الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الماركسية والايكولوجيا

سعدون هليل

2011 / 8 / 16
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


الماركسية والايكولوجيا – قراءات في الأدب الماركسي
المفهوم المادي عن الطبيعة


الدكتور ثامر الصفار- مؤلف الكتاب يتمتع بثقافة فكرية وفلسفية واكاديمية واسعة، ويلم بمعارف كثيرة في العلوم الانسانية، وله وجهة نظر صائبة وعميقة في مشاكل الجدل والفكر الفلسفي والعلوم الاجتماعية. والصفار دكتوراه في هندسة البيئة، كاتب وباحث ومترجم في قضايا الفلسفة والعولمة والبيئة، نشر العديد من الدراسات والأبحاث العربية والانكليزية في عدد من المجلات والصحف العربية والانكليزية ومن مؤلفاته: ايام لا تنسى، انشتاين والقضايا الفلسفية لفيزياء القرن العشرين 1989، منطق ماركس. ويحتوي الكتاب على مقدمة وعشرة فصول.
ان المنهج العلمي الماركسي ينظر الى الواقع والظواهر باعتبارها وجوداً متطوراً باستمرار. وهي للتحقيق التجريبي والتطبيقي، اما منهج الفكر الميتافيزيقي فهو ينظر الى ظواهر الواقع الموضوعي على انها نتيجة لظواهر اخرى ذات طبيعة مغايرة، تعلو على التحقيق التجريبي.. تلك هي بؤرة العدسة المتفجرة في العلاقة بين المنهج العلمي والمنهج الميتافيزيقي.
يستعرض الباحث ثامر الصفار، مساحة واسعة من تاريخ الفكر الفلسفي لماركس وانجلز ومعاصريهما، الأمر الذي تطلب قراءة أدبهما المنشور سواء بالعربية ام بالانكليزية ويفيدنا المؤلف: "سعيت جاهداً عند حاجتي الى ترجمة النصوص الانكليزية، ان أعتمد مبدأ وضوح النص وليس حرفيته، أما في حال الترجمات العربية فقد آليت الاستفادة منها وتدقيقها مع النص الانكليزي معتمداً في ذلك على مراجع موثوقة اهمها الموسوعة الفلسفية والترجمة الرائعة لمؤلف ماركس "رأس المال" التي قام بها د. فالح عبدالجبار ود. غانم حمدون وآخرون.
ويؤكد المؤلف ايضاً ان هاجس اثبات قراءة متأنية لماركس وانجلس ستقودنا الى ادراك اقتصادهما السياسي المستند الى مقدمات مادية راسخة، ينطوي على مقولات نظرية هامة وخطوط منهجياتية للتحليل النظري لتجديدات الازمة الايكولوجية الراهنة، ولتطوير ايكولوجيا ماركسية مبنية على مبادئ ايكولوجية جوهرية بالنسبة للمنهج الماركسي.
خصص المؤلف الفصل الاول –المفهوم المادي لماركس عن التاريخ بالاساس على "مادية عملية" حيث يقول ان علاقات الانسان بالطبيعة هي علاقات عملية بمجملها، أي انها علاقات ناتجة عن نشاط. لكن عندما كان يتحدث عن مفهومه المادي بصورة عامة، عن الطبيعة والعلم، كان يشيد أيضا بـ"المادية الانطولوجية" و"المادية الابستمولوجية" ومثل هذا المفهوم المادي عن الطبيعة، حسب ماركس، هو جوهري لمواصلة التقدم العلمي، وناقش الباحث بعد ذلك، المفهون المادي عن الطبيعة، كما فهم ماركس وكما كان يفهم في زمانه، لا ينطوي بالضرورة على حتمية ميكانيكية كما في المادية الميكانيكية.
اذ ان تناول ماركس للمادية كان مستمدا الى حد كبير من الفيلسوف اليوناني ابيقور الذي كان موضوع اطروحته لنيل شهادة الدكتوراه.
لقد كان ابيقور، حسب تعبير راسل "مادياً، ولكنه لم يكن حتمياً" وقد كرس ماركس فلسفته لتبيان كيف توفر النظرة المادية لطبيعة الاشياء قاعدة جوهرية لمفهوم حرية الانسان.
ثم استعرض المؤلف، ان ماركس كان مدركاً بان القاسم المشترك في مادية هؤلاء المفكرين هو فلسفة ابيقور، اذ تبنت الابيقورية موقفاً رافضاً للغائية، رفض كل تفسيرات الطبيعة المستندة الى العلة النهائية او السبب النهائي. ولهذا السبب كان ماركس يعرف ماديته على انها مادية تنتمي الى "عملية التاريخ الطبيعي".
وفي نفس الوقت، فان مادية ماركس امتازت بسمة خاصة، عملية، في العالم الاجتماعي، تعكس الحرية، والاغتراب، الموجودين في التاريخ الإنساني. ثم استعرض الباحث نماذج علم الاجتماع الماركسي ما لا يقبل الشك بان ماركس كان حريصا على متابعة التطورات العلمية وانه كان كما انجلز يطالب بأن يكون العلم مادياً اذا ما اريد ان يكون علمياً. كذلك خصص المؤلف بعد ذلك "الايكولوجيا" فمنذ البداية كانت مقولة ماركس حول اغتراب العمل البشري مرتبطة بفهم الاغتراب للكائنات البشرية عن الطبيعة. وكان هذا الاغتراب ذو الجانبين الذي بحاجة الى وصف تاريخي يفيد الباحث ان مهمتي في كتابي هذا اظهار التناقضات في هذه الانتقادات وتفنيدها من خلال عملية إعادة تركيب نظامية للفكر الايكولوجي لماركس. ثم يؤكد على ان العديد من هذه الانقادات تخلط بين ماركس وغيره من المنظرين الاشتراكيين الذين انتقدهم ماركس نفسه متبعين بذلك تقليداً عريضاً في نقد ماركس، قائلا: "نستعير هنا كلمات جان بول سارتر: "إن حجة معادية للماركسية، هي الاسلوب الوحيد لتجديد شباب فكرة ما قبل ماركسية" وهكذا كتب كاووديل في مؤلفه الرائع (الوهم والواقع) "ان البشر في صراعهم مع الطبيعة، صراعهم من اجل الحرية".
يدخلون في علاقات محددة فيما بينهم للفوز بتلك الحرية.. لكنهم يتحكمون في تغيير الطبيعة دون ان يغيروا انفسهم" ونعتقد ان هذه العلاقة الجوهرية ليست علاقة تبعية ميكانيكية بسيطة، بل معقدة وجدلية، يكتسب فيها الوعي الاجتماعي استقلالية نسبية تمكنه من اعادة التأثير في الوجود الاجتماعي وتطويره، كما ان عملية تشكيل الوجود الاجتماعي للوعي ليست مجرد عملية عفوية مباشرة فقط، بل يؤثر الوجود الاجتماعي بطريقة حاسمة في اذهان الناس من خلال حشد من الروابط المتوسطة مثل الدولة ونظام الدولة والعلاقات القانونية والسياسية، أي تجري عملية ايجاد تشكيل الوعي بطريقة منظمة، بوعي، ويؤكد الباحث ضمن هذا المفهوم الديالكتيكي الذي يجري التشديد فيه على "الانعكاسية" فان ما يسمى "سيادة الطبيعة" يتحول الى سيرورة لا نهاية لها من التفاعل الديالكتيكي.
ثم استعرض العلاقة بين الانسان والطبيعة، وشدد على ظواهر التاريخ الطبيعي، هذه هي الفلسفة التي كان ماركس يتسلح بها، على الاقل في ايام شبابه، فحين كان تلميذا في المدرسة، وقبل فترة طويلة من اطلاعه والمامه بفلسفة هيغل، كان ماركس يتشبث بالنقد الابيقورية موضوعاً لاطروحته للدكتوراه حيث ركز فيها على النظريات المادية المبكرة: مفاهيمها عن حرية الانسان مصادر الفكر التنويري، فلسفة الطبيعة الهيغلية، نقد الدين وتطور العلم.
ويفيد الباحث ان التعمق في التحليل الايكولوجي يقتضي حتماً اتخاذ موقف مادي ديالكتيكي. فبخلاف النظرة الروحانية للعالم، الطبيعي الذي تراه تطبيقا او تكييفاً لعلة او سبب غائي، فان النظرية المادية ترى في التدرج عملية ذات بداية ونهاية مفتوحتين، تاريخ لانهاية له للطبيعة، محكوم بالصدفة، لكنه قابل لتفسير عقلاني.
يرى الباحث ثامر الصفار، ان موقف القارئ العربي، وقراءة ماركس لابد ان اطلع على اسم عالم الكيمياء الزراعية يوستوس فون ليبيغ حيث اشار اليه ماركس في أكثر من موضع ضمن الأدب الماركسي المنقول الى العربية، وربما يتفق ايضا، بأن اغلبنا لم يدقق في علاقة ماركس بهذا العالم، ولكننا اليوم ونحن نسعى الى تجديد الماركسية واعادة قراءتها بعيون جديدة شكاكة، خالية من المسلمات والباحثة دوما عن اصل المقولات والمفاهيم بهدف تطويرها، يتوجب علينا التقصي عن مثل هذه العلاقات لتعمق فهمنا للماركسية.
ويؤكد الباحث ان "ديالكتيك الطبيعة" لانجلز هو آخر ما كتبه مؤسس الماركسية حول موضوع الطبيعة وقوانينها. ويعتقد الباحث ان افكار ماركس وانجلز حول الايكلوجيا- علاقة المجتمع بالطبيعة- لم تتوقف عند تخوم القرن التاسع عشر بل امتدت في تأثيرها الى القرن العشرين. ولا تعني هنا التطبيق النصي، بل مدى استيعاب الاجيال التي خلفت ماركس وانجلز للمفهوم المادي عن الطبيعة الذي كان وما يزال منسجماً مع الثورات الكبرى التي شهدتها العلوم الانسانية كنظرية داروين والفهم الماركسي لديالكتيك الضرورة والصدفة.
ثم استعرض الصفار، ارتباط المادية بالديالكتيك في أي تحليل علمي سيوفر لنا طاقة عالية عند النظر الى الايكولوجيا والمجتمع، الى التاريخ الطبيعي.
ودرس الباحث المادية وماركس الشاب وكيف كان متأثراً بنفوذ المنظومة الفلسفية المثالية لهيغل التي سعت الى تفسير تطور الروح "او العقل" في التاريخ. الا ان سيرة ماركس تقول بأن اول عمل نظري متكامل له كان اطروحة الدكتوراه التي حملت عنوان "التمايز بين فلسفتي ديمقريطس وأبيقور حول الطبيعة" حيث ينطلق فيها ماركس من موقف فكري يقف الى اليسار من هيغل ثم يتجاوز بسرعة عبر طرحه لموضوعة الصراع والتناقض بين الفلسفة التأملية "او المثالية" وبين المادية.
تشير معظم الدراسات التي عالجت اطروحة ماركس الى سبب انجذاب ماركس وغيره من الهيغليين الشباب الى الفلسفات الهيلينية القديمة "الرواقية، الابيقورية، والشكلية".
ثم استعرض الباحث كيف اختار ماركس ابيقور موضوعا للاطروحة، يعتقد كان "اكبر انعطافة عن الهيغلية" فاهتمام ماركس بابيقور، لان فلسفته تحرر الانسان من الخرافات والخوف ويغدو قادراً على وضع سعادته. لقد كان ماركس مهتماً بالمادية منذ كتابته لاطروحة الدكتوراه، و"اعتبر ان المفهوم الابيقوري عن النشاط الحر من اعظم مساهمات ابيقور في المادية".
الفصل التاسع، يتناول الباحث العلاقة بين ماركس وابيقور، ونقرأ في مقدمة الاطروحة قول ماركس بأن: "هيغل كان بصورة عامة، صائباً في تعريفه للجوانب العامة للفلسفات الشكية والرواقية، حيث نظر اليها باعتبارها تطورا للوعي الذاتي، لكنه اخفق في تقديم تفسير كامل لهذه المنظومات الفلسفية.
ووضح ماركس ان ديمقريطس يرى ان الضرورة هي كل شيء، وهذه حتمية أحادية الجانب، في حين يدرك ابيقور الحتمية لكنه يدرك ايضا مفهوم الصدفة وامكانية التحرر من الحتمية، وبالتالي فقد استوعب ماركس مادية ابيقور لكنه لم يشر اليها علنا الا نادراً.
اما الفصل الاخير بعنوان: "ماركس وفيرباخ" يفيد الباحث ان الفلسفة الهيغلية موضوعة تطور التاريخ باعتباره انعكاسا لتطور العقل بالضرورة وفي تلك الفترة برز نجم فيورباخ في اوساط الهيغيليين الشباب وفي هذا السياق فان فلسفة بيكون عن الطبيعة، برأي فيورباخ، كانت أكثر تفوقاً من فلسفة ديكارت يعرفها بشكل سلبي فقط، باعتبارها نظيرا للروح.
ان موضوع بيكون هو الطبيعة الحقيقة، اما موضوع ديكارت فهو المجردة الرياضية والاصطناعية. ثم ازدادت شهرة فيورباخ بعد نشر مؤلفه "جوهر المسيحية". ويؤكد الباحث على الرغم من رفض ماركس، خصوصاً في اعماله الأخيرة للجوانب التأملية واللاتاريخية في فلسفة فيورباخ فقد ظلت المادية الطبيعية تردد صداها في المادية التاريخية لماركس.
اضافة الى ان ماركس وجد عند فيورباخ كما عند ابيقور نقد الميتافيزقيا الذي غدا جزءاً متمماً لنظرته المادية عن العالم.
كما يغطي هذا الكتاب.. اراء طائفة من المفكرين، منهم داروين، مالتوس، وبرودون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هدنة غزة وصفقة تبادل.. تعثر قد ينذر بانفجار| #غرفة_الأخبار


.. إيران والمنطقة.. الاختيار بين الاندماج أو العزلة| #غرفة_الأخ




.. نتنياهو: اجتياح رفح سيتم قريبا سواء تم التوصل لاتفاق أم لا


.. بلينكن يعلن موعد جاهزية -الرصيف العائم- في غزة




.. بن غفير: نتنياهو وعدني بأن إسرائيل ستدخل رفح وأن الحرب لن تن