الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شذرات من حطام الكائن

محمد القرافلي

2011 / 8 / 21
الادب والفن


شذرات من حطام الكائن

- لعبة الحياة

ما أجمل الحياة وما أصعبها تمارس علينا غوايتها وتتذلل، عند الطفولة تظل تتربص بنا وتتلاعب ورغم ذلك لا نسقط في شباكها بل نتمكن من الإيقاع بها ونصطادها مثل فراشة لنسحقها على عانتنا أملا أن يتجدر شعرها ويخصب، كم استهنا بآدابها وأخلاقها. وحينما بدأنا نتحسس ذكورتنا أيضا سخرنا من قواعد لعبتها، كل واحد منا اختصرها في قصيدة يحاول إمساك حروفها الشريدة ويتباهى بإلقائها في الحلقات أو يتباهى بها أمام المعجبات، أو وجدها في فلسفة أو عقيدة يمتطي فرسها ويجندها سيفا يحارب به خفافيش الظلام، أو تمثلها في كاس جعة رديئة كالحمض الفسفوري يلهب معدته الظمأى، أو في عيون غجرية يبيت قائما ينفث دخان سجائره السوداء على سماء عينيها الزرقاوين إلى أن تحولت جزرا قاحلة ملبدة تشبه بقع زيت البترول الأسود على صفحات زرقة المحيطـ، أو في فردوس موعود كل ما دنا منه توارى خلف الأفق... وحينما يشارف المرء الأربعينيات وبعد مراكمة سلسلة من البطولات، ومن المغامرات الدونكيشوتية، وأعباء من الخيبات، يتكسر شموخه و تلف الحياة عنقه بحبل الواجب وتعيد تطويعه لتأدية المهمة التي وجد من اجلها.

- الإنسان ابن المرآة ابن الصورة

مع المرآة ولدت الصورة ومن الصورة انبثق الإنسان، هل كان يخطر على "سقراط" قول يا أيها الإنسان اعرف نفسك بنفسك بدون أن يرى وجهه في المرآة،أو لأونارسيس أن يخلد شهيد الصورة بدون أن يفتتن بصورته على مرآة الغدير أو لإبليس أن يتمرد على الإله بدون رؤية صورة المخلوق الآدمي. ماذا قبل عهود المرآة والصورة؟ تاه الإنسان في ربوع الكون باحثا عن شكله وعن وجهه ولما أتعبته غربته وغرابته وعز النظير تراءى له انه ليس من هذا العالم فهو لا محالة ينحدر من سلالة الآلهة أو أنصافهم وأشباههم أو من خدمهم المطيعين أحيانا أو المتمردين أحيانا أخرى، على شاكلة بروميتيوس سارق النار المقدسة من الإله زيوس، أو يشبه شخصية فاوست عند "غوته"، وعاش في هذه الرؤى أمدا طويلا. وبعدما تيقن من أن بذور الفناء والفساد يتهددان طبيعته ويحكمان عليه بالنفي والطرد من عالم الآلهة، تحسس أطرافه وساح في الأرض يبحث في أديمها عن عناصر مادته ،هي الأرض أمه ومهد وجوده منها خرج ولها يعود، فهو يحمل بديع عناصرها من تراب وماء ونار وهواء ومن كيفياتها من حرارة واعتدال، وكون وفساد، ومن أحوالها من ربيع العمر وخريفه...وانه قد اخذ عن كل مخلوقات الأرض اسمي طباعها، من الطائر ملكة الحلم والتحديق بعيدا ومن الفرس خاصية الحركة والركض ومن الكلب الإخلاص واليقظة...لكن ما الذي حصل مع عصر المرآة والصورة؟ تناثرت الصور وتكاترث وانغرست المرايا على كل واجهات الإنسان، وتاه من جديد الإنسان خلف صوره ومراياه المرئية منها واللامرئية وانبرى وجوده خلف ألفة وغرابة، ووراء حضور وغياب لم تشهد البشرية لهما نظيرا. هكذا اخذ الإنسان على عاتقه مهمة إعادة تشكيل صورته على طريقته الخاصة ولن يتأتاه ذلك إلا بالنبش في ركامات التواريخ التي أنجبتها صوره والعمل على تعريتها رغبة في التخلص منها أو في إعادة انتحالها أو تقمصها متى دعت المناسبة لذلك، فلا نندهش اليوم إن رأينا حضور صورة الإنسان العاري والإنسان العاقل، الإنسان المتفرج والإنسان المتفرج عليه، الإنسان الجلاد والإنسان الضحية، المستغل والمستغل....عند نفس الشخص ولدى الشعب الواحد أو بلغة "ميشيل فوكو" خاصية الحضارة المعاصرة باعتبارها حضارة شيطانية، فهي بألف صورة وصورة وبألف وجه ووجه وتشبه قناع "مايا" في الأسطورة اليونانية. فالاستغراق في الصور غرق فيها،وإحراقها تأبيد لحضورها وفناء فيها، وغيابها حضور وطلب للمكوث فيه، وبميلاد المرآة الصورة ولدت الأنا الذات والانت الغير، الجمال والقبح، الألفة والغرابة، الحضور والغياب. ترى ماذا بعد زوال عهود الصورة المرآة؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا


.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط




.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية


.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس




.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل