الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الساحر العجوز

شريف مليكة

2011 / 8 / 20
مواضيع وابحاث سياسية



لطالما وقف أمامنا وحذرنا مبارك من قبل: "أنا.. أو الفوضى!"، و"أنا.. أو الإخوان المسلمين!". وفي المقابل قرر بالنيابة عنا، وشفقة بحالنا أيامها، مرات ومرات، أن يبقى هو في سدة الحكم، بدلا من الفوضى ومن الإخوان، فترشح للرئاسة من جديد حتى وهو في النصف الأخير من العقد السابع، ونجح في البقاء على كرسيه بالطبع، كما شهدنا جميعا. ولكنه أبقى على الإخوان، ورباهم واعتنى بهم في الحديقة الخلفية من بيت حكم "مصر". سعى لأن يكبروا وأن يبقوا بصحة وعافية، ولكن في الحديقة الخلفية. وحرص على أن يشهد على وجودهم كل الزوار، وأن نراهم نحن بوضوح كلما مررنا من أمام البيت، تذكيرا لنا على الدوام بوجودهم، وتذكيرا لهم بمكانتهم في بيته.
وعندما بدأ يشعر بأن قدرته على البقاء، متربعا فوق الكرسي قد بدأت تتقلقل، لأسباب عديدة، أهمها بصفة مباشرة كان تقدمه في السن، وقلَّت قدرته على الحفاظ على سلامة كرسيه، بدأ البحث عن بديل. وكعادة الرؤساء العرب مؤخرا بدأ البحث من حوله، في جنبات بيته أولا، قبل أن يحاول أحد حتى لأن يفتح شباكا ليستكشف ولو الجيران الأولين (والنبي وصى على سابع جار). علاء مش فاضي؟ ولا سوزان؟ طيب وجمال؟ ثم أصبحت النغمة (المستترة) عندها "جمال.. أو الفوضى!" و"جمال.. أو الإخوان المسلمين!". أقول المستترة هنا، تأكيدا لما شبعنا منه من نفي لتلك المقولة، وللتصريحات المتتالية من قبل مبارك الأب والإبن، بأن أحد لم يكن يفكر مطلقا بقصة التوريث تلك، حتى بدى الأمر وكأنها إشاعة أطلقها بعض المغرضون، أو أحد الذين يشكون في خلود الأب، ودوام بقاؤه على الكرسي، مما لا يدع مجالا لأن يفكر الإبن في وراثة كرسيه، حتى أن الأب أعلن عن عزمه خوض الانتخابات مجددا في آخر هذا العام.
ولما كتب سعدالدين ابراهيم عن الجملوكية (الخليط بين الجمهورية التي ينتخب فيها الشعب رئيسه، والملكية التي يورث بها الحكم من الأب للإبن)، تم محاكمته للإساءة بسمعة مصر ، وأودعوه سجن طرة. ثم علمنا مؤخرا بأن مشروع التوريث كان حقيقيا، حتى أن مبارك الأب أعلن خلال أحد خطاباته الدراماتيكية الأخيرة بعد قيام الثورة، أنه سوف يتخلى عن الحكم لنائبه "عمر سليمان" وأنه لم يكن يعتزم ترشيح نفسه للرئاسة مجددا على أي حال، وأعلن أحد أعضاء المجلس العسكري مؤخرا أن الجيش كان بصدد القيام بانقلاب في أواخر هذه السنة، التي كان مزمعا إقامة الانتخابات الرئاسية عندها، إذا ما حدث وفاز بالرئاسة مبارك الإبن.
ولكني أعود إلى مقولة "أنا أو الإخوان" هذه، بغض النظر عمن تعود عليه لفظة "أنا" (وأعوذ بالله من قولة أنا) هذه. لماذا قالها مبارك من قبل؟ ولماذا يبدو الأمر الآن بعد أن شرف آل مبارك وراء القضبان، أصبح يبدو لنا أن ما دأب مبارك على ترديده، أصبحنا قاب قوسين من تحقيقه، وبتنا ننتظر لحظة أن تكتمل نبوءته المشؤومة. هل كان مبارك محنكا سياسيا فعلا، كما كان يردد المنافقون من حوله على مسامعنا قبل الثورة، لكي يصل إلى درجة استقراء المستقبل، كما يصنع المفكرون الأكاديميون والسياسيون العظماء المعدودون في صفحات كتب التاريخ؟ أم أن الأمر كله لا يعد أن يكون أكثر من خدعة من أعمال ساحر يقف فوق خشبة المسرح فيضع أمامنا أرنبا في القبعة ويقلبها، ثم يعود فيخرج منها حمامة بيضاء ترفرف فوق رؤوسنا، فنصدق سحره، أو حيلة من حيل عراف ينتقي من بين الملتفين حوله شخصا يتمتم فوق رأسه بكلمات ثم ينبئنا بأن في محفظته ثلاثة جنيهات وصورة لامرأة ماتت قبل ثلاثة سنوات.
ما أريد أن أقوله هو أن الفارق ما بين العلم والمعرفة التي قد تؤهل النابغة في التحليل السياسي، واستخدام النظريات والتحليلات العلمية، مما يجعله قادرا بالفعل على استقراء حقائق المستقبل قبل أن تحدث، وبدون أن يراها، تبعا لنظريات العلم والمعرفة ذاتها. وعلى الجانب الآخر فالحيلة والخداع قد تؤهل الدجال، أو المهرج الذي يسعى لإشاعة البهجة والمرح على أحسن تقدير، أقول قد تدفعهما لإيحائنا بأشياء وكأنها استبيان لما هو مخفي عن أعيننا، في حين أن الحقيقة أن الساحر أو المهرج كان قد قام بإعداد الأمر برمته مسبقا، حتى ما إذا حان وقت العرض، يقف بقبعة الساحر السوداء وعصاه الآبنوسية، ويصيح "جلا.. جلا.. جلا.." وكأن ما يقوم به يعد من الأعمال الخارقة للطبيعة، يستحضر لتحقيقها أمامنا قوى غيبية، أو يقنعنا كاذبا بقدرته على قراءة الغيب، في حين كان زرع وسط الحضور شخصا اتفق معه مسبقا أن يضع في جيبه المحفظة ذات الثلاث جنيهات والصورة اياها.
ما أريد أن أؤكد عليه هو أن المسرحية السخيفة التي نعيش فصولها اليوم، بعد أن قام شباب مصر بثورته الشعبية النقية، التي ابتغت "تغيير النظام" من يومها الأول، قد تحولت بقدرة قادر إلى عرض هزلى للساحر العجوز الراقد فوق سرير في قفص صنعوه خصيصا له، فوق منصة عالية تشبه خشبة المسرح، محاطة بمقاعد للمتفرجين، يتخذ الصف الأول منها أعضاء المجلس العسكري الذي يراقب العرض بتمحيص، دون أن يعلن انحيازه لا للساحر ولا للجمهور، وتمتلئ المقاعد بعدهم بالمحامين، المنتفعين، وبرجال السلطة السابقين، حتى نصل إلينا نحن أبناء هذا البلد العظيم، والصحفيون يملؤون القاعة، يدورون هنا وهناك، يلتفون حول خشبة المسرح، ليلتقطوا الصور بينما الساحر العجوز يهمس، بسبب تقدم أيامه، التي حالت بينه وبين قدرته على الكر والفر، هنا وهناك، فوق خشبة المسرح، يروح ويجئ ويصيح صيحته المدوية "جلا.. جلا.. جلا"!
ولكنه الزمن، والمرض والشيخوخة! لكن العرض لابد أن يستمر، فنراه بشعره المصبوغ، الفاحمة صبغته، وأطنان المساحيق تغلف بشرته، لتلمع تحت الأضواء، لزوم الشغل! ونتابعه وهو يضع إبنه باستكانة أمامنا فوق المقعد الحريري المذهبة جوانبه، ويهمس في الميكروفون بضعف واستسلام أيضا "جلا جلاجلا" بصوت خفيض، ضعيف، مريض، واهن، لكي يجذب انتباهنا، وتعاطفنا، بل وشفقتنا. ثم يعود ويرفع المنديل بضعف وكلل من فوقه من جديد، وتتسلط الأضواء على الكرسي، فنرى "الإخوان" وقد استبدلوا الابن على المقعد، فتدوي الساحة فجأة بالتصفيق. وها هو الساحر العجوز يبتسم، وبفم أدرد بغير أسنان يهمس ثانية في الميكروفون بيد مرتعشة: "مش قلت لكم؟"








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أثبتت الأيام حنكة مبارك
محمد بن عبد الله ( 2011 / 8 / 20 - 13:08 )
(((هل كان مبارك محنكا سياسيا فعلا، كما كان يردد المنافقون من حوله على مسامعنا قبل الثورة، لكي يصل إلى درجة استقراء المستقبل؟؟)))

نعم يا سيدي كلامه هذا أثبتت الأيام صحته فقد كانت أمامه كل خبايا الأمور وعلم بفضل أمن الدولة بما لم يعلمه كثير من الكتاب الثائرين المؤدلجين الذين انتفخوا كبالونات الهواء الساخن فظنوا أنهم يدفعون بشباب بأئس إلى هوجة تحرر البلاد !

بئس هؤلاء المفكرين والمنظّرين الذين أثبتت الأيام أنهم لم يروا أبعد من أنفهم فسلموا الحكم للظلاميين لتخرب مصر

أثبت الأيام أن مبارك رغم عيوبه العديدة كان أذكى وأكثر حكمة وأبعد نظرا من هؤلاء الكتاب المتخلفين عليهم اللعنة !

اخر الافلام

.. الحوثيون يعلنون بدء تنفيذ -المرحلة الرابعة- من التصعيد ضد إس


.. ”قاتل من أجل الكرامة“.. مسيرة في المغرب تصر على وقف حرب الا




.. مظاهرة في جامعة السوربون بباريس تندد بالحرب على غزة وتتهم ال


.. الشرطة الأمريكية تعتقل عددا من المشاركين في الاعتصام الطلابي




.. بعد تدميره.. قوات الاحتلال تمشط محيط المنزل المحاصر في بلدة