الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بدون الحكم ليست ثورة

أحمد حسنين الحسنية

2011 / 8 / 17
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


عندما أطلق على التحرك الشعبي الذي بدأ في مصر في الخامس و العشرين من يناير 2011 ثورة شعبية ، فإنني صراحة أطلق هذا الوصف - حتى الآن - من باب الأمل ، و ليس إستناداً على حقيقة صارمة .
من باب الأمل أن تتطور الأحداث ، و تأخذ شكل أخر ، تستحق معه وصفها بالثورة الشعبية السلمية التي أملنا فيها ، و عملنا لها ، و أسهمنا فيها ، كل على قدر إمكاناته .
مجموعة الأحداث المعنية بالحديث ، و التي حدثت حتى الآن ، تستحق - بالميزان المنصف - وصفها بالهبة الشعبية ، و ليست بالثورة الشعبية .
لأستخدم الأمثلة التاريخية - المحلية ، و العالمية - لشرح الموقف الحالي الذي نقف فيه .
الموقف الحالي لو طبقناه على ثورة مصر في 1805 فسيكون أشبه بمطالبة الثوار - و بعد إسقاطهم للوالي العثماني خورشيد - السلطان العثماني بإرسال والي جديد ، بدلاً من قيام الثورة بإختيار حاكم مصر ، مع ملاحظة التجاوز التاريخي الذي قمت به ، حيث أن ثورة 1805 بدأت بإختيار محمد علي أولاًً ثم قامت بعد ذلك بخلع خورشيد ، و لكني أتجاوز تاريخياً ليكون المثل أقرب - بعض الشيء - للوضع الحالي في مصر .
أو أن تقوم جماهير ثورة 1919 بمطالبة المندوب السامي البريطاني بكتابة دستور لمصر ، و الإشراف على الإنتخابات البرلمانية ، بدلاً من العمل من أجل نيل الإستقلال ، و تأكيد إستقلالية الإرادة المصرية .
أو أن تقوم جماهير الثورة الفرنسية - تلك الثورة التي تعد المثال الأشهر بين كل الثورات الشعبية في العالم - بعد إسقاط لويس السادس عشر عن العرش الفرنسي ، بتكليف كبار النبلاء بمحاكمة لويس السادس عشر ، من الألف إلى الياء ، و كذلك تكليفهم - أي هؤلاء النبلاء - بصياغة دستور جديد ، و وضع قانون الإنتخابات ، و الإشراف على الإنتخابات البرلمانية .
أو أن يقوم الثوار الأمريكيون ، بعد تحقيق بعض الإنتصارات الأولية على الجيوش البريطانية بإرسال طلب إلى الملك في لندن ، ليرسل حكام جدد للولايات ، و إلى البرلمان البريطاني في لندن ليكتب لهم دستور ، و يشرع لهم قوانين .
أو أن يكتفي الروس في 1917 بإسقاط القيصر ، و الموافقة على تولي مجلس عسكري من رجال الجيش و الأسطول مقاليد السلطة ، و أن يعهد إلى هؤلاء العسكريين بمحاكمة القيصر ، و غيره ، مع العلم أن هؤلاء الرجال العسكريين الذين أشرت إليهم ، هم من قادوا في حقيقة الأمر القوات ، و الجيوش ، التي حاولت وأد الثورة الروسية بقوة السلاح .
فهل كان لمصر أن تحمي نفسها من إحتلال بريطاني مبكر في 1807 ، و تدخل العصر الحديث بكل معنى الكلمة ، لو كان أجدادنا ، ثوار 1805 ، فكروا بنفس العقلية المحدودة التي يتمتع بها بعض ثوريينا الآن ؟؟؟
هل كانت مصر ستعرف الإستقلال - المنقوص ، و لكنه كان خطوة للأمام - في 1922 ، ثم تعرف معاهدة 1936 ، التي قلصت الوجود العسكري البريطاني ، و هل كانت ستستطيع أن تقول كلمتها في أثناء الحرب العالمية الثانية ، فلا تتكرر السخرة ، و التجنيد الإجباري ، و خطف الناس من المساجد و الأسواق ، كما كان يحدث أثناء الحرب العالمية الأولى ، و هل كانت مصر ستعرف الحقبة الديمقراطية الأولى التي إمتدت من 1923 إلى 23 يوليو 1952 ، و بطولات معارك القناة ، و منها بطولة شرطة الإسماعيلية ، لو كان أجدادنا ثوار 1919 يفكرون بنفس الإسلوب الذي يفكر به بعض من يدعون الثورية الآن ؟؟؟
هل كانت فرنسا ستعرف الجمهورية ، و تترسخ في الوجدان الشعبي الفرنسي فكرة الجمهورية بدرجة لم يكن من الممكن إستئصالها حتى بعد عودة الملكية ، و تعرف البرلمان الشعبي ، و تعرف إعلان حقوق الإنسان و المواطن ، و حزمة قوانين نابوليون ، لو كان الثوار أسلموا زمام القيادة لكبار النبلاء ؟؟؟
هل كان سيكون هناك إعلان الإستقلال ، و الدستور ، الأمريكيين ، و تتحول الولايات المتحدة إلى قوة عالمية كبرى ، أسهمت في إنقاذ العالم من الخطر النازي ، و قدمت للعالم الكثير من المنجزات العلمية ، و الحضارية ، لو إكتفى الثوار الأمريكيون فقط ببعض الحقوق ، و تركوا لندن ترسم الخطوط العريضة لحياتهم السياسية ؟؟؟
ألم تكن الولايات المتحدة لتصبح مثل أستراليا ، و كندا ، لو إستمرت تابعة للتاج البريطاني ؟
و لو كان الروس في 1917 قبلوا بمجلس عسكري حاكم ، يشبه مجلسنا الحالي ، مجلس لا يجد غضاضة ، أو حرج ، في إستعمال كافة الوسائل للمحافظة على النظام القديم ، لما كان بمقدورهم ، هم و معظم شعوب الإتحاد السوفيتي ، مقاومة جيوش النازية ، و لتحقق حلم هتلر - الذي سطره في كتابه : كفاحي - في إقامة إمبراطورية ألمانية عنصرية كبرى في أوروبا الشرقية تقوم على إحتلال روسيا ، و أوكرانيا ، و بيلاروسيا ، و إستعباد أهلها ، و لإكتمل له إحتلال أوروبا بعد ذلك ، و الشرق الأوسط ، و شمال أفريقيا ، و لتغير التاريخ العالمي للأسوء .
الثورة ، لكي تكون ثورة ، يجب أن تقوم بتغيير الواقع ، تغيير جذري ، إيجابي .
كالتغيير الذي شهدته مصر بعد ثورتي 1805 ، و 1919 ، الشعبيتين ، و كالذي شهدته كل من فرنسا ، و الولايات المتحدة الأمريكية ، و روسيا ، بعد ثوراتهم المشار إليها سابقاً .
الثورة لكي تكون ثورة يجب أن تمسك بالحكم ، لأن الحكم هو الأداة التي يمكن بها التغيير الجذري - و أشدد على كلمة الجذري - فبدون التغيير الجذري ليست هناك ثورة .

17-08-2011








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سوليفان في السعودية اليوم وفي إسرائيل غدا.. هل اقتربت الصفقة


.. مستشار الأمن القومي الأميركي يزور السعودية




.. حلمي النمنم: جماعة حسن البنا انتهت إلى الأبد| #حديث_العرب


.. بدء تسيير سفن مساعدات من قبرص إلى غزة بعد انطلاق الجسر الأمي




.. السعودية وإسرائيل.. نتنياهو يعرقل مسار التطبيع بسبب رفضه حل