الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شرط التواجد السياسي وتنامي الاهتمام بالبعد الإنساني

سامر أبوالقاسم

2011 / 8 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


شكل تنامي الاهتمام بالبعد الإنساني، وبشرط تواجده السياسي داخل المجتمع، وبمسارات التطور فيما يتعلق بصياغة قواعد قانونية ناظمة لعلاقات الأفراد والجماعات والمؤسسات، وبمآسي الإنسان عبر مختلف المحطات التاريخية، سياقات عامة للانتباه إلى موضوع المواطنة سواء على المستوى العالمي أو على المستوى الوطني.

وهذا الانتباه، رافقه تفكير مستمر في بعض مقومات مفهوم المواطنة، من قبيل بعض الأسس التراثية التي شكلت دعائم الفكر المعادي للبعد الإنساني في تنظيم العلاقات، والراهن والمستقبل المشتركين للأفراد والجماعات، والتواصل كأداة لتبديد الحواجز التي تنتصب عائقا أمام البشر، وكأساس للوحدة التي تربط بين الناس وتضمن انتماءهم للمجتمع الواحد والإنسانية جمعاء، والتصور العام لمكانة الإنسان في التاريخ، بعيدا عن منطق تعميم أية فكرة تمييزية؛ دينية كانت أو عرقية أو لغوية، على العلاقات الاجتماعية في فترة من فترات هذا التاريخ المشترك.

والمؤكد هو أن غايات الارتكاز على قاعدة المواطنة، على الأقل كما نطمح إليها اليوم في مجتمعنا المغربي، تتمثل في التركيز على المصالحة داخل هذا التصور بين كل الأصول التي انبثقت منها مكونات الهوية الوطنية، وفي الحفظ الإيجابي للهوية الإنسانية لتاريخ مجتمعنا؛ هوية غير منغلقة على ذاتها أو على أحد مكوناتها (كالدين أو اللغة مثلا) ومنفتحة على الاختلاف والمغايرة، وفي أن المواطن الإنساني ينبغي أن يتحقق فيه التماهي مع وطنه في الآن ذاته الذي ينفلت من قبضة الوطنية المنغلقة، وفي أن الأساس في أي تصور للمواطنة لا يمكنه أن يكون خارج مبدأ الفعل الذي يجعل من المواطنات والمواطنين مختلفين في الآن ذاته الذي يتوحدون فيه.

وحسب سياق التطور الذي تعرفه حالتنا الوطنية، فإن نقط الارتكاز الأساسية اليوم لمساهمة كل المواطنات والمواطنين في تجسيد المعاني البسيطة للمواطنة، يمكنها أن تنطلق من أهمية إدراك الإنسان ذاته كمواطن قبل أي شيء آخر، وأهمية أن يضع الإنسان المغربي نصب عينيه شرطه السياسي الذي يمر منه في هذه الآونة، وأهمية أن يشارك الإنسان أمثاله من المواطنات والمواطنين بدل التعالي عليهم، وكذلك أهمية أن يتأهل الإنسان ذاتيا للتفكير والمشاركة في صناعة حاضر ومستقبل بلده، ولاكتسابه صفة المواطن، وهذا هو الأهم في نهاية المطاف.

لذلك، فالسياسة في نظرنا، بقدر ما هي تعبير عن معنى الإنسان ذاته، بقدر ما هي بحث متواصل من جانبنا عن حضور مفهوم الحرية في عمق معنى السياسة نفسها، في ضوء الواقع السياسي الوطني الجديد، واستحضارا لطبيعة وشكل أهدافها وغاياتها القصوى في ظل ذلك النفس الذي يحرك جماعة ما في اتجاه الفعل السياسي.

ونحن، إذ نطمح إلى أن نشكل تعبيرا عن الجيل السياسي الجديد، انطلقنا من العديد من التساؤلات الهامة ـ على الأقل في نظرنا ـ والتي لم تحظ للأسف بنفس درجة الاهتمام لدى الجيل السياسي السابق، من قبيل: هل لا يزال للسياسة من معنى بعد هذا الأداء، الذي يمتد لأزيد من نصف قرن؟ خاصة في ضوء التفكير المتجدد في أهداف العمل السياسي، سواء من حيث مدى إمكانية نجاعتها بالنسبة للفعل السياسي، أو من حيث الظروف التي أصبحت توجه رؤية الإنسان المغربي للعالم وللآخر.

وهل ما زالت هناك نفس الغايات في فضائنا السياسي المغربي الموجهة لفعلنا بكل ثقة نحو المستقبل، أم أن الأمر يتطلب إعادة النظر في سبل البحث عن مدى واقعية الغايات السياسية، للسعي وراء بلوغها من خلال فعلنا السياسي، ودراسة مدى إمكانية تجدد هذه الغايات وتغيرها بفعل التحولات المتسارعة داخل مجتمعنا وفي فضاء محيطنا الدولي العام؟

وهل يمكننا الذهاب بعيدا إلى حد الاعتقاد بأن فعلنا السياسي في هذه الفترة أصبح يتميز بانقطاعه التام عن كل مبدأ، وبذلك أصبحت السياسة فاقدة للقدرة على الجمع بين أفراد المجتمع وجماعاته، أم أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد تهويل من طرف أولئك الذين لم يقووا على التأقلم مع متغيرات الأوضاع الجديدة؟

إن مهمة التفكير في البعد السياسي لحياتنا وأدائنا كمغاربة، لا يمكنها أن تتحدد إلا من خلال التفكير في معاني السياسة من جديد، وهي معاني لا يمكنها الانزياح عن مفهوم الحرية، الذي هو بالضرورة معنى الإنسان نفسه، وهو الشيء الذي يعطينا المشروعية للتفكير في الإنسان المغربي من باب شرطه السياسي، وليس من باب اشتراطاته القيمية أو المبدئية ذات الأبعاد المعيارية أو الإسقاطية، فبالأحرى من باب اشتراطات تأويلات دينية متخلفة.

وفي حالتنا الوطنية، السعي نحو اكتساب المواطنة خارج منطق التوازنات السياسية الضيقة، يقتضي من المواطنات والمواطنين بشكل عام، ومن الفاعلات والفاعلين بمختلف مواقع فعلهم بشكل خاص، الانخراط في خيار المجتمع المغربي الكامن في الإرادة القوية للمضي في طريق التنمية والدمقرطة والتحديث.

لكن الملاحظ، هو أن هناك العديد من السلوكات التي تؤشر على أنه لم يعد أي معنى للأغلبية والمعارضة داخل المؤسسة التشريعية وخارجها، وينمي الاتجاه والميل لدى الرأي العام الوطني بعدم جدية الأداء السياسي للأحزاب المغربية، وغياب الحس بالمسؤولية داخل مؤسسات الدولة، بل ويقوي حظوظ وفرص التموقف الموضوعي للرأي العام من السلوكات اللامدنية للنخبة السياسية بالبلاد.

وإذا كان السلوك السياسي يترجم مستويات مختلفة ومتدرجة؛ من الحس السياسي إلى الوعي الوطني، وإذا كان الحس السياسي لا يمكنه الخروج عن نطاق وعي الذات/الفرد بالانتماء إلى المجال الوطني المشترك، وهو بالتالي محكوم ـ بالضرورة ـ بقيم ومبادئ موجهة لطبيعة وشكل الاتجاهات والميول والمواقف والممارسات السياسية، كما أنه محكوم بقواعد تتحدد من خلالها الحقوق والحريات والالتزامات والواجبات، فإن الواقع ـ للأسف ـ يحبل بالعديد من السلوكات السياسية، التي لا تترجم الحس السياسي، فبالأحرى الوعي الوطني.

وعليه، فالسلوك السياسي ينبغي أن يتمحور حول مبدأين موجهين، الاحترام والمسؤولية، لضمان الحقوق والحريات الفردية والجماعية من ناحية، ولصيانة المصلحة العامة للوطن كمجال مشترك، على قاعدة الالتزام بتحمل المسؤوليات والقيام بالواجبات، التي لا تخرج عن نطاق القيام بالأدوار والوظائف والمهام الموكولة للأفراد والجماعات والمؤسسات من ناحية أخرى.

ومبدأ الاحترام، إذا كان يعني ـ ضمن ما يعنيه ـ الذات/الفرد في انتمائه للوطن، عبر احترام ذاته، واحترام الآخر، واحترام الوطن، فإن مبدأ المسؤولية يعني الفرد والجماعة والمؤسسة، وتتحدد بموجبه كل الواجبات تجاه الأسرة والمدرسة والمحيط الاجتماعي والوطن برمته، وكذا تجاه العالم والإنسانية بشكل عام.

لذلك، فثقافة المواطنة؛ بقيمها ومبادئها واتجاهاتها وميولها ومواقفها، المؤطرة للممارسات والتصرفات والسلوكات، تعد رافدا أساسيا من روافد تنمية السلوك السياسي وتخليقه لدى الأفراد والجماعات والمؤسسات.

وعليه، فالسلوكات السياسية، المبتعدة عن تجسيد المنظومة القيمية لثقافة المواطنة، بالقدر الذي تشكل تعبيرا مكثفا عن الخلل الكامن في طبيعة وشكل الطرق والوسائل المعتمدة ثقافيا واجتماعيا وتربويا في نقل المنظومة القيمية الإيجابية عبر الأجيال، بالقدر الذي تعكس عجز مؤسسات التأطير الاجتماعي والسياسي عن التأثير بشكل إيجابي في الناس والمحيط، خدمة للأفراد والجماعات والمؤسسات، كوحدات لا يمكن تصورها إلا في صلب المصلحة الوطنية العامة.

وبالقدر الذي يسائلنا ـ نحن الفاعلون السياسيون ـ تفشي مثل هذه الممارسات والتصرفات والسلوكات بين الناس عامة، وبين المشتغلين ضمن الحراك السياسي للمجتمع المغربي بصفة خاصة، بالقدر الذي يمكن اعتبار الاهتمام بها، والتعبير عن القلق من تفشيها داخل فضاءات المؤسسات ومحيطها، والبحث عن سبل الحد من مضاعفاتها السياسية السلبية على العلاقات بين الأفراد والجماعات والمؤسسات، يدخل ضمن إستراتيجية النهوض بأوضاع الساحة السياسية، التي انطلقت بعض تفاصيل أجرأتها على أرض الواقع مباشرة بعد نتائج الانتخابات التشريعية لسنة 2007.

وفي إطار الوعي بمتطلبات الحركية الجديدة التي انخرط فيها المغرب، وبضرورة ترجمة هذا الخيار في سن توجهات وسياسات وبرامج مختلف القطاعات والمؤسسات ومجالات العمل. ونظرا للمكانة الأساسية للفعل السياسي، ودوره الاستراتيجي في تأهيل مواطنات ومواطني مغرب اليوم وتنشئة جيل المستقبل، وفي الرفع من مستوى المواكبة والانخراط السياسيين في الجهود الرامية إلى النهوض بأوضاع مجتمعنا على كل المستويات.

وفي سياق التفاعل والتجاوب مع متطلبات الأجرأة والتنفيذ لعمليات النهوض بالساحة السياسية، كمشروع وطني للنهوض بأوضاع بلادنا، وكآلية فعالة لتأهيل المجتمع المغربي ككل، ليلتقي حول أسس قيمية مشتركة، تشكل فيها مبادئ الكرامة والحرية والمساواة والعدل والتضامن وقبول الاختلاف والتسامح، قواعد لعلاقة الأفراد فيما بينهم في حياتهم الخاصة والعامة، ومحددات للممارسة اليومية للمؤسسات المدبرة للشأن العام في مختلف مجالات معاملاتها.

يأتي هذا التركيز على السلوكات اللامدنية للنخبة السياسية ولممثلي الأمة داخل المؤسسة التشريعية، لإثارة الانتباه إلى ضرورة وأهمية النهوض بأدوار مؤسسات الدولة وإطارات المجتمع في بناء الاتجاهات والميول والمواقف المدنية، ودعمها لدى كافة المواطنات والمواطنين، في أفق جعل كل مجالات الاشتغال والتأطير في نطاق التنشئة السياسية والاجتماعية، بكل مكوناتها ومواردها وآلياتها، رافعة لترسيخ قيم المواطنة.

إن الاكتفاء بلفت الانتباه إلى ما أخذ يتفشى من سلوكات لا مدنية داخل المدرسة المغربية، وغياب الجرأة في التعاطي مع ما يستشري داخل القطاعات والمؤسسات الوطنية الكبرى، وغض الطرف عما يصدر من "النخبة السياسية" من تصرفات لا مدنية ولا مسؤولة، هو في حد ذاته يعتبر سلوكا لا مدنيا. فالسلوك المدني هو "منظومة قيمية أخلاقية متكاملة تزاوج بين التشبع بقيم المواطنة والتمتع بالحقوق الأساسية والالتزام بالواجبات، وبين التصدي الحازم للسلوكات اللامدنية".

فهل يمكننا الجزم اليوم، بأن مؤسسات الدولة وإطارات المجتمع، وكذلك المدرسة المغربية وكافة مؤسسات التنشئة الاجتماعية، قادرة على بلورة إطار عمل وطني متكامل للارتقاء بالسلوك المدني؟ وهل هي اليوم تشكل فضاءات لغرس قيم المواطنة والقيام بالتغيير الخلاق للتمثلات والمواقف والسلوكات المنظمة للعلاقات داخل الدولة والمجتمع؟

إن النهوض بالسلوك السياسي هو فعل يتجاوز معرفة الحقوق والواجبات، ليتموقع في قلب عمليات الاستدماج الذكي والفطن في منظومة القيم والممارسات الفردية والجماعية والمؤسساتية. وهو فعل يتطلب ـ في اعتقادنا ـ تطوير المبادرات الحالية في مجالات الأداء السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، بما يضمن لها حدا أدنى من النجاعة والقدرة على التأثير على المدى المتوسط والبعيد.

فالاهتمام بالتوعية بالسلوكات المدنية، لا يمكن قصره على مؤسسات التنشئة الاجتماعية وحدها، بقدر ما ينبغي تعميمه على كل مؤسسات الدولة وإطارات المجتمع، خاصة في المرحلة الراهنة التي تعرف فيها بلادنا تحولات عميقة في بنية العلاقات المنتظمة داخلها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استعدادات دفاعية في أوكرانيا تحسبا لهجوم روسي واسع النطاق


.. مدير وكالة المخابرات الأميركية في القاهرة لتحريك ملف محادثات




.. أمريكا.. مظاهرة خارج جامعة The New School في نيويورك لدعم ال


.. إطلاق نار خلال تمشيط قوات الاحتلال محيط المنزل المحاصر في طو




.. الصحفيون في قطاع غزة.. شهود على الحرب وضحايا لها