الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق واشكالية علاقاته الدولية

حافظ آل بشارة

2011 / 8 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


العراق واشكالية علاقاته الدولية / حافظ آل بشارة
مازال العراق مستمرا في البحث عن شخصيته الوطنية الموحدة وهويته الذاتية من الداخل ، وفي الوقت نفسه يبحث عن شخصيته بين الأمم ومكانه في خارطة العلاقات الدولية ، وبين الحين والآخر تنفجر أزمة ذات طابع دولي او اقليمي تخص العراق فيتعامل معها بفوضى وارتباك يكشف عن أزمة الشخصية الدولية للعراق التي تجعله يخسر التكافؤ والرصانة والمناورة في مواجهة الازمات الدولية ، ابسط الاختبارات التي مرت بها العلاقات الدولية للعراق الخلاف مع الكويت حول بناء ميناء مبارك وتأثيره على مجاله البحري ، فقد جاءت فرصة لا نكشاف حالة البداوة والانقسام في الخطاب ، وزارة الخارجية تقول شيئا ووزارة النقل تقول شيئا آخر ، وحزب محلي يدخل على الخط ويهدد بقصف الميناء ، وطرف رابع يدعو الى تشكيل لجنة ، وحزب يتكلم عن المشكلة بلغة صدام ابان غزو الكويت وهكذا بدا وكأن هناك عدة دول داخل هذه الدولة ، هناك أمثلة أخرى كالخلاف مع تركيا حول ملاحقة متمردين اتراك داخل الاراضي العراقية ، والخلاف مع ايران حول ملاحقة متمردين داخل الاراضي العراقية ، وأزمة معسكر اشرف الذي يسكنه اجانب على الاراضي العراقية يحظون باحتضان أحزاب محلية وعداء احزاب أخرى وبينهما يضيع الموقف الوطني القوي والحاسم ، كذلك الخلاف مع مجلس الأمن والدول العظمى حول خروج العراق من وصاية البند السابع للامم المتحدة ، ومشكلة سفر العراقيين خارج بلدهم وما يتلقونه من تعامل قاس واهمال ، وظاهرة السفارات العراقية المبعثرة الولاء ، وأزمة علاقة العراق مع محيطه العربي ...

فقدان العراق التأثير والاستقطاب الدولي
ثبت عمليا ان العراق تعامل بارتباك مع الأزمات المذكورة ، والسبب ان هذا البلد لم يعد قادرا على الظهور أمام العالم بشخصية متماسكة موحدة ذات رأي واحد وتطلعات واضحة ونظرية واحدة في العلاقات الدولية ، ضياع الشخصية الدولية لهذا البلد هو انعكاس مباشر لارتباك هويته السلطوية في الداخل فهل هو نظام رئاسي ؟ ، برلماني ؟ حكومي ؟ ، مليشياوي ؟ عشائر ؟ مازال العراق يراوح ضمن مرحلة التفكير ببناء دولة موحدة ، فاذا تحقق مشروعه وظهرت الدولة الموحدة تأتي مرحلة اكتشاف قدرات الذات ثم استعراض عناصر القوة وتنميتها بعدها يمكن التحدث عن الدخول الى لعبة العلاقات الدولية ، العلاقات الدولية مثل سوق تخصصية مختلطة فيها الجميع منهمكون في صناعاتهم ، فمن يقرر الدخول معهم يجب ان تكون له صنعته ومن يدخل سوق العلاقات الدولية بلا صنعة فهو أما ان يكون شحاذا جاء ليستجدي او قاطع طريق جاء للسلب والنهب ، وكل من الشحاذ والبلطجي في العلاقات الدولية لا يعدان من افراد الاسرة الدولية لانهما يعملان بقانون مختلف ، يصح القول ان العراق يعيش مرحلة التفكير في بناء دولة موحدة ولم تنفذ افكاره حتى الآن بهذا الاتجاه مما يجعله غير مؤهل للتعامل مع دول العالم في موضوع الخلافات او الشراكات الايجابية فهو مجرد شحاذ . سفارات العراق في دول العالم تبدو كدويلات مستقلة ، ففي بعض الدول العربية تتأزم العلاقة مع العراق بشدة ولكن سفير العراق هناك لديه علاقات وطيدة مع تلك الدولة ، سفارة أخرى لا تعمل بأجندة العراق كدولة بل تعمل برؤية حزب مشارك في السلطة ، وتجد دولة أجنبية تمتلك علاقات مع حزب محلي في العراق اكبر من علاقاتها مع الدولة العراقية ، العلاقات الدولية السليمة هي ثمرة ظهور الدولة الموحدة السليمة جسدا وعقلا لذا لا يمكن التحدث عن حضور العراق في الساحة الدولية قبل حسم مشكلة بناء دولته الواحدة المتزنة ذات الهوية الواضحة ، فأذا سأل سائل هذه الدولة : من انت وماذا تريدين في علاقاتك الدولية يحصل على جواب واضح لا يحتاج الى تعليق .

العلاقات الدولية من الاقتتال الى التعاون
أما على صعيد معرفة العلاقات الدولية واكتشاف قوانينها فالعراق بحاجة الى فكر حديث ورؤية في هذا المجال ، بحيث تكون لوزارة الخارجية معاهد نشطة ومراكز بحوث لمتابعة وتقييم مسار العلاقات الدولية وهي تتطور من نظرية المصالح المشتركة وتبادل المنفعة بين الدول الى تكوين منظومة دولية متوازنة ، الى أحدث مرحلة وهي التخصص الاقتصادي وتلاشي الصراع الى ابعد حد والسماح لعناصر التنافس السلمي بفرص متساوية تقريبا وانسيابية عالية ، فالتفوق المهني اثمر سوق منافسة اقتصادية كاملة بلا قيود واصبح الحراك الاقتصادي يتحكم بشكل العلاقات الدولية ثم بدأت العولمة الاقتصادية في الاستثمار والانتاج والتسويق والاعلان كعولمة سوق الملابس الصينية ، وعولمة سوق الكومبيوتر الامريكية ، وعولمة سوق السيارات اليابانية ، احتكار الخبرة رفع مستوى التخصص في الانتاج ولكن بدون احتكار للسوق ، وجراء ذلك ظهرت الشركات المتعددة الجنسية وهي من عناصر العولمة وتوحيد العالم وهي غالبا غير مسيسة بل تعمل بقانون التنافس الطبيعي وشعارها ان المستهلك هو الملك ، وهناك اتفاق عالمي على السماح بالحريات الاقتصادية وحرية انتقال رؤوس الاموال ، وحرية انتقال اليد العاملة والخبرات ، وحرية التجارة الدولية للسلع والخدمات ، وبذلك تضائلت شعارات الاستقلال الاقتصادي ولم يعد الاقتصاد خاضعا للسياسة الا قليلا فالعمل يجري في اطار اسرة دولية مقسمة الادوار ، هذه الاسرة فيها لاعبون كبار كمجموعة الدول الصناعية الكبرى او مجموعة الثمانين ، وفيها لاعبون متدربون يحظون برعاية الكبار مثل البرازيل ومعها المجموعة اللاتينية ، ثم نمور آسيا ومعهم دول وسط آسيا المستقلة ، والمجموعة الخليجية العربية ، والمحور التركي الايراني المزدوج ، هؤلاء كلهم في ملعب واحد وكل يعرف حجمه ويمارس دوره ويعمل على تحسين فرصه بدون ان يفكر باعاقة الآخرين فالانسيابية وحرية الحركة هي شعار هذه المجموعات المتفاهمة ، انتهى عهد الحروب وحل محلها التنافس الطبيعي العادل ، حتى ان قوى الشر في العالم تواجه صعوبات جمة في نشر العدوان والانانية وسط هذا الجو المتناغم ، هذا لا يعني نسيان ما يرتكب في العالم من مظالم عبر العلاقات الدولية مثل الاحتلال الاجنبي لبعض الدول وموت بعض الشعوب جوعا وحماية قوى دولية للانظمة الاستبدادية وغير ذلك ، بل المقصود ان نظرية البقاء للاقوى تعمل في اقصى حالاتها هذه السنوات .
تكامل العلاقات الدولية والمستقبل
مثل نظرية (سوبرمان) في المجتمع المحلي تظهر نظرية (سوبر نيشن) في الوسط الدولي اي الامة النموذجية وهناك توقعات بأن يصبح العالم موحدا تحت اسم الدولة العملاقة النموذجية سنة 2050 وهي فكرة تقترب من عقيدة الظهور في الاسلام ، اغلب تمزقات العالم داخل الدولة الواحدة وبين الدول ناجمة عن الصراع على السلطة في الداخل والصراع على النفوذ الاقتصادي في الخارج ، سيكلوجية الصراع ترتكز على بحث الانسان عن السلطة طلبا للاشباع المادي والمعنوي واستجلاب الأمان واثبات الذات الناجم من عقدة النقص وطغيان القوة الغضبية . البشرية تتعلم من تجاربها وتنتصر على عقد الجوع والاحتقار وفقدان الأمن بوسائل أخرى غير الاستيلاء على السلطة ، في الوسط الدولي الذي اصبح صغيرا ومنضبطا ، لم يعد أحد يستخدم الاساطير والاكاذيب والدجل لاختلاق الشعب المختار بل يجري استخدام مواهب البشر وقوتهم المشروعة والعالة بدل الصراع ، وبذلك يكون الصراع على السلطة من اكثر اشكال الصراع تخلفا في العالم تمارسه دول تسير في نهاية الرتل البشري ، نظرية التنافس العادل والسلمي هي السائدة الآن وتشكل اطارا اخلاقيا ممتازا لنمو الشعوب وانتاج الامة العملاقة ، هناك تحولات طبيعية ستفرض نفسها في بلورة شكل جديد للمجتمع الدولي أهمها ان الشعوب الغربية شعوب هرمة اكثر من 60% من سكانها تجاوزوا سن الستين وفي بعضها توقف النمو السكاني تقريبا ، فيما الشعوب الشرقية وجنوب الكرة الارضية شعوب شابة تتجاوز فيها نسبة الشباب اكثر من 65% وهذا يعني ان الغرب سيشهد تدريجيا احلال الشعوب الشابة بالهجرة المنتظمة الى دوله وسيكون هناك تحول ديني ايضا لأن معظم شعوب جنوب العالم مسلمون ، يحلو للبعض ان يتخيل تحول المسلمين الى أمة وارثة في الغرب ! كل هذه الحقائق تدل على ان العلاقات الدولية الحديثة تتطلب وجود دولة متماسكة موحدة الهوية تتمكن من اللحاق بهذه القافلة ، اين العراق في هذه القافلة في البداية ام في النهاية ام انه لم يفكر بالالتحاق بها بعد ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -علموا أولادكم البرمجة-..جدل في مصر بعد تصريحات السيسي


.. قافلة مساعدات إنسانية من الأردن إلى قطاع غزة • فرانس 24




.. الشرطة الأمريكية تداهم جامعة كولومبيا وتعتقل عشرات الطلاب


.. أصداء المظاهرات الطلابية المساندة لغزة في الإعلام • فرانس 24




.. بلينكن يلتقي من جديد مع نتنياهو.. ما أهداف اللقاء المعلنة؟