الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إنها مؤامرة ملايين المطحونين

أحمد حسنين الحسنية

2011 / 8 / 18
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


عندما كان المستبد الدموي المخلوع محمد حسني مبارك لا يزال في أوج قوته ، و كان كل ما يشغل باله هو التأكد من أن ولده جيمي سيرث عرشه ، كانت أجهزة السلطة ترد على كل من ينتقد النفوذ الأجنبي المتزايد في مصر ، بإنه من أتباع نظرية المؤامرة .
و لكن منذ الخامس و العشرين من يناير 2011 ، أو منذ الرابع عشر من يناير 2011 ، إنقلب الوضع تماماً ، و أصبحت السلطة ، و أصدقائها ، هم المروجين لنظرية المؤامرة .
في البداية أرادتها السلطة ، و أصدقاؤها في خارج مصر ، مؤامرة إيرانية ، و لكن بعد أن وجدوا أن نظام ولاية الفقيه يخاف من الثورات العربية ، كما أن التيار الأقرب لنظام ولاية الفقيه هذا ، و أعني الإخوان ، هو التيار الذي وقف مع نظام طنطاوي - سليمان منذ البداية ، و تحالف معه ، و بالتالي أنقذه من السقوط ، سقطت فكرة المؤامرة الإيرانية ، و سقطت معها فكرة المؤامرة الإخوانية ، أيضاً ، و أصبح لا يمكن إحياء الأولى منهما بعد الثورة السورية .
كذلك لم يكن بإمكان السلطة إستخدام فكرة المؤامرة السلفية ، بعد أن إتضح مدى غلبة السلفيين الحكوميين على التيار السلفي ، كما أن ضعف التيار السلفي عموماً في مصر أسقط فكرة المؤامرة السلفية ، و بقى فقط إستخدام السلفيين كفزاعة ، و إن لم تفزع أحد ، بعد أن ثبت للشارع السياسي المصري ضعفها السياسي الشديد ، و أن الإرهاب السلفي هو في الحقيقية إرهاب رسمي .
لم يتوقف نظام طنطاوي - سليمان ، و الذي يعد إمتداد طبيعي لنظام مبارك الإجرامي ، عن تبني فكرة إلصاق تهمة المؤامرة بالثورة ، فوجه وجهه نحو إسرائيل ، و لكنه وجد أن ذلك صعب للغاية بسبب وقوف حكومة نتنياهو - ليبرمان مع محمد حسني مبارك إلى أخر لحظة ، حتى بعد أن تخلت عنه الأنظمة الغربية ، منافساً في ذلك نظامي آل سعود ، و آل نهيان ، فإكتفى عند ذلك بالقول أن هناك مؤامرة إسرائيلية للإيقاع بين الجيش و الشعب ، و بما أن نظام طنطاوي - سليمان يعتبر نفسه هو الجيش ، و يكاد يقولها صريحة : أنا الجيش ، فإن ذلك يعني وجود مؤامرة إسرائيلية للإيقاع بينه و بين الشعب المصري ، مناقضاً في ذلك حكم العقل السليم .
أخيراً وجد نظام طنطاوي - سليمان ضالته ، فقرر أن المؤامرة أمريكية ، و ساعدته على ذلك إدارة أوباما ، لأسباب ذكرتها في مقال : لماذا تريد الإدارة الأمريكية تشويه الثورة المصرية ؟ ، و الذي نشر في الرابع عشر من أغسطس 2011 .
توجيه تهمة المؤامرة في أكثر من إتجاه ، و الإصرار على الفكرة ، و إستخدامها من قبل أكثر من نظام عربي إستبدادي ، يدل على أن هذه الفكرة - فكرة المؤامرة - هي خطة معدة مسبقاً ، أعدتها الأنظمة العربية مسبقاً للدفاع عن نفسها في حالة حدوث أي معارضة ضخمة لها ، و يثبت هذا أن نظام تريان باسيسكو الذي يعد صديق وفي لكل أنظمة القمع العربية ، سواء في مصر ، أو سوريا ، أو غيرهما ، حاول إلصاق تلك التهمة بالثورات العربية ، ففي المقابلة التلفزيونية التي أجرتها معي القناة الأولى في التلفزيون الرسمي الروماني ، و تمت في مجمع مباني التلفزيون الرسمي الروماني ، في مساء الحادي و الثلاثين من يناير 2011 ، و قمت بنشر تفاصيلها في صباح الأول من فبراير 2011 ، في مقال : كيف يتعامل الإعلام الروماني مع الثورة المصرية ، تجربة شخصية ، حاولت السيدة الرومانية التي وجهت الأسئلة لشخصي البسيط أن تتهم الثورات العربية بإنها مؤامرة و ذلك في سؤالها التالي :
هل تعتقد أن المؤامرة سوف تصل لبلدان أخرى ؟
سؤال كهذا ، مع الوضع في الإعتبار أن التفزيون الرسمي الروماني خاضع مثل بقية وسائل الإعلام لسيطرة واضحة للإستخبارات الرومانية ، و يعد موالي تماماً لتريان باسيسكو ، يؤكد أن خطة إلصاق تهمة المؤامرة بأي معارضة عربية ضخمة لأي نظام عربي كانت جاهزة منذ زمن ، و ليست بالجديدة .
و ذلك الحديث التلفزيوني - و الذي تم بالإنجليزية - أجزم بأنه توجد منه نسخة لدى الإستخبارات الرومانية ، و كذلك السليمانية .
إذا كان من المستحيل على الأنظمة الإستبدادية العربية ، و على أصدقائهم في الخارج ، الإستماع لصوت العقل ، و النطق بالحق ، الذي يقول أن المطالبة بالديمقراطية ، و حقوق الإنسان ، ليست مؤامرة ، لأن تلك التهمة هي أحد خطوط دفاع المستبدين ، و أصدقائهم ، فلتكن مؤامرة .
لتكن الثورات العربية ، ثورات 2011 ، مؤامرة .
و مؤامرة شاملة أيضاً .
مؤامرة ملايين المطحونين ، ملايين المغبونين ، ملايين المحرومين ، ملايين المكبوتين ، ملايين الذين داستهم ، و لازالت تدوسهم ، أحذية القمع في العالم العربي ، و يمتص دمائهم الفساد الرسمي .
مؤامرة دبرتها ، ثم أنزلتها لأرض الواقع ، خلية تونس التي تضم ملايين التوانسة المطحونين المكبوتين ، ثم تلتها في ذلك خلية مصر التي تضم حوالي أربعة و ثمانين مليون متآمر مطحون مغبون مغلوب على أمره ، و خلية اليمن التي تضم معظم الشعب اليمني ، و خلية ليبيا التي تضم خمسة ملايين عضو على الأقل ، و خلية البحرين التي تضم عشرات الآلاف في أقل تقدير ، و خلية سوريا التي تضم ما لا يقل عن عشرين مليون متآمر و متآمرة ، و خلية المغرب التي تضم جموع الشعب المغربي ، و شاركت في تلك المؤامرة لبعض الوقت خلية الشعب الجزائري .
مؤامرة شارك فيها ، و لا زال يشارك فيها ، الملايين من جماهير المطحونين ، المكبوتين ، و ضحى بعضهم بحياته ، و بعضهم بسعادته ، من أجل نجاحها ، و المكافأة التي إنتظروها لقاء مشاركتهم فيها ، لم يتلقوها بعد ، لأنها لا تُدفع إلا عند نجاح تلك المؤامرة ، و لا يقدم مكافأة المشاركة في تلك المؤامرة إلا تلك الملايين التي شاركت فيها .
المكافأة التي تنتظرها هذه الملايين التي دبرت و شاركت ، و لازالت تشارك ، و ستشارك ، في تلك المؤامرة ، هي حزمة لا تتجزء من الحقوق المشروعة ، تشمل : الحرية ، الشخصية و السياسية ، و العدالة ، و الرفاهية ، و الكرامة الإنسانية ، و الكرامة الوطنية .
لم تقبض بعد هذه الملايين المشاركة في ثورات 2011 العربية المكافأة التي وعدت نفسها بها نظير مشاركتها في تلك المؤامرة ، لهذا ستستمر هذه المؤامرة إلى أن تصل المكافأة للمتآمرين .
إنها مؤامرة لا تقوم بها إلإ الشعوب ، و لا تقدم مكافأة المشاركة فيها إلا الشعوب ، و لا تقبض مكافأة نجاحها إلا الشعوب .

18-08-2011








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرئيس الأوكراني: الغرب يخشى هزيمة روسيا


.. قوات الاحتلال تقتحم قرية دير أبو مشعل غرب رام الله بالضفة




.. استشهاد 10 أشخاص على الأقل في غارة جوية إسرائيلية على مخيم ج


.. صحيفة فرنسية: إدخال المساعدات إلى غزة عبر الميناء العائم ذر




.. انقسامات في مجلس الحرب الإسرائيلي بسبب مستقبل غزة