الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ربيع في الرماد

إبراهيم العدراوي

2011 / 8 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


ربيع في الرماد

إبراهيم العدراوي
منذ انطلاق الحراك الشعبي في الدول العربية للمطالبة بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، والأسماء لاتستقر على المسمى فمن "ثورات الشعوب" إلى "انتفاضات الشعوب" إلى "الحراك الشعبي"...وهناك من يوصف الحالة ب"مايجري الآن في الدول العربية"، وصولا إلى عنوان أثير عممه الإعلام انتشاء بنداءات "ارحل":الربيع العربي.
هذا اللاستقرار في رصد الظاهرة التاريخية على الأقل في اسم لها، يرجع في جزء منه ربما إلى عناصر المفاجأة الكثيرة التي حفلت بها الأحداث منذ "هروب بنعلي" و"سقوط مبارك" وما تعيشه بلدان أخرى كليبيا واليمن وسوريا وغيرها من انبعاثات غير متماثلة في المسار، وربما حتى في المصير.
إن الشعوب المنادية بالتغيير قد تجاوزت إلى حد كبير التنظيرات المسبقة في خلق هذا التغيير، لا من حيث الشكل أو المكان او الزمن..فحتى القريب العاجل كانت مصر "خزان الثورة المضادة" على الأقل منذ اتفاقية كامب ديفيد، أما سوريا فهي ضيعة البعث الممانعة..، تكاد كل التنبؤات تسقط حول من يمكن أن يقود التغيير، فالمتعارف عليه أن جهة سياسية هي التي تؤطر الجماهيروتحرضها لخوض المعركة، العكس حدث فالجماهير هي التي أصبحت تضع سقفا لمطالبها أو لاتضعه إلا في خضم معركتها غير مكترثة بعبارات السياسة التقليدية"موازين القوى"، "التغيير التدريجي"، "توسيع الهامش الديمقراطي".......
لقد اطلق مفكرو عصر الأنوار في أوروبا على المرحلة التاريخية التي حكم فيها الإقطاع قبل الثورات الليبرالية "عصر الظلمات"، وهو اسم يختزل الاستبداد الفيودالي وتحجر الفكر الكنسي، وانحصار التطور الاقتصادي الذي تقوده الرأسمالية الخارجة من قمقم الصناعة...وكلها سمات مهدت لبديل فكري واقتصادي وسياسي يقلب التشكيلات الاجتماعية السائدة، ويمهد لمرحلة جديدة بخصائص جديدة.
"الربيع العربي" تمرد على الاستبداد المتجسد في الحكم الفردي المرتهن بدوائر الرأسمال العالمي، وما يقتضيه من قمع للأصوات المعارضة وتناقض مع إرادة الأغلبية الساحقة من المجتمع في التحرر والديمقراطية، وعلى الاستبداد الاقتصادي الذي سخر خيرات الشعوب لخدمة فئة تنهب ثروات البلدان، وتحرص على مصالح الاستعمار القديم، وتخلق البطالة والفقر والهشاشة. كل ذلك على حساب الاغلبية الساحقة الصامتة المقهورة والمفتقدة لشروط الكرامة الإنسانية.
"الربيع العربي" بما يحمله الاسم من رومانسية حالمة بتغيير خريف طويل ولد الحرمان واليأس حد حرق الذات. بما يحمله من استحضار لأجمل الزهور التي أقبرتها سجون القمع والتعذيب والمنافي..ينبعث اليوم من رماد كالعنقاء الأسطورية، فالشعب يقول: "أنا الشعب ماشي وعارف طريقي،
سلاحي كفاحي ,عزمي صديقي....."
إنه يمتح من فئات عمرية أصبحت محركا سياسيا وهي فئة الشباب، ربيع العمر، والذي تجاوز حدود ذلك إلى مفهوم جديد: "ثورة الشباب"، "حركة الشباب"، "تنسيقيات الشباب".....لقد توارت مفاهيم القيادة "للعمال"، "للفلاحين"، "للطلبة"، "للطبقات الوسطى".. وحمل الربيع أزهارا برية مازال المفكرون يشتقون أسماء لها.
إن خريف الاستبداد الذي تنادي الحناجر برحيله، وتراق الدماء قربانا لرياحه العاتية تغلغل في أعماق الأسرة والمدرسة والإعلام والمساجد و...، أحرق معه الحلم بحرية حقيقية وبمستقبل حقيقي. ووصل إلى حد تحويل البشر إلى قطعان تهتف بحياة "القائد" و"الزعيم" و"الأمير الخالد" و"الرئيس الذي لا شريك له".....
إنه عبق الحرية التي لاتعرف منشأ غير النفوس الكبيرة التواقة إلى الانعتاق، تنطلق شرارته من لحظة منفلتة، فيندلع اللهيب، هكذا حصل من استشهاد البوعزيزي إلى الهشيم حيث تتشابه القنافذ، وتتقارب سحنات الظلم والفساد.
ما حظ "ربيعنا المغربي" من عبق الحرية الموعود؟
لقد أريد له أن يكون استثنائيا في إطار معزوفة تاريخية"الاستثناء المغربي"، وخرج الشعب ملبيا نداءات شباب حركة 20 فبراير بالآلاف في أكبر المدن المغربية، خرج ليطالب بدستور ديمقراطي ينهي سنوات الحكم المستبد، ويؤسس لإطار قانوني سام، يرسخ السلطة للشعب، والمحاسبة أساس التعاقدات، خرج للمطالبة بديمقراطية حقيقية تنسينا ديمقراطية الواجهة "الديمقراطية الحسنية" في عصرها الأوفقيري أو البصراوي أو التوافقي.؟؟؟، خرج الشعب ليطالب بالكرامةو بالعدالة الاجتماعية في الصحة والتعليم والشغل وغيرها.........
خرج الشباب حاملين لافتات تطال برحيل صديق الملك وأصدقاء صديق الملك، برحيل البوليس السياسي وتفكيك أجهزة القمع، وعلت صور الماجيدي ولعنيكري وبنسليمان..تظاهرات حركة شباب 20 فبراير.........
وماذا عن قدوم الربيع؟
صرخنا وقمعنا وهددنا ومر "دستور" العبيد بالطبل والبندير.
مصالحة غير معلنة مع تماسيح الانتخابات، ورموز الفساد، ومعها مصالحة مع "الإفلات من العقاب" في الجرائم السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
المسؤولون عن التعذيب والاعتقالات والشطط في استعمال السلطة.....
المسؤولون عن نهب المال العام، وتفويت القطاعات الحيوية للبلاد..والمستأثرون بأعالي البحار وبواطن الأرض، وما يحلق في السماء...
المسؤولون عن البطالة والسياسات العامة وطنيا وجهويا ومحليا، هؤلاء الذين تدلت جرائمهم في "المليون حفرة وحفرة"، في "شباب يموت في القوارب"، في" شباب لم يعد يؤمن بقيمة الحياة"، فيموت غرقا أو شنقا أو حرقا على قارعة الطرقات أو في أعماق البحار....
كل هؤلاء نقول لهم: "اذهبوا فأنتم الطلقاء..."
إنهم البوم والغربان التي ستنعق في ربيع، ليس هو ربيع الشعب،ولا ربيع الشهداء..بل ربيع في الرماد.
والخريف في إعادة انتخاب، عفوا، مبايعة "الطلقاء"؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بوتين يتعهد بمواصلة العمل على عالم متعدد الأقطاب.. فما واقعي


.. ترامب قد يواجه عقوبة السجن بسبب انتهاكات قضائية | #أميركا_ال




.. استطلاع للرأي يكشف أن معظم الطلاب لا يكترثون للاحتجاجات على 


.. قبول حماس بصفقة التبادل يحرج نتنياهو أمام الإسرائيليين والمج




.. البيت الأبيض يبدي تفاؤلا بشأن إمكانية تضييق الفجوات بين حماس