الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قضية وطن - حايط نصيص

مازن مريزة

2011 / 8 / 19
الادب والفن


قد يكون أهل العراق بمذاهبهم ومشاربهم المتنوعة من أكثر شعوب العالم اختلافاً في الكثير من الرؤى والمبادئ والطموحات ، وذلك بسبب تكوينهم ألفسيفسائي المميز، الذي يضم العديد من ألوان الطيف العرقي والديني والمذهبي ، من سنة وشيعة وكرد وتركمان وصابئة وشبك وايزيديين ومسيح وغيرهم ، ولكن هناك قاسما واحداّ مشتركا بينهم يتجلّى بمظلوميتهم الأزلية ، لتبرز كنتوء جريء يجرح العين من بين أنقاض خلافات وصراعات الكتل السياسية المستمرة منذ ثمانية سنوات عجاف مرت على العراق كما يمر الإعصار على كومة من الزوارق المتهرئة لمجموعة من الصيادين البسطاء في شط العرب ، مضت عليه كالملح بالمآقي ، وكالشوك في الجفون ، فمنذ اليوم الأول لغزو العراق ، انقسم أهله ما بين متفائل ومتشائم ومتفرج لا مع هذا ولا مع ذاك ، وانتظر الكثير منهم أن تتحقق ولو بعضاً من أمانيهم وتطلعاتهم وأحلامهم ، ولكن هيهات ، فقد طال انتظارهم على شاطئ الأمل بانتظار مركب الخلاص المزعوم ، الذي لن يأتي أبداً ، ما دام الصراع قائماً بين الكتل السياسية الحالية ، والتي لا تفتأ عن اختراع الحجج الوهمية ، التي أبدعت في إنتاجها وتفننت في إخراجها كماً ونوعاً ، للتغطية على تناقضاتها ذات المردود السلبي على كافة المحاور ، في سبيل تحقيق الأجندات الحقيقية للتيارات المتصارعة فيما بينها ، على حساب الشعب المغلوب على أمره ، والذي أصبح حسب المثل العراقي الشهير ( حايط نصيص ) ، ومعناه بالفصحى لمن لا يعرف المثل ( الجدار الواطئ) الذي يستطيع أي شخص عبوره وتجاوزه بسهولة دون أن يحسب له حساباً ،فهذا الشعب الذي خُلق حراً كريما منذ أن اختار له الله على ضفاف الرافدين وطناّ ، إلى أن ُقهر وحوصر في حريته ورزقه وإرادته ، بات محاصراً لا إرادة ولا صوت له في أمر وطنه المستباح ، فهان وهان مصير الوطن، وأصبح ضعيفاً يتلقى لطمات الزمان من كل مكان بدءا من بعض الجيران الذين تكالبوا عليه وعلى التآمر ضده بشتى الوسائل والسبل - ففي الجنوب – لا يفتأ الجار الكويتي على افتعال الأزمات وكأن لديهم مصنعا كبيراً لإنتاج الأزمات المفبركة التي ما إن تخفت إحداها ، حتى تبدأ الماكينات بالعمل بلا هوادة ، لإنتاج المزيد ، وآخرها قضية بناء ميناء مبارك ( الكبير) ، يتخلل ذلك بين الفينة والأخرى ، رائحة الغل الكريهة المتمثلة بإسهال أقلام بعض الكتبة الكويتيين – ولا أقصد كتّابهم - والأقلام المشرّعة كأسنان الرمح في محاولة بائسة ومستميتة لإثارة المشاكل بين الشعبين الشقيقين ونكأ الجروح التي يحاول أن يتناساها ولو إلى حين ، دون أن يكلفوا أنفسهم عناء البحث عن علاج حاسم ونهائي ، وفي الشرق يُرى قصفاً إيرانياً سافراً يطال قرى الشمال الأشم الآمنة ، وفي المقابل لا نجد سوى بعض التصريحات المعترضة الخجولة هنا وهناك ممن وضعوا على عاتقهم حماية أمن وسيادة واستقرار العراق ، وكذلك تطاولهم على قطع مياه الأنهار وقطع خير البلاد والعباد ، بكل صلف واستخفاف بالقيم الإنسانية والإسلامية بين الجيران ، وفي الشمال الأقصى أمست مدرعات الترك ودباباتهم تدخل وتخرج بلا حسيب أو رقيب ، وكأني بهم يدخلون أحد محافظاتهم و أقضيتهم بحجة القضاء على أعداء لهم داخل الحدود العراقية ، ولا يسعنا أن ننسى موضوع تقنين مياه دجلة والفرات ، مما تسبب في تلف آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية التي تمّد العراق بالمحاصيل الأساسية ، ونفوق الآلاف من حيوانات الماشية ، ولا نريد إغفال دور الجار السوري ، الذي تغاضى بسرور عن دخول المفخخات والمتفجرات عبر حدوده في وقت ما بعد غزو العراق ، ناهيك عن حسر ماء الفرات ، بحجج كثيرة أسهلها بناء السدود ،وما تسببه ذلك من خراب أخوي تقبلناه بروح رياضية ، بسبب عجز القائمين بالأمر في الرد المناسب كدولة تفتخر بسيادتها وقوتها، وليس سراً الحديث عن بعض الجيران الذين أمدوا بالمال الكثير من الفصائل التي تبنّت المئات من الإرهابيين والتكفيريين الذين أشبعوا العراقيين قتلا وتنكيلاً ، وما وقائع يوميات الموت العراقية التي تتسابق نشرات الأخبار المرئية والإذاعية في بثها بمناسبة أو بدون مناسبة ، استكمالاً للمشهد الدموي المستمر، والذي تقوم برسمه أشباح الموت الملثمة التي لا يستطيع أحد التكهن عن مصدر دعمها الحقيقي ، إلا دليل آخر على هشاشة الاستقرار الأمني الداخلي ، بالإضافة إلى ما ذكرناه عن هشاشة السيادة العراقية الخارجية ، والتي يشوبها بصورة متوازية عدم وضوح وتخبط في السياسة الخارجية لدولة العراق الحالية ، أما الحديث عن الخدمات المفقودة واستشراء الفساد الإداري ، فلا يحتاج إلى الكثير من الأدلة والبراهين ، فطبقاً لمؤشر "منظمة الشفافيّة الدولية العالميّة"، فإن العراق أحتل المرتبة "الثالثة" الأكثر فساداً في العالم من على مستوى العالم ، وبنجاح ساحق للعام الثامن على التوالي ، وهناك ملايين الدولارات التي تختفي على نحو مفاجئ ، دون أن يُعرف مصيرها ، مما قد يُشكل أحد أكبر مصادر التمويل المغذية للجماعات المسلحة والمليشيات التي تحمل السلاح بوجه مؤسسات الدولة الرسمية ، وربما توفر لها غطاءاً يسمح لها بالسيطرة على بعض مفاصل الدولة الحساسة عن طريق التغلغل فيها ، وخلق تيارات تقاوم مكافحة الفساد بضراوة وقوة ، وتدعم الاضطرابات العرقية والسياسية ، مسببة استمرار المآسي التي يعانيها الشعب العراقي المثقل بالآهات ، والذي حُرم من أبسط مقومات الحياة الإنسانية الرغيدة ، مثل الكهرباء والماء الصالح للشرب وشبكات الصرف الصحي ، وتفشي البطالة ، وضعف دعم البطاقة التموينية ، كل ذلك بسبب سوء الإدارة ، وضعف الجانب المهني والحرفي للقائمين عليها ، وان جُل ما يملكونه ، هو ولائهم أو انتمائهم لذلك التيار أو لتلك الكتلة ، على أساس المحاصصة الطائفية التي أسست لوضع مئات العصي في عجلة التقدم والتطور ، وإصلاح الحال ، فالشعب المظلوم ، لا يطلب من حكومته الرشيدة عراقاً على غرار المدينة الفاضلة ، أو نقله إلى مصاف الدول الأوربية المتقدمة ، فقد أدى الحرمان الطويل الأمد ، إلى تقزيم أحلامه وطموحاته إلى أبسط أحوالها ، فهو لا يطلب سوى الحد الأدنى من أبسط مقومات الإنسان العصري الحديث ، من خدمات معقولة – أهمها الماء والكهرباء – والشعور بالأمان وبالمواطنة الحقيقية لهذا البلد المتخم بالخيرات والتهديدات في آن واحد ، وأن يعي القائمون على سدة الحكم ، بأن قوة الدولة تُستمد فقط من خلال قوة المواطن ، وشعوره العميق بأنه جزءا لا يمكن إغفاله من هذا الوطن ، وأنه شريك حقيقي بالثروة والسلطة وان كل الخيرات ستكون بيد أبنائه الذين يمثلون غالبيته وسواده الأعظم ، وليس بيد حفنة من الأفراد المتنعمين ب(( عز )) الوطن ، وأبسط طريقة لذلك ، هي وضع دستور واضح ومستقر ، تختفي منه القنابل الموقوتة التي وضعها من أراد للدستور العراقي أن يكون طريقاً غير معبدة مليئة بالحفر والمطّبات للوصول إلى بر الأمان وتحقيق العدالة الاجتماعية بأكرم وأوضح صورها ، بسبب افتقاره لآليات التطور والتغيير الاجتماعي ، وجعله معادلة معقّدة أمام الشعب متجاوزا لإرادته وتطلعاته وطبيعته، ولا هو يعّبر عن طموحات الشعب الذي عانى الكثير لأجل أن ينعم بالحرية ويحقق بناء دولة مدنية حرة مستقلة ذات سيادة تُحكم بدستور حاسم لا يقبل سوى وجه واحد وتفسير واحد ،يفهمه الشعب ببساطة ، ويستطيع تطبيقه ليبني بنفسه دولة التنوع السياسي والتداول السلمي للسلطة والفصل بين السلطات وسيادة القانون على الجميع سواسية دون مواربة أو مجاملة ، وصيانة حقوقه بصورة تلقائية دون طلب أو منٍّ من أحد ، وأن ينعم المواطن العراقي بحياة كريمة عزيزة , ويُعوض عن الحرمان الذي سببه فساد الأنظمة منذ عقود .
الشعب لا يطلب الكثير ، ولا يتمنى على ساسته المستحيل ، فقط يتمنى أن يسحروه بأدائهم وأمانتهم ونزاهتهم ، وأن يدركوا بأن قوة الوطن من قوة المواطن ، وإنهم لا يتعاملون مع المواطن على أساس أنه ( حايط نصيص) حتى لا يصبح العراق نفسه (حايط نصيص ) أمام الطامعين والمستخفين ، ليدعو لهم لا عليهم في صلواته ، فالشعب العراقي الأصيل ، يعرف جيداً بأن كل شيء في العراق مميز ، فتراب العراق أدفأ ألف مرة من أي فراش وثير ، وخبز العراق الحاف ألذ من أغلى أكلة في مطعم مكسيم ، وتشريب العراق أطيب من كل الأصناف الملكية التي تقدم بأطباق ذهبية ، وماء العراق أنقى وأصفى من مياه أعلى الينابيع في سويسرا ، وتمرُ العراق أحلى وأشهى من شكولاته (دي لافي) السويسرية ، وأن أولاد ( الملحة ) أشجع وأكرم وأعز حتى من عنترة العبسي نفسه ، وأن قهوة مضايف العراق المعجونة بحبوب الهال لا تضاهيها قهوة موكا الإيطالية .
وأخيراً يسأل شعب العراق ؛ سؤاله الأزلي :
متى سيذرف آخر دمعة ، ومن الرجل الرشيد الذي سيأتي على فرسه الأبيض يوماً ليطمئنه بأنه سيضحك يوما ملء شدقيه وينعم بالسعادة والأمان مثل باقي خلق الله.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية


.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي




.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب


.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?




.. قصة غريبة عن أغنية أنساك لأم كلثوم.. لحنها محمد فوزي ولا بلي