الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لخبطة حقوقية

بن جبار محمد

2011 / 8 / 19
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


لخبطة حقوقية


ككل طلبة العلوم القانونية و الإدارية عندما وضعنا أرجلنا في الجامعة كنا نحمل محصلة لابأس بها من إختلاط في المفاهيم و مجموعة عشوائية من نظريات في كثير من حقول المعرفة و الخاصة تلك التي كانت في مقررات الدراسة الثانوية . رصيد كمي لا أكثر ..قد تكون وسائل الإعلام و الجرائد و بعض الدوريات و المجلات الرديئة دورا في تراكم بعض المعارف المشوهة ..عقولنا فوضى لا تكاد تستقر على شيئ بأفكار مشوهة و متناقضة و ساذجة الى حد الضحك.
و كثير من الطلبة الذين أجتازوا بكالوريا بنجاح كانوا من شعبة علوم الإسلامية أختاروا الحقوق وهو حق مشروع لهم لكن...
بدأت الدراسة و معها بدأت تظهــر مشكلة المفاهيم و مشكلة الإستيعاب لهذا العلم ومشكلة عدم وضوح الرؤية الى مابعد سنوات الدراسة الأكاديمية . أظهر الكثير بمأسوية مقــاومة شديدة للحقــوق بمعنى أن المفاهيم الإسلامية و العقلية الإسلاموية أصبحت راسخة الى درجة يتعذر التخلي عنهـمـا , فخلقت لدى ذوي النوايا الحسنة نوع من الإنفصام بما يؤمن به من مقولات و رصيد و ترسبات معرفية إسلامية و بين ما يتحصل من الجامعة من دراسة معقلنة و موضوعية و حيادية ايضا . اذكــر انه في بداية دراسة لمقياس "تاريخ النظم"كيف أن الطلبة كانوا يجهلون تاريخ العالم القديم و يبدأ التأريخ بالنسبة لهم من العصر النبوي أما ما قبلها فلا أهمية له إطلاقا رغم المجتمعات القديمة قد وضعت شرائع و قوانين أكثر أهمية و أبرمت معاهدات مهمة حولت مسار البشرية ..الخ . و لكن طلبتنا بكثير من التفاصيل يعرفون سوى صلح الحديبية و وثيقة المدينة بين النبي و اليهود.
المشكلة تزداد سوءا بعد سنتين من الدراسة لا يستطيع الطالب التفريق بين المصطلح الشرعي للزنا و المصطلح القانوني للزنا , فكان الأستاذ يضاعف الجهـد لكي يفهمنا أن القانون كل مفاهيمه غربية المنشأ و الإنسان و حقوقه هي المناط في الفكــر الغربي و أنا الزنا لما تم تجريمها يعني : حمــاية الحياة الزوجية و أطراف الزوجية ليس إلا و يمكن سحب الشكوى (زوج أو الزوجة ) أو التنازل عنــها أما المصطلــح الشرعي فهو تجريم هذا الفعل على الكــل سواء محصنة أو غير محصنة فتى أو كهلا أو شيخا ..المنشأ الفلسفي يختلف تماما عنه في الشريعة و لا يمكن سحب الشكوى أو التنازل عنـها و هي من حقوق الله على عباده و يقام عليهــا الحد بإحضار شهادة الشهود ..كان الأستاذ يشرح لنا و هو يتصبب عــرقا حتى أنفجر غاضبا: الذي يريد دراسة الشريعة فليذهب الى كلية الشريعة و يريحنـا ..كل المذكــرات التي كان يعدهــا الطلبة لا تعد من قبيل البحث العلمي المقـبول فنجد آيات قرآنية طويلة و أحاديث نبوية و كلام التابعين ..كان بعض الأساتذة يصدر منهم إمتعاض شديد على عدم إحترامنا للحد المعقول من الموضوعية و الحيادية في العلم .
إلى درجة أن أحدهـم كتب و بإقتناع كبير أن من مصادر القانون الإداري الشريعة الإسلامية و إسهام الشريعة في تطور هذا القانون و بلورته و ضرب لنا مثلا بــ الحسبة .
و الأمر لم ينتهي عند هذا الحد بل تعداه الى بعض الأساتذة الإسلامويين الذين درسوا لنا الإلتزامات و العقود من وجهة نظر إسلامية بحتة و بالمصطلح و المفهوم الديني مما خلق إرتباك كبير بعدما كدنا أن نميز بين المفهومين عدنا الى نقطة الصــفر و بعدها يطل علينا أستاذ آخر غريب الأطوار يخرج بنظرية إسلامية في التحكيم التجــاري و يكرر على مسامعنا ببعض الفخر أن العرب كان لهم باع في التحكيم التجاري و يأخذ بفكرة فض نزاع القبائل عن طريق التحكيم النبوي كمثال للحجر الأسود..
ما أجتزنــا السنة الثالثة و شرعنــا في الرابعة و هي السنة الأخيرة كانت لي كابوسا يجب أن أجتازه كيفما كان الحال ..الأمر يتعلق بمستقبل كامل لطالب جامعة ( كانت مسألة طردي من الجامعة مسألة وقت فقط ) أطــل علينــا من بين الأساتذة الذين يدرسون قانون الأسرة (الأحوال الشخصية) شخصية سلفية ينذر أن نجد مثلهــا في الجامعة الجزائرية ..يدرسنا قانون الأسرة بمفاهيم القرون الوسطى فكان بيني و بينه سجــال الى درجة خشيت على مستقبلي الجامعي.. فيستعمل مصطلح النـكاح عوض مصطلح الزواج و يستعمل مصطلح الموطوءة بدلا من المدخول بها أو أي مصطلح متحضر لعشرات الساعات يتكلم عن الطمث و النكاح و الحكمة من تعدد الزوجات و العدة و إستبراء الأرحام بشكل مستفيض يدعو للتقزز ..و قد طرحت سؤال على نفسي : فقهاء الإسلام ضيعوا جهودهم في أمور تافهة و حتى مصطلحاتهم التي أستعملوهــا تبين نزعتهم الدونية للمرأة و نزعتهم الجنسية و يمكن لأي أحد منكم أن يستعمل مصطلح الموطوءة بدل المرأة . إهدارا لكرامتها و إهانة لهــا .
المفاجأة , يظهــر لنا هذا الأستاذ فكره الديني بما لا جدال فيه و واضح وضوح الشمس أن المرأة الشريفة من "الأشراف" يمكنها حسب مذهب مالك أن تستفيد من مزايا الخطبة و الزواج و الرضاعة خلافا للمرأة" الوضيعة" ..و ضرب بذلك عرض الحائط بكل ما درسناه من حقوق الإنسان و الحريات الأساسية و نبذ العنصرية و التمييز بين البشر ..لكن بعض الطلبة بعد تخرجهم أزداد الخلط عندهم أكثر مما كان و أصبحوا لا يمكنهم التمييز بين الغث و السمين و ما تعلموه زادهم جهالة .تلك نتائج عدم الصرامة الأكاديمية و التخلف الجامعي .
لعنة الأصولية و التخلف تطــاردنا حتى في الجامعة .نظرة خاطفة لمكتبة الجامعة ترى مما لا يدعو للشك أن أغلب المؤلفات القانونية هي مؤلفات مقارنة بين القانون و الشريعة بداية من العقود و المسؤولية و إنتهاءا بالقانون الدولي , ما أردت قوله في هذه العجالة أننا نعيش أزمة مفاهيم و عشوائيتها نظرا لهيمنة الفكــر الديني لأنه لم يترك ميدانا إلا و لونه بلونه و صبغه بصبغة الألوهية و أصبح مصير إنسان فيه غامضا و لا يمكنه التقدم لخطوة ألى الأمام ولا ينفك عقده إلا بوضع الفكــر الديني الأصولي جانبا و يصبح الإنسان وحده محور هذا الكون و سيد هذا الكون و لا يتأتى ذلك إلا بالتحرر الكامل العقل .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا وراء سجن المحامية التونسية سنية الدهماني؟ | هاشتاغات مع


.. ا?كثر شيء تحبه بيسان إسماعيل في خطيبها محمود ماهر ????




.. غزة : هل توترت العلاقة بين مصر وإسرائيل ؟ • فرانس 24 / FRANC


.. الأسلحةُ الأميركية إلى إسرائيل.. تَخبّطٌ في العلن ودعمٌ مؤكد




.. غزة.. ماذا بعد؟ | معارك ومواجهات ضارية تخوضها المقاومة ضد قو