الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حديثٌ في الثقافة والسفارة!

اسماعيل داود

2011 / 8 / 20
الادب والفن


وأنا ابحث عن مهرب من الإحباط والحزن مما يجري في بلادنا اليوم، ولعجزي عن أن أجد أجوبة للمعادلة الصعبة التي تواجه المواطن البسيط: أيهما تختار، دكتاتورية فاشية أم أصولية برداء الديمقراطية. فكرت أن اعتزل متابعة الأخبار وان استمع إلى الموسيقى، واخترت هذه المرة، المطرب العراقي ناظم الغزالي. ولكي أواسي نفسي، بدأت ابحث في أوراق ذلك الزمن الجميل عن سيرة هذا المثقف العربي، ووجدت ما يمكن وصفه بزماننا هذا بالعجب العُجاب.

يبدأ الغزالي مشواره وسط حالة اجتماعية صعبة جدا، يُتمٌ وفقر شديد وأمٌ ضريرة. ضيق حال وحاجة ،حتى انه لا يملك ما يعينه على إكمال دراسته. واثر مثابرة مستمرة ومن عمل بسيط في أمانة بغداد، يبدأ الغزالي مشواره الثقافي، يسمع الموسيقى و يقتني الكتب، يقرا الشعر ويدرس الغناء. ثم ينتقل إلى التمثيل المسرحي، ومن ثم إلى غناء المقام والموشح والأغنية العراقية. نشر مقالات في مجلة النديم تحت عنوان "اشهر المغنين العرب"وأُعَد كتاب " العازفين والموسيقيين العرب من عام 1900-1962"*. يسجل له في سيرته انه زار بلدان عربية عديدة، بدائها بالمساهمة مع وفد فني في زيارة إلى فلسطين في مهمة لرفع معنويات الجيش العراقي والجيوش العربية التي كانت تواجه إسرائيل في حرب العام 1948**.
بجده واجتهاده، أصبح من اشهر المطربين في زمانه. جمعت أغنياته موسيقى شرقية وغربية، تعدت أنغامها الجمهور العراقي لتصل إلى متكلمي العربية في مختلف أنحاء العالم. فتح أبواب الشعر العربي على مصراعيها وجعل أبيات عصيةً، نغماتٌ سهلة يرددها المواطن البسيط من الخليج إلى المحيط. فقد غني لشعراء عرب كبار ، أمثال: المتنبي" يا اعدل الناس"، وغني لإيليا أبو ماضي "أي شئ في العيد اهدي إليك يا ملاكي". ولأبي فراس الحمداني: "أقول وقد ناحت بقربي حمامة"، وللبهاء زهير "يا من لعبت به شمول" ، وللعباس بن الأحنف "يا أيها الرجل المعذب نفسه"، ولغيرهم من كبار شعراء العربية.
جمع الثقافة والسفارة، حينما توج سفيرا للأغنية العراقية، فجعل هذه المرة التراث العراقي ومفردات من اللهجة العراقية التي يقول عنها ادورد سعيد "بأنه سيواجه كل صعوبات العالم كي يفهم شخص يتكلم اللهجة العراقية"* جعلها أنغام تنتقل بسرعة من بلد إلى أخر، في زمان لم يكن فيه العالم بعد قد أصبح قرية صغيرة. فجعل الناطقين بالضاد يرددون معه "طالعة من بيت أبوها"، و"ماريده الغلوبي"، و"فوق النخل فوق"، و"يم العيون السود".
عاش ناظم الغزالي إنسانا ومات إنسان، أحب وتزوج وملئ الخمسينيات بصوته الرقيق، وما تزال أغانيه شاهد على إبداع نادر وفن متميز. رحل مع مطلع الستينيات تحديدا عام 1963، وكان موته غامض شغل بال الناس لسنوات. وعاد اليوم ليشغلني من جديد، والغموض الذي يعنيني هنا يتعدى مسالة إن كان مات مقتولا أم لا، بل أنا أسال لماذا غادرنا المثقف السفير بسرعة ! هل لان أرضنا ومنذ وقتها بدأت تضيق بأهل الثقافة؟ حتى بدا يتكاثر علينا ومنذ يومها أهل السفارة!
لماذا كلما تعدى بنا الزمان، صعب علينا إيجاد مثقفون سفراء أو حتى سفراء مثقفون! اهو سر خطير اخطر من سر موت ناظم الغزالي أم ربما لان الحديث عن العربية منذ يومها لم يعد حديث عن الثقافة بل أصبح حديث عن الدين والعرق والعنصر.
-----------------------
* ناظم الغزالي
** ويكابيديا ، ناظم الغزالي (1921 - 23 أكتوبر 1963)، من أشهر مغني العراق في الخمسينيات والستينيات
***مقالة ادوارد سعيد "اللغة العربية بين: رولس رويس وفولكز فاكن" ترجمة سعيد بوخليط - صحيفة الزمان








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??