الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اللُّعب بالسياسة باسم -النقاوة القومية-

عايدة توما سليمان

2011 / 8 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


بين ترف العزل الطَوْعِي والترفُّع عن النضال

// في هذا الخطاب الذي لا يرانا كعرب جزء مما يجري في البلاد اليوم تكمن الفرضية بانتظار الفرج حتى تحل الاغلبية اليهودية مشاكلها وتنتفض على واقعها محدثة التغيير السياسي الذي يمهد الطريق لطرح مطالب الجماهير العربية في أجواء افضل، هذه الفرضية ليست انتهازية بقدر ما هي السذاجة بعينها، وتنازل معلن عن حق اساسي لنا في وطننا، حق الفعل والتأثير السياسي في مجريات الأمور عامة في الدولة
// قرار لجنة المتابعة للجماهير العربية، الذي جاء متأخرا ثلاث اسابيع، باقامة لجان شعبية في جميع القرى والمدن العربية للدفاع عن المسكن، وبدون اردافه بدعوة الى تكثيف المشاركة في النضالات الجماهيرية العامة في البلاد، يصب في مصلحة هذا العزل الذي لن يفيدنا. نحن بحاجة اليوم الى طرح مطالب جمهورنا على الرأي العام الاسرائيلي واقناعه بها وليس تحويل نضالنا الى سهرات رمضانية يسطع فيها نجم السياسيين في مخاطبة المقتنعين واصحاب القضية من الجمهور
//

تطورات الشهر الاخير في اسرائيل تؤكد أن امرا ما يحدث في هذه الدولة. يتبلور حراك سياسي يحمل اوجها جديدة لم نعتدها من قبل. فاجأتنا مجموعات الشباب اليهودي المنتمية الى الطبقة الوسطى بالخروج الى الشوارع وبهذا الاصرار الذي جنّد حوله مئات الالوف من البشر في مطلب واضح: العدالة الاجتماعية. وأقول فوجئنا، لأنه ورغم الانتباه الى التحركات والاحتجاجات المطلبية التي سبقت موجة الاحتجاج هذه، لم نتوقع بأن يأتي تحرك الشباب هذا ليطلق مشاعر الغضب والاستغلال والرفض للسياسة القائمة من مخبأها بهذا الحجم .
منذ شهر نسمع أصواتا من داخل الجماهير العربية تؤكد أننا لسنا جزء من هذا التحرك الجماهيري الحاصل وتسعى بكل قوتها الى فصل الجماهير العربية عن هذا النضال بادعاء أن مطالب هذا النضال لا تشمل مطالبنا وأن لواقعنا الفلسطيني في هذه البلاد خصوصية تجعل اندماجنا فيه شبه مستحيل. وأمعن البعض في وصفه بالتخاذل والتفريط والسذاجة السياسية وما الى ذلك .
نفهم أن يفاجأ البعض وأن لا ينجح في البداية في قراءة التحوّل الحاصل، فالادوات التحليلية لا تتوفر لدى الجميع بالمقدار ذاته. ونفهم، ولكن لا نتفهّم، أن يفرط البعض في نزعاتهم القومية الى حد الانغلاق والانكفاء على الذات في محاولة لخلق حيّز انعزالي أقصائي، يجعل من هامش الدولة والاقتصاد والسياسة مرتعا يشعر فيه هؤلاء بأنهم يجيدون اصول اللعبة السياسية داخله.
أن قرار لجنة المتابعة للجماهير العربية، الذي جاء متأخرا ثلاث اسابيع، باقامة لجان شعبية في جميع القرى والمدن العربية للدفاع عن المسكن، وبدون اردافه بدعوة الى تكثيف المشاركة في النضالات الجماهيرية العامة في البلاد، يصب في مصلحة هذا العزل الذي لن يفيدنا. نحن بحاجة اليوم الى طرح مطالب جمهورنا على الرأي العام الاسرائيلي واقناعه بها وليس تحويل نضالنا الى سهرات رمضانية يسطع فيها نجم السياسيين في مخاطبة المقتنعين واصحاب القضية من الجمهور.



ادعاء النقاوة لممارسة السلبية أقلية قومية مضطهدة في بلادها، مثل الجماهير العربية، يمارس ضدها جميع أشكال التمييز العرقي والطبقي وتواجه مدا عنصريا فاشيا ،لا تملك ترف ممارسة السياسة العاجزة والسلبية بادعاء النقاوة النضالية. عندما ترى قوى سياسية وكتاب ومثقفين بأن هذه الاحتجاجات لا تعنيننا بل ويمعنون في التفسير كيف تتجاهل مطالبنا وخصوصيتنا، تثبت هذه القوى عدم المسؤولية تجاه واقع وتاريخ ومستقبل هذه الاقلية الصامدة في وطنها.
سياسة " الكل أو لا شيء"، بمعنى اما أن تتطابق مطالب الشارع اليهودي المنتفض ضد سياسة الخصخصة والنهب الاقتصادي والتمييز الطبقي ومطالبنا كأقلية قومية بالكلمة والحرف، واما فنحن غاضبون ولن نشارك . امامنا فرصة اقتناص الوعي الآخذ بالتشكل وتعميق النقاش الذي يدور حوله في صفوف هذه الاكثرية سبية الخطاب الامني العنصري لسنوات طويلة . في مصلحة من أن نعزل أنفسنا ولا نتداخل في مجمل هذه النقاشات وأن نغيّب أنفسنا ؟ وهل نملك ترف الترفع عن مخاطبة الاغلبية لأن هذه الاغلبية صهيونية، غير واعية لخصوصية قضايانا ولأنها لا ترفع شعاراتنا ووو...الخ؟ وفي حال كانت الاغلبية عكس كل هذا فمن يحتاج الى النضال ومن يحتاج الى الحوار ولماذا أصلا ستكون لدينا مطالب وقضايا نعالجها؟ نحن ناضلنا دوما لأن الاغلبية كانت كل ذلك ولأن مصلحتنا تتطلب أن نغير فيها .


جرأة الصدق
الجماهير العربية في اسرائيل أكثر الفئات تضررا من البطالة ومن الفقر وسياسة الافقار ومن هدم البيوت ومصادرة الاراضي ومن نزع الدولة مسؤوليتها عن الخدمات المقدمة للمواطن. صحيح أن هذه القضايا بمجملها تستمد عمقها من البعد الطبقي ومن البعد القومي، ولكن عملية المخاض الحاصلة في هذه الايام من شأنها أن تولد عقدا أجتماعيا جديدا بين الدولة ومواطنيها.
على هذا الأمر يدور النضال. قد تفشل الحركة الاحتجاجية في تشكيل هذا العقد الجديد وقد لا تستمر لوقت كاف لترجمة فعل الاحتجاج الى تغيير وفعل سياسي عميق، لكن مما لا شك فيه أن طريق العودة الى اسرائيل ما قبل منتصف تموز أصبحت شبه مسدودة وأن أثرا ما باق ما بعد انتهاء الاحتجاجات. ويبدو أن بعض القوى السياسية بين جماهيرنا العربية بدأت تشعر بأن البساط يسحب من تحت أقدامها في هذه الاحتجاجات.
حين يجري تحليل واقع هذه البلاد من منظور قومي فقط مما يتساوق مع الطروحات اليمينية التي ترى أن الواقع والمستقبل خاضعان لتناقض قومي ووجودي يجعل المستقبل أسير التاريخ، من الاهمية بمكان أن تملك هذه القوى الجرأة الكافية للقول الصادق حول رؤاها المستقبلية لهذه البلاد، بشعبيها اليهودي والعربي الفلسطيني.
جميع الحلول المطروحة على ساحة جماهيرنا السياسية تتحدث في جوهرها عن الرغبة في أحداث تغيير جوهري في طابع هذه الدولة الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، الا أن البعض يطرح هذا التغيير فيما يتعلق فقط بالجماهير العربية وحقوقها. لا يمكن أن يجري طرح هذا التغيير حتى في هذا المنظور الضيق، دون رؤيا سياسية شمولية تتعاطى والوضع العام . لا يمكن احقاق حقوق الجماهير العربية في الارض في ظل سياسة اقتصادية تسعى لاحتكارات رأسمالية لجميع مقدرات البلاد، ولا يمكن الحديث عن حقوق العمال العرب في فرص العمل وفي التمييز بالأجر على خلفية قومية في ظل نظام عمالة يمتهن الانسان العربي واليهودي ويستغل العمال لصالح رأس المال، والقائمة طويلة لمثل هذه الامثلة.
في هذا الخطاب الذي لا يرانا كعرب جزء مما يجري في البلاد اليوم تكمن الفرضية بانتظار الفرج حتى تحل الاغلبية اليهودية مشاكلها وتنتفض على واقعها محدثة التغيير السياسي الذي يمهد الطريق لطرح مطالب الجماهير العربية في أجواء افضل، هذه الفرضية ليست انتهازية بقدر ما هي السذاجة بذاتها، وتنازل معلن عن حق اساسي لنا في وطننا، حق الفعل والتأثير السياسي في مجريات الامور عامة في الدولة. من هذا المنطلق اختارت الجماهير العربية النضال السياسي السلمي طريقا لها منذ العام 48، صقلت هويتها القومية ومفهوم مواطنتها من خلال نضالات عنيدة وتحد مستمر للرواية الصهيونية التي تخلق من الاغلبية اليهودية نفسية الضحية المهددة بشكل دائم وتعزلها عن أي تفاعل نضالي مع الشعب الفلسطيني في معركته ضد الاحتلال ومن ثم مع الجماهير العربية في معركتها من أجل حقوقها اليومية والقومية.
ما يحدث اليوم في اسرائيل يعتبر نواة حقيقية لتشكيل واقع جديد في هذه الدولة، فهو يضرب في الصميم هيمنة الخطاب الامني العسكري على الحياة المدنية ويسعى الى كسر الطوق الامني المفروض على الوعي الجماعي اليهودي في البلاد من خلال تطوير واعادة صياغة اجندة الشارع الاسرائيلي بأغلبيته اليهودية.
منذ شهر اختفت تقريبا سحنات الجنرالات المتقاعدين والسياسيين خريجي الوحدات العسكرية عن صفحات الاعلام وشاشات التلفاز لتحل مكانها وجوه شابة تستعمل خطابا اجتماعيا اقتصاديا يعتمد مباديء العدالة الاجتماعية والاهتمام بالاطراف والحق بالسكن والتعليم والصحة. ورغم أن هذه الوجوه هي ايضا خريجة الوحدات العسكرية، ولكنها تخاطب الشارع اليوم منطلقة من هوية اخرى هوية نضالية اجتماعية.
بعد شهر من المظاهرات نرى بوادر نقاش حول الارتباط الوثيق بين ميزانيات العسكرة والاحتلال وبين انعدام الموارد والميزانيات للمطالب الاجتماعية الحقوقية. هذه النقاشات هي التي ستمأسس، اذا ما استثمرت بالشكل الصحيح، للتغيير الجذري في طابع هذه الدولة، ومفهوم المواطنة فيها. قيم العدالة الاجتماعية والمساواة وادماج الجميع دون تمييز وتغيير سلم الاولويات في الدولة والمواطنة المتساوية للجميع، مطلبنا قبل أن تكون مطلب أي فئة أخرى ولكنها حتما ليست مطلبنا نحن وحدنا، ولن نرضى بأي حال أن نكون خارج دائرة اللعبة السياسية باسم "النقاوة القومية".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -