الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حافظوا على ميدان التحرير

اسلام احمد

2011 / 8 / 17
مواضيع وابحاث سياسية



استمد ميدان التحرير أهميته التاريخية عقب قيام ثورة 25 يناير ليصير من اشهر ميادين العالم على الإطلاق وذلك تحديدا منذ يوم جمعة الغضب 28 يناير وما صاحبها من صدام مع قوات الشرطة انتهى بهزيمة الأخيرة بعد أن انسحبت مخلفة وراءها 800 قتيل وأكثر من ستة آلاف جريح! , وهنا بدأ الاعتصام الكبير بشكل تلقائي يوم السبت 29 يناير ليتحول ميدان التحرير الى جمهورية داخل الدولة لها قوانينها وقواعدها الوطنية الخاصة بها , وقد لعب ميدان التحرير دورا كبيرا في سقوط النظام بخلع الرئيس مبارك وتولي المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة شئون البلاد 11 فبراير , ومن ثم اكتسب ميدان التحرير قدسية خاصة وصار رمزا للثورة المصرية , غير أن من الخطأ اختزال الثورة المصرية في ميدان التحرير رغم أهميته إذ قامت الثورة في جميع أنحاء وميادين الجمهورية , تماما مثلما من الخطأ بمكان اختزال الثورة في الشباب فمن نزل ميدان التحرير إبان الثورة يدرك جيدا أن الشعب المصري بجميع طبقاته وفئاته من مختلف الأعمار قد شارك في الثورة المصرية وبالتالي فهي ثورة كل الشعب المصري

لم يتوقف دور ميدان التحرير عند هذا الحد بل استمر دوره التاريخي عقب سقوط النظام وذلك بعد أن أدركت القوى السياسية وشباب الثورة أن المعركة الحقيقية قد بدأت فعليا في مرحلة التطهير وإعادة البناء , ومن ثم فقد شهد ميدان التحرير مظاهرات عديدة في جمعات مختلفة كانت أغلبها ناجحة فالملاحظ أن المجلس العسكري لم يكن يستجيب لمطالب الثورة إلا بعد ضغط شعبي قوي!

ولأن المجلس الأعلى للقوات المسلحة قد تسبب في شق الصف الوطني بالاستفتاء المشئوم 9 مارس فقد كان من الطبيعي أن يلقى الانقسام بظلاله على ميدان التحرير إذ صارت المظاهرات مرهونة في الأساس بطبيعة المطالب التى سترفع في الجمعة المحددة وما إذا كانت ستتطرق لموضوع الدستور أم لا؟! , ومن هنا فقد قاطعت التيارات الإسلامية كثير من المظاهرات في جمعات مختلفة بسبب موضوع الدستور والانتخابات , رغم أن كثير من تلك الجمعات لم يتطرق الى هذا الموضوع إطلاقا! , وبذلك فقد وضعت التيارات الإسلامية نفسها دون أن تدري بجانب المجلس العسكري في كفة واحدة تتمثل في الدعوة لمقاطعة المظاهرات بل ومهاجمة المتظاهرين من شباب الثورة والأحزاب السياسية , تارة بدعوى أنها تعطل الإنتاج وتدمر الاقتصاد المصري , وتارة أخرى بدعوى أنها تمثل التفافا على إرادة الشعب المتمثلة في الاستفتاء!, والمحزن انه تم توظيف المنابر الإعلامية والدعوية بل والمساجد أيضا في تلك الحملة القذرة على شباب الثورة والقوي الليبرالية , كما أن الإعلام المصري لم يسلم من التحيز للمجلس العسكري ضد المتظاهرين! , ولكي تضع الحكومة حدا للتظاهر فقد ارتكبت خطأ جسيما بسن قانون بشكل منفرد يتنافى تماما مع روح الثورة يحظر التظاهر والاعتصام , ولكنه لم يردع أحدا فبديهي أن التظاهر السلمي حق أساسي من حقوق الإنسان

ولأن القوى السياسية أدركت أن انقسامها يمثل خطرا على الثورة فقد جاءت جمعة 8 يوليو لتمثل وحدة الصف رافعة شعار عبقري هو (الثورة أولا) , ومن هنا بدأ الاعتصام الثاني ليس في ميدان التحرير فحسب بل وفي بعض المحافظات أيضا , غير أنه سرعان ما تم انقسام القوى الوطنية مرة أخرى على خلفية جمعة 29 يوليو التى كان من المفترض أن تكون جمعة لم الشمل ولكن الإسلاميين مع الأسف قاموا بتحويلها الى جمعة (تفريق الشمل) بعد أن رفعوا شعارات تنادي بإسلامية الدولة وترفض المبادئ الحاكمة للدستور مخالفين للاتفاق الذي تم توقيعه بين مختلف القوى السياسية والذي كان ينص على توحيد الصف والمطالب وعدم رفع أي شعارات حزبية أو طائفية! , وهو ما جعل البعض يطلق عليها متهكما (جمعة قندهار) نسبة إلى قندهار أفغانستان! , والحقيقة أنني شعرت بالفزع على مستقبل الدولة المصرية وهويتها بعد ما شاهدت الأعداد الإسلامية الغفيرة في تلك الجمعة!

والواقع أن اعتصام التحرير قد أثار لغطا كبيرا إذ تباينت ردود الفعل إزاءه بشكل كبير ما بين مؤيد ومعارض! , وقد أثبتت التجربة جدوى الاعتصام فلولاه لما تحقق أي من مطالب الثورة , غير أن الإنصاف يقتضي الاعتراف بأن الاعتصام لم يخل من سلبيات تمثلت في غلق مجمع التحرير ومن ثم تعطيل مصالح الناس فضلا عن التهديد بغلق قناة السويس وغير ذلك من تجاوزات قد أساءت كثيرا لصورة الاعتصام وأدت للأسف الى فقدانها الكثير من شعبيتها لدى الناس! , ناهيك عن التوجه بمظاهرة الى وزارة الدفاع , وهو ما أدي الى أحداث العباسية التى ذكرتنا بموقعة الجمل! , ولا اعرف من الأحمق الذي اتخذ هذا القرار؟! , نعم من حق الجميع انتقاد أداء المجلس العسكري كونه يمارس سياسة ولكن الجيش المصري يجب أن يظل خطا أحمر يحظر الاقتراب منه , ذلك أنه بانهيار النظام قد انهارت جميع مؤسسات الدولة تقريبا بعد أن ارتبطت بشكل عضوي بالنظام ولم يبق قائما سوى المؤسسة العسكرية وبالتالي فان أي محاولة لتفكيكها أو إضعافها ستعني مباشرة انهيار الدولة

وقد تكلل الاعتصام بالنجاح بعد أن استجاب المجلس العسكري لمطالب الثورة وفي مقدمتها تقديم مبارك ونجليه وقتلة المتظاهرين الى محاكمة ناجزة وعلنية فضلا عن تغيير الحكومة وإعادة هيكلة وزارة الداخلية , وهنا كان يتعين فض الاعتصام ولكن البعض أصر بغرابة على مواصلة الاعتصام , ما دفع القوات المسلحة والشرطة لفضه بالقوة في أول يوم رمضان , وقد لاحظت أن عامة الناس في الميدان كانت مؤيدة لفض الاعتصام وأخذت تشجع قوات الجيش والشرطة , ما يعني أن الاعتصام كان قد فقد شعبيته وأنه كان بعيدا عن نبض الشارع وهموم الناس! , ومن نزل ميدان التحرير في الأسبوع الأخير قبل فض الاعتصام يدرك أنه تغير الى حد كبير اذ ظهرت وجوه جديدة وغريبة تبدو أشبه الى البلطجية لا تمت للثوار بأي صلة! , في سياق كهذا فلم أوافق على المشاركة في الجمعة الماضية 12 أغسطس , وقد أحسن ائتلاف شباب الثورة صنعا بقرار عدم النزول في تلك الجمعة لأنه كان واضحا من خلفياتها أنها تستهدف في الأساس الرد على جمعة الإسلاميين , ما يعني مزيد من الانقسام!

وحتى لا يبتذل التحرير وليظل محتفظا بقدسيته أدعو الجميع الى الكف عن المظاهرات وإعطاء الحكومة الجديدة مهلة لتحقيق مطالب الثورة خاصة أنها قد شرعت فعلا في تنفيذها على الأرض , وفي حالة التقاعس في تحقيق المطالب فان ميدان التحرير مفتوح , من المهم أن يدرك الجميع حقيقة أن الثورة ليست هدفا في حد ذاتها وإنما هي وسيلة للتغيير وإعادة البناء








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الألعاب الأولمبية باريس 2024: إشكالية مراقبة الجماهير عن طر


.. عواصف في فرنسا : ما هي ظاهرة -سوبرسيل- التي أغلقت مطارات و أ




.. غزة: هل بدأت احتجاجات الطلاب بالجامعات الأمريكية تخرج عن مسا


.. الفيضانات تدمر طرقا وجسورا وتقتل ما لا يقل عن 188 شخصا في كي




.. الجيش الإسرائيلي يواصل قصف قطاع غزة ويوقع المزيد من القتلى و