الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانتخابات مهمة و هناك أشياء أكثر أهمية

ثائر كريم

2004 / 11 / 28
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


اهمية الانتخابات
اجل، ان اجراء الانتخابات شيئا فادح الضرورة في عراق ما بعد الاستبداد.
فالانتخابات تضفي شرعية سياسية على نظام الحكم. شرعية مستمدة، حصرا، من سكان البلاد باعتبارهم امة عاقلة. امة تنتخب بنفسها حكومتها وتقيم دولتها. وبفعل الانتخابات تصبح مدخلات النظام السياسي ومخرجاته شرعية. أي ان مناهج الحكم السياسي والعمل الحزبي والصحافة الحرة والقرارات السياسية لن تخضع كلها إلا لسلطة الجمعية الوطنية (البرلمان) والدستور.
بلا شك ستتحقق الشرعية الوطنية بفضل الانتخابات القادمة في العراق. حتى وان تمت والاحتلال الاميركي مخيم على البلاد. اذ المعلوم للجميع ان الانتخابات جزء من عملية سياسية تفضي الى ازالة الاحتلال من بلادنا بالكامل.
ولكن برغم هذا الكثير المهم لصالح ألانتخابات فان ثمة أشياء اهم. لم اكتب، لذلك، كلمة "لكن" في عنوان هذا المقال إذ لو فعلت ذلك لقللت، بلا مبرر، من شأن الانتخابات، بل فضلت حرف "واو" ألعطف والاضافة للاستدراك ان هناك اشياء اهم منها.
فما بعد الانتخابات ليس ثمة شيئا آخر سوى الشرعية يجنيه العراقيون. وهي شرعية تعني اتفاق القوى السياسية الفاعلة على احترام ارادة الناس في الوصول للحكم سلميا اومعارضته سلميا. وأن معارضة الحكومة المنتخبة لا تعني معارضة النظام السياسي للدولة، وهو نظام يتيح للاطراف المعارضة ذاتها ان تربح الجولة القادمة.
ولكن ثمة في العراق جبل من المشاكل.
فالانتخابات- بحد ذاتها- لن تحل مشلكة الفقير العاطل عن العمل. ومشكلة الدخل الواطىء للعائلة. ومشكلة الخدمات الاساسية الممتدة، مشكلة المياه والكهرباء والصحة. ولن تحل ميكانيكيا مشكلة النمو وضعف الانتاج. ومشكلة الهياكل الاقتصادية المفككة...الخ. قد تفلح السياسة الاقتصادية للحكومة المنتخبة في حل بعض هذه المشاكل الاقتصادية والاجتماعية. ولكنها ربما لا تفلح ابدا. فاختمالات الاخفاق واردة دوما.
سنرى ما بعد الانتخابات، اذن، جدية وحنكة الحكومة الجديدة في تخفيف امراض العراق وقوتها في تهديم جبل المشاكل فيه. ودفع البلاد صوب التقدم والازدهار.
ولكن بغض النظر عن نجاح او اخفاق الحكومة في حل القضايا الاقتصادية والاجتماعية فان هناك اشياء اهم يجب ان تتمسك بها الحكومة والمجتمع المدني وكل القوى الوطنية العراقية تمسكها بأولويات حاسمة. اولويات يجب على الجميع (بغض النظر عن المشارب والميول) المشاركة في تحقيقها لانها الدواء الوحيد ضد شمولية النظام السابق الطائفية. ولأنها تؤمن جوهر نظام الحياة للعراقيين ما بعد الاستبداد، أي استبداد. ولانها تتصل بشدة بتأمين أمن وطني تام لكل ابناء هذه البلاد.
تلك الاولوية الكبرى هي اقامة دولة قانون في العراق. وهي بالذات مهمة الجميع. كل من مستواه.
ماهي دولة القانون؟
لعل مفهومات الدولة والقانون من بين اهم الموروثات الفلسفية والسياسية التي اورثتها حضارتي اليونان وروما لاوربا. يمكن الاشارة هنا الى فكرة ارسطو في حق الجميع بالمساواة امام القانون. في بريطانيا ارتبطت فكرة دولة القانون بتطور مديد لفكرة سيادة البرلمان والقوانين الصادرة عنه. واضحت الفكرة تعبيرا، من جهة، عن مبدأ الحق العام، من جهة اخرى، عن القانون الدستوري.
ويعود مصدر فلسفة دولة القانون بوجهه المعاصر الى المانيا القرن التاسع عشر. فمنذ ذلك الوقت انبثق المفهوم ارتباطا بمجمل تطور فلسفة الدولة وفلسفة الحق. فقد وضع فلاسفة الدولة والقانون الالمان ثقلهم في مفهوم الدولة. واعتبروا ان دولة القانون نمطا متميزا من انماط الدولة. نمط قائم على توصيف محدد لغاية الدولة وخصائصها التنظيمية الاساسية.
وأشار الفلاسفة الالمان ان مفهوم الحق الطبيعي، حق الحكمة العاقلة هو علّة افكار دولة القانون وحقوق الدولة. والحكمة نفسها نتاج لحوار الناس المستفيض والحر وليس مجرد تأملات صادقة لحفنة من رجال القانون اونخب السياسة والثقافة.
ان دولة القانون، اذن، دنيوية ومتحررة من أي تصورات دينية مسبقة. ومن هنا ضرورة تحديد غايات الدولة لتشمل متطلبات اساسية بحتة. فعلى هذه الدولة ان تسهر، قبل كل شىء، على حماية الامن الشخصي للمواطنين وحرياتهم. ويمكن لها ان تقوم بتنفيذ بعض الواجبات الخدمية والتنموية والرفاهية، ايضا. ولكن رغم ان هدف دولة القانون يختلف عن طريقة تجليها التي قد تختلف من بلد لآخر فان علّتها تبقى، بلا شك، حماية حق الانسان في ان يعيش آمنا مطمئنا. ان يمتلك الانسان حرية ضميره، حرية تكوين عقيدته الخاصة، حريته في الاتصال والاستفسار والتحرك والانتقال والتنظيم. حقه في حماية ملكيته وموارده.
وتعني دولة القانون ايضا ان يكون القضاء مستقلا. وان تكون ادارة الدولة والبلاد محكومة بالقواعد وفق مبادىء الشفافية والمسؤولية والمحاسبة. وان تكون الحكومة مقيدة بالدستور ومنتخبة دستوريا. وان يكون هناك تمثيل شعبي. وان القانون فوق الجميع. دوما وفي كل الاحوال. ومقابل هذه الخدمات الملزمة التي تقدمها الدولة للناس فانها تحصل على اثمن ما يقدمه الناس للحاكم: الولاء الوطني. هذا الولاء الذي يضمن لحمة جل المواطنين. ويضمن انتماءهم لذات الاطار السياسي. ويضمن استقرار الحكم. وهذا الاستقرار وذلك الولاء الوطني هو اقصى ما تتمناه الحكومات المعاصرة. دول القانون، اذن، تؤمن الخير للحاكم والمحكوم على قدر واحد.
وبعد كل شىء فقد أكتسبت دولة القانون عبر المواثيق الحقوقية للامم المتحدة بعدا ماديا وعالميا متينا.
باختصار، دولة القانون هي علاقة صريحة بين القانون والادارة والفرد. علاقة مبنية على حق المشرع في اتخاذ ما يرتأي من القوانين. وحق الفرد ان يكون محميا، كليا من أي تجاوزات على حريته وأمنه. وان أي تحديد لحرية الانسان يجب ان تكون شرعية قانونا. وان أختيار مجلس المشرعين (المجلس الوطني او البرلمان) يجب ان يتحقق ديمقراطيا، بقانونية الديمقراطية، وعدالة القانون.
دولة القانون في العراق: اولوية رقم واحد
العراق مريض في كيانه. أو هو بناء اوقعته الشمولية الطائفية وحروبها وكوارثها في مهاوي المرض وسياقات التفكك. كان مريضا باللاعدل ومنهكا بالاحتكار وهذا ما قاد البلاد للجوع. كان العراق مطية لشرعة الغاب وآفة الطغيان. كان مبتليا بهيمنة اللاقانون الذي قاد للحرب والدمار. فاللاعدل السياسي والاحتكار والاستبداد هي وجوه مختلفة لجوهر واحد، علة واحدة أوقعت العراق في سياقات التفكك والهاوية. سياقات هددت وتهدد صخورها المتساقطة كل سكان هذه البلاد في استقراراهم وامنهم، في كرامتهم وفي مستقبلهم.
وفي الطريق الى ان يكون هذا العراق بناء جميلا لابد، اصلا، من تشييد اساس بنيان ما بعد الطغيان. وليس ثمة اساس آخر للبنيان سوى مؤسسات تحترم فيها وعبرها وبفضلها حقوق الانسان وكرامته. حرياته ومعتقداته. مؤسسات تؤمن تطبيق القوانين بالزام الجميع، بلا استثناء، على احترامها. وتفعيل الدستور. مؤسسات تضمن مساواة الناس السياسية وفرصهم، افرادا وفعاليات، في العمل والحياة، في السياسة وفي أي مجال آخر.
لن يقوم مثل هذا الاساس بدون بذل الجهد الوطني للقضاء على الفساد والرشوة والمحسوبية والمنسوبية. فهذه الامراض هي العثث الكبرى المتفشية في نسيج الدولة. وهي كعب اثيل التغيير السياسي. وهي اصل أي انتاكسة متوقعة، لا سامح الله . ولن يقوم هذا الاساس، ايضا، بدون ترسيخ سيطرة الدولة على ادوات العنف وقنواته عبر مؤسسات الجيش والشرطة والامن. وبدون حل الميليشيات المسلحة القائمة.
ان مهمة اقامة دولة القانون في العراق هي المسؤولية رقم واحد الملقاة على عاتق القوى السياسية ما بعد الانتخابات. وان مهمة الترويج لفكرة دولة القانون الوطنية بين اوساط الناس هي احدى المسؤوليات الكبرى الملقاة على عاتق المثقفين العراقيين. وان المطالبة بتثبيت قواعد دولة القانون هي احدى المسؤوليات الرئيسية للمجتمع المدني.
فاذا اجتمعت هذه القوى الكبرى، الحكومة ونخب المثقفين والنشطاء السياسيين ومكونات المجتمع المدني على رفع دولة القانون الى اولى الاولويات يمكن لسكان هذه البلاد، عندئذ، ان يتوقعوا حقا نشوء مجتمع عادل وآمن في العراق.
قد تفضي الانتخابات الى ترسيخ الاستقرار السياسي في العراق ولكنها لن تقضي على اسس الجور والقمع والعنف الاستبداد. لا بديل، لذلك، سوى دولة القانون. ولن ينتج عن غيابها سوى الفوضى والفساد والتخلف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صنّاع الشهرة - تعرف إلى أدوات الذكاء الاصطناعي المفيدة والمج


.. ماذا وراء المطالب بإلغاء نحر الأضاحي في المغرب؟




.. ما سرّ التحركات الأمريكية المكثفة في ليبيا؟ • فرانس 24


.. تونس: ما الذي تـُـعدّ له جبهة الخلاص المعارضة للرئاسيات؟




.. إيطاليا: لماذا تـُـلاحقُ حكومة ميلوني قضائيا بسبب تونس؟