثتْ من جديد، ويُخطِئُ من يَعتَقِدُ بِرَحيلِ النازيّة ومعسكراتِ الاعتقال وَحُقول الإعدام، فَهي لا تَزالُ حيّةً قائِمةً، أنْ تنهارَ نُظُمُ القتلْ الجماعي وتنكفئ في مكبات النفاية التاريخية لا يعني بالضرورة انتهاء التجربة او زوال النموذج، فهناكَ على الدوام وعلى مَرّ الأزمان ثمة إقبالُ غامِضٌ لاستلهام الفكرة الجهنميّة واستيحاء طرائِق الشيطان.
تتبلورُ في شَرقِنا الأوسط مَعالِمُ "بورما" جديدة، بِنِظامٍ عسكريٍ شَرِسٍ يتولّى كِبَرَهُ "بول بوت" او"سابور" ذي الأكتاف، وبِئسَ المثابة والسَلَف، "نيرونٌ" جديدٌ يُحرِق اخضرار دِمشق وَيَأدُ فَتياتِ حماة، من خَلفِ جدارهِ الفولاذي السميك، يُجري نِقاشاً مُتحضراً مع شَعبِهِ عَبرَ فوهاتِ البنادِق، ولآنَّ رَقبتَهُ طويلةٌ ناشِزةٌ في طولها، يرى أن اعواد المشانِقِ كفيلةٌ ان تُطيل اعناق شعبِه، فيستترُ عيبُ القائِد، وَيُكبَتُ الجاحِدْ، ويتماهى المواطِنُ مع النِظام، ببالِغِ الوَدّ والهيام.
الرَجُلُ ابنُ أبيه، عاصرَ أجواءَ القَرَف الثوري والتملمُلات العمياء، وشَهِدَ العسكَرَ القوميين يَركبونَ موجةَ التغيير ويختَطِفونَ السُلطة باسم الإنقاذ والحُريّة، وابصَرَ البلدِ يتحولُ رويداً رويداً الى سِجنٍ هائِلٍ قُمِعَ في قُضبانِهِ كل صوتٍ مُعارض، فأعجبتهُ منذُ الصِغَر اُحجيةُ الاستبداد، وانكبَّ عليها تفكيكاً وتَحليلاً، واستهوتهُ منها تحديداً نظريةُ المؤامرة ولُعبةُ الدسيسة، فأتقنها أيما إتقان، وزادَ عليها بِما تفتقَ عنهُ ذِهنُ الطبيب المُنحَرِف، تحويلُ الوطنِ بِرمَتِهِ الى ظاهِرة المُنظمة الأمنيّة وخلايا المُخابرات، وزرعِ عينٍ للنِظام بين مواطِنٍ وآخر، فالأبُ لا يأمنُ وَلَده، والزوجُ يخشى زوجته، والكلُّ مرعوبون حتى نُخاعِهمُ من شُعَب التحقيق وفُروعِهِ الشهيرة، مُحولاً الدولة البوليسية الى شيءٍ أسوأ، الى سِردابٍ ومجاريرَ وثُكنة وجوقة قُرودٍ مُتقافِزةً ومُستودَعَ خياناتٍ سريّة وحانة رَقصٍ بالنار مع فتائِل البارود وصواعِق التفجير، عابِثاً بالمستقبل الغائِم والحاضِرِ الطافِحِ بالسواد، وانتهى طالِبُ جِراحة العُيونَ الى نتيجة كُل الطُغاة الغابرين، أن خيرَ طُرُق الطُغيان هي تلك التي عبّدها الأولون، فالمضمونُ ما جُرّب، ولا خيرَ في التجديد، فَلمْ يَحُد عن سِكة الوالد قيد شَعرة، وهو الذي وَرَثَ عنْهُ زنزانةً ومِطرَقة، فأما الزنزانةُ فَكانَ من الطبيعيِ انْ يَنظُرَ للناسِ أنهم مُجرّدَ "مُنشَقّين" وحُثالات لا تستَحِقُ الحياة، ينبغي رَميَهُم في ما وراءِ حُدود المجموعةِ الشمسيّة إذا ما خَبا هِتافَهم بِحياة الزَعيم الأوحد، وَلنْ يُجدي حينها عُذرُ الأعياء أو السُعالُ العارض، فالزَعيقُ باسم القائِد الضَرورة فَرضُ عينٍ على مَن بَلَغُ الحُلُم والرُشدْ، هكذا كانتْ تعاليمُ الأب الراحِل، وهكذا تجري الأمورُ في الشام المنكوب المُستَباح، هكذا أهينَ الإنسانُ فلمْ يَعُد حتى لِجُثمانِهِ أدنى كرامةٍ أو اعتبار، حَقُهُ في الحياةِ مسلوب، وحَقُّ رُفاتِهِ في التكريم مُصادَر، فَجُثَثٌ في المزابِل، واخرى تُقذَفُ في الأنهار كأيِ جيفٍ نافِقة، وثالثة تعلِكُها جنازيرُ الجيش الذي نَفَذَتْ عزيمَتُهُ وخارتْ قِواه وَدَلَقَ ضُبّاطُهُ الميامينُ آخِرَ عُلبة بيرةٍ مُرّةٍ في حَفل الهزيمة الشنيعة عندَ اعتاب الجولان والسويداء، أُسودٌ كقائِدِ قواتِهمُ المُسلّحة على شعبِها دونَ سِواه، وأما المِطرَقةُ فَتُحيلُ البشرَ الى محضِ مسامير، قابلةٌ للخَلعِ، للطرقِ، للتعديلِ، للنبذِ، للتهشيمِ، للتحطيمِ، عليكَ ان تبقى مُلتَصِقاً بِخَشَب السُلطة المُتعَفّن، والّا تعرض رأسُكَ للاقتِلاع، كأيِ مِسمارٍ ناتِئ.
ومهما حاولَ الشَعبُ لَفتَ نَظر القيادة الحَكيمة الى أحوالِهِ المُرّة الأليمة، وانهُ ليس يباباً أو هباباُ او بَهيمة، جاء الرَدُّ سريعاً كَعادة ريمة القديمة: ترى الإرادة العليّة لفخامة رئيس الجمهوريّة وبالتشاوُرِ مع المُبجلينَ الكاريكاتوريين الورقيين من القيادة السياسية العليمة الفهيمة الأبية، ان وصف "البشرية" مع ما يترتبُ عليهِ من حصاناتٍ وامتيازاتٍ وحُقوق هو تشريفٌ حصريٌ بِمقام رئيس مجلس قيادة الثورة السَرمَديّة، وان مُجرّدَ التفكيرِ في نيلِهِ او المُطالبةَ بِهِ هو دَعوةٌ للتمرُدِ والعصيان ومُحاوَلةٌ لِهدم مؤسساتِ الدولة وبُناها التحتية، بَل يَرقى الى مُستوى التَخابُرِ مع الأجنبي والتواصُلِ المشبوهٌ مع المُتمردينَ الضالينَ القابِعينَ خلفَ الحُدود واعانةٌ للفِئة الباغية وتستُّرٌ على إرهابيينَ خَطرين، وخيانةٌ عُظمى ما بعدها خيانة، ونحوَ ذَلِكَ مما لا يَتَسِعُ المقامُ لِذكرِهِ من نُعوتِ التَطرُّفِ والأُصوليّة، والتُهم المُقولَبة الجاهزة الساخنِة، وعليهِ استقرتْ إرادةُ الحاكِمِ بأمرهِ تجريدَ حملةٍ عسكريّةٍ كُبرى لتجفيف مَنابع الحُريّة من العُقولِ الفَتيّة، وتوجيهِ ضربةٍ ساحِقة ماحِقةٍ جَسورةٍ لإعداء الشعب والوَطَن، وننتَهِزُ الفُرصةَ لِنُجددَ عهدَ البيعةِ الفاسِدة والطاعة العمياء والولاء المُباع لِقائِدنا الضَرورة، وعاشتْ أُمَتُنا العربيةُ المجيدةُ بمنأى من شرور الديمُقراطية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا وراء سجن المحامية التونسية سنية الدهماني؟ | هاشتاغات مع


.. ا?كثر شيء تحبه بيسان إسماعيل في خطيبها محمود ماهر ????




.. غزة : هل توترت العلاقة بين مصر وإسرائيل ؟ • فرانس 24 / FRANC


.. الأسلحةُ الأميركية إلى إسرائيل.. تَخبّطٌ في العلن ودعمٌ مؤكد




.. غزة.. ماذا بعد؟ | معارك ومواجهات ضارية تخوضها المقاومة ضد قو