الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البيان الدولي ضد الإرهاب: بيان ديكتاتوري من مواطن ديمقراطي يعيش في الخارج

قاسيون

2004 / 11 / 28
الارهاب, الحرب والسلام


بعد استعراض لمجموعة من القرارات التي عمل مجلس الأمن على إصدارها وهي القرارات 1566- 1267- 1373 بشأن «التهديدات التي يتعرض لها السلام والأمن الدوليان نتيجة للإرهاب»، قام البيان الذي حمل توقيع 3000 شخص من مختلف الجنسيات العربية ومنهم بعض الأسماء السورية، تحت مسمى « االمثقفين العرب والمسلمين الديمقراطيين والمسلمين الليبراليين»، بتوجيه دعوة مفتوحة لإدارة الولايات المتحدة من خلف ستار الأمم المتحدة «بضرورة الإسراع في إنشاء محكمة دولية international tribunal تختص بمحاكمة الإرهابيين من أفراد وجماعات وتنظيمات بما في ذلك الأفراد الذين يشجعون على الإرهاب بإصدار الفتاوى باسم الدين.

والسبب الذي أرجع إليه كتبة البيان والموقعون عليه يعود إلى «استحالة محاكمة فقهاء ((الإرهاب)) هؤلاء وأمثالهم في العالم العربي والإسلامي، حيث ينشرون فتاواهم في الصحافة والتلفزيون وعلى الإنترنت وبكل سهولة، كما لو كانت واجباً دينياً يثاب فاعله ويؤثم تاركه»..« ولأهمية الإسراع في مكافحة الأعمال الإجرامية التي يرتكبها ((الإرهابيون)) فإننا نطالب.....» بماذا يطالبون؟ يطالبون بإلقاء القبض على هؤلاء الاشخاص لمحاكمتهم..
تقرير استخباراتي بامتياز ضد مواطنين
هذا الكلام وارد في نص بيان أممي ضد الإرهاب.. ولم تقم بكتابته كونداليزا رايس أو أي من الموظفين السابقين أو الحاليين في إدارة الـcia ولا حلفاء ظاهرون للإدارة الأمريكية في أي مكان في العالم، بل قام بكتابته حسب ادعائهم ثلاثة من المثقفين الديمقراطيين الليبراليين، كدعوة للتصالح، أو شك على بياض يسمح بدخول قوات أجنبية إلى الأراضي العربية والإسلامية لإلقاء القبض على رجالات ورموز دينية –لسنا هنا في مجال لإطلاق أحكام قيمة على هؤلاء الأشخاص - من أجل الذهاب بهم إلى محكمة دولية ((ضد الإرهاب)).
لا يختلف هذا البيان عن أي تقرير قد يكتبه رجل مخابرات في أي من الدول العربية لكنه بيان «مثقف» بالطبع لأن كتبته من حملة الإجازات الجامعية من الجامعات الأمريكية.. وبالابتعاد عن اللغة المنمقة التي حاول كل من «العفيف الأخضر جود هاشم – شاكر النابلسي » فإن هذا البيان لا يعدو كونه تقريراً مخابراتياً إلى دوائر الاستخبارات في واشنطن. يعتمد هذا التقرير على الأرقام والتواريخ والكلام المنقول حرفياً، فيستشهد البيان بأحاديث ومقالات كتبها رجال دين في متن النص من أمثال الشيخ السعودي علي بن خضير الخضير، يوسف القرضاوي، راشد الغنوشي، وتأتي في مقدمة هذه الأسماء عبارة ((كأمثلة)) وهذا يعني أن لدى معدي البيان قائمة طويلة قاموا بتجهيزها، وليست هذه الأسماء إلاّ أمثلة عنها. إن ما يطرحه البيان هو أسماء «مواطنين» بالدرجة الأولى -مهما كانت انتماءاتهم أو توجهاتهم الفكرية /السياسية/ الأيديولوجية، يعيشون في دول لها سيادتها، وسيقدم كتبتة هذا التقرير هذه الأسماء على طبق من ذهب كي تقوم قوات أجنبية بالدخول إلى هذه الدول لجلبها إلى محاكمات دولية.
«مثقفون» ديمقراطيون لا يختلفون عن حكامهم
ليس مستغرباً أن يخرج مثقفون يعيشون في الخارج بهذه اللغة وبصيغة مشابهة لهذه الصيغة، فهم نتيجة طبيعية وصورة طبق الأصل للممارسات اللاديمقراطية التي اتبعها حكامهم في البلدان التي ولدوا فيها، إن مطلب 3000 موقع بالإضافة إلى كتبة البيان حتى تاريخ نشر أول نسخة منه، لا يختلف في شيء عن الممارسات القمعية التي قام بها الكثير من رجالات الحكم في الكثير من دول العالم الديكتاتوري تجاه أي معارضة ولدت خلال فترة السبعينات والثمانينات وما زالت مستعدة للقيام بها إلى الآن.. لقد قامت السلطات الديكتاتورية في العديد من الدول خلال فترات طويلة بإقصاء الآخر بشكل كامل وبمختلف الطرق التي قد تصل إلى قتل الآخر، متجاهلة الأسباب الكامنة وراء وصول الإنسان إلى هذا الحد من اليأس. وإذا كان باعتقاد أحد أن هذه المحاكمات الدولية ستتمتع بأقل قدر من الديمقرطية أو الشرعية فهم واهمون تماماً، وليست محاكمات أوربا الشرقية بعد الانهيار إلاّ المثال الأنصع على شماعات جرائم الولايات المتحدة الأمريكية، وليست القرارات التي اتخذت في العديد من الهيئات الدولية «الشرعية» ضد ممارسات إسرائيل ليضرب بها عرض الحائط لاحقاً، وكان آخرها القرار الذي اتخذ ضد جدار العزل العنصري، إلاّ مثالاً آخر على انعدام أي مصداقية لهذه الهيئات.
السؤال الأول والأهم الذي يطرح نفسه عند قراءة بيان كهذا يدور حول الأسباب الحقيقية التي أوصلت دعاة «الإرهاب» إلى هذا المكان كيف يستطيع هؤلاء المثقفون تجاهل الجهد الحثيث الذي بذلته الولايات المتحدة الأمريكية والحكومات الموالية لتجهيل هذه الشعوب، واستخدام الدين وسيلة لتحقيق مآربها، في حروبها كافة وليست افغانستان إلاّ المثال الأوضح، فهل يعقل أن تنخرط اسماء كثيرة في هذا الجهل.
أليست من الأسباب التي أدت إلى تقوية التوجه الديني في مجتمعات كثيرة، ضعف الضفة الثانية من المفكرين الناجم عن تقاعس فئة منهم وهربهم إلى الخارج؟.. مجموعة كبيرة توجب على كل من وقع البيان أن يطرحها على نفسه قبل أن يدفع بنفسه في مجابهة كهذه، قد تؤدي إلى نتائج خطيرة ليس التدخل الأجنبي أسوأها.
لغة إرهابية بغطاء ديمقراطي:
إن اللغة التي استخدمت في الخطاب، توحي بحتمية هذا التدخل الأجنبي في أي مكان وفي أي زمان، فكلمات مثل ((نطالب- حتمية- ضرورة – استحالة)) وغيرها تساهم في إطلاق أحكام قطعية، كما أن كلمة ((نحن المثقفون)) التي تكررت في البيان تعطي إحساساً بالجمعية، وكلمة ((يشرفنا)) التي ابتدأ بها البيان، تحاول أن تضفي شرعية على هذا البيان.
كما اعتمد نص البيان في الشهادات التي أخذها عن رجالات الدين الذين ذكروا في متن النص، على مقبوسات منقوصة، أخرجت من سياق النص الأصلي أولاً، كما أنها أخرجت من السياق الاجتماعي والسياق الزمني الذي أطلقت فيه. لتخدم شكل الخطاب الداعي للاستقواء بالغرب للخلاص من ((دعاة الإرهاب)) حسب تعبير البيان.
ليس شكل الخطاب وتوجهه إلاّ مقدمات لتحويل كل من يتعارض بالرأي وفقاً لدعاة الديمقراطية الجديدة إلى محاكم مشابهة، ولن يكون مستغرباً أن تكون هذه المحاكم قد أنشئت مسبقاً، لا بل ليس مستغرباًَ أن تكون الأحكام قد صدرت حتى قبل كتابة هذا البيان.
إيمان منقوص بالديمقراطية
سنحاول في هذا التحليل الذي نقوم به للبيان، الابتعاد عن نظرية المؤامرة، فإن أخذنا اعترافاً من فم الموقعين على البيان بأنهم ((ديمقراطيون)) أو ((ديمقراطيون مسلمون)) فهل تبدأ الديمقراطيات الجديدة بنفي الآخر، كإعلانٍ عن ديمقراطيتها.
وإن نحن استثنينا قمع الآخر الذي قام به البيان، وبالابتعاد عن الموضوعية في توضيح ما هي الأعمال الإرهابية التي يتحدثون عنها، وعدم الفصل بين العمليات الاستشهادية التي تقوم ضد المحتل في فلسطين، والعمليات التي تحدث بدعم من حكومة إياد علاوي في العراق لتشويه سمعة العرب، فإن هذا البيان يحمل في ثناياه الكثير من الخطاب البعيد كل البعد عن الديمقراطية قائلاً: ((نحن صح وغيرنا غلط)).
التمويل:
بالطبع سيجد القائمون على هذا البيان الوقت الكافي للوقوف في وجه الفتاوى الدينية ورجال الدين الذين أصدروها، لكنهم لن يجدوا من يسوق للأفكار للوقوف في وجه أي مشروع ((إسرائيلي)) والأصح لن يجدوا التمويل اللازم للضلوع بمشروع كهذا..
وليس الحديث عن العديد من الجمعيات التي تمول بوضوح وصراحة من جهات أجنبية، لدعم مشاريع شبيهة إلاّ تأكيداً على حديثنا هذا، وإن كانت بعض هذه الجمعيات مستترة، واستطاعت أن تجد الغطاء اللازم لأعمالها، فإن بياناً كهذا يعلن عن نفسه بوضوح وغباء.
غلاف رديء لحرب اسوأ:
يساهم البيان الدولي ضد الإرهاب، بإيجاد غلاف سيئ الصنع، لقضية اسوأ، ألا وهي الحرب المفترضة التي تخوضها إدارة الولايات المتحدة الامريكية ضد عدوها الإفتراضي ((الإرهاب))، وبالتالي فإنها تعطي هذه الإدارة تبريراً منطقياً لشخصنة هذا العدو بالأسماء والأرقام، لخوض الحرب الدينية ((الحرب الصليبية الجديدة)) التي أعلنها الرئيس الأمريكي جورج بوش واضطر للتراجع عنها لاحقاً، فيقوم معدو البيان والموقعون عليه بإعطائه المبرر المنطقي لإعادة التسمية لجورج بوش دون وجل.
كما يقوم هذا البيان على تغطية أهداف الحرب الاقتصادية التي انكب باحثون اقتصاديون قبيل الحادي عشر من أيلول وبعده على توضيح أبعاد هذه الحرب الاقتصادية/ الأيديولوجية، وإقصاء البعد الديني أو الغطاء الذي حاولت سلطة الولايات المتحدة الأمريكية مراراً وتكراراً تثبيته ألا وهو الحرب على الإرهاب.
كان الأجدى بالموقعين وكتبة البيان، القيام بتحرك حقيقي تجاه الأعمال غير الأنسانية التي تقوم بها حكومة الولايات المتحدة الأمريكية حول العالم ضد دول عدة، بدل القيام بتوقيع بيان يدعو إلى التدخل الأجنبي في دول لها سيادة، أو القيام بفعل حقيقي في بلادهم عوضاً عن الهرب خارج إلى دول أجنبية لتكون منابر للكتابة الحرة من دون الخوض الحقيقي في نبض الشارع ومطالبه والأسباب التي أدت إلى هذا التحول في الشارع .
■■








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحدي الثقة بين شيرين بيوتي و جلال عمارة ???? | Trust Me


.. حملة بايدن تعلن جمع 264 مليون دولار من المانحين في الربع الث




.. إسرائيل ترسل مدير الموساد فقط للدوحة بعد أن كانت أعلنت عزمها


.. بريطانيا.. كير ستارمر: التغيير يتطلب وقتا لكن عملية التغيير




.. تفاؤل حذر بشأن إحراز تقدم في المفاوضات بين إسرائيل وحماس للت