الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دسائس حزب التقدم والاشتراكية ما عادت تنطلي على مكونات المشهد السياسي المغربي

سامر أبوالقاسم

2011 / 8 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


على إثر متابعتنا لتطور الأحداث والوقائع السياسية الجارية، ومواكبتنا للمخاض الذي تعرفه الساحة السياسية المغربية، حيث يتسم الوضع بتدشين دينامية سياسية نوعية ومتميزة، انطلقت مع ورش الإصلاح الدستوري، وهي الآن تستمر من خلال ورش الإصلاحات السياسية الجارية، التي تتغيى تعزيز شروط التغيير الديمقراطي والاستجابة الممكنة والمتاحة للاحتياجات الاجتماعية المتنامية، قمنا في حزب الأصالة والمعاصرة بمد جسور التواصل مع كل من حزب التجمع الوطني للأحرار وحزب الحركة الشعبية وحزب الاتحاد الدستوري من أجل تنسيق الجهود للتفاعل مع معطيات ومستجدات الواقع السياسي لما قبل وبعد الانتخابات التشريعية المقبلة.
ونعتقد أن مثل هذا الحق المكفول قانونا، لا يمكن لأي كان الحيلولة دونه أو الاعتراض عليه، في سياق التنافس الديمقراطي بين الأحزاب السياسية في البلاد. لكن، ما لم يكن منتظرا هو مواجهة هاته الدينامية، المحمودة بالنظر إلى واقع الشتات الذي يعرفه المشهد الحزبي، من قبل بعض القوى التي كانت ولا تزال تعتبر نفسها ديمقراطية، والتي أصبحت بفعل فهمها وممارستها التقليدية للعمل السياسي معيقة لأي تطور بإمكانه أن يتلمس مداخل التجاوب مع المطالب الشعبية، بل وأصبحت ممعنة في اللجوء إلى كل الآليات غير المحمودة حسب أخلاقيات الممارسة السياسية من أجل الحفاظ على الأوضاع القائمة، ومن أجل تأبيد المصالح والمنافع الضيقة لقياداتها والأعيان المتنفذين داخلها، وعلى رأسها حزب التقدم والاشتراكية.
في الوقت الذي تؤشر كل المعطيات السياسية على دخول المغرب مرحلة جديدة، فإن مثل هذا الحزب يقف في وجه التقدم في عملية النضال الديمقراطي، وفي وجه ترجيح موازين القوى لصالح الخيار الديمقراطي، بما يمكن من توفير شروط تحقيق الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية، وضمان حقوق الإنسان في أبعادها الكونية.
يتجه حزب التقدم والاشتراكية نحو البحث عن سبل سد الباب على التحالف الرباعي، وإن اقتضى الحال الارتماء في أحضان الحزب الديني للعدالة والتنمية، فقط لأنه لا ينظر إلى التحالف بعين الرضا، بغض النظر عن الرهانات الوطنية الكبرى، وتناسيا لحدود التناقض الموجود على المستويات المرجعية الفكرية والسياسية والاجتماعية مع القوى الأصولية المناهضة للمشروع المجتمعي التنموي الديمقراطي الحداثي، وقد أصبح الأصل بالنسبة لهذا الحزب، حسب معطيات سلوكاته السياسية، هو أن لا مرجعية ولا غايات سياسية تحكمه، بل انتهاز الفرص للحفاظ على المواقع هو ما يحدد طبيعة وشكل تحركاته.
مناسبة هذا الحديث، تكمن في الهجوم الشديد اللهجة الذي شنه نبيل بنعبد الله أمين عام حزب التقدم والاشتراكية على التحالف الرباعي، في معرض حديثه عن ورش البناء الديمقراطي، الذي ذهب فيه إلى حد اعتبار التحالف الجديد غير قادر على قيادة المرحلة، دون إدراك منه لعملية الإسقاط التي يقوم بها في هذه النازلة، فلو تأمل قليلا لوجد أن هذا التوصيف لا ينطبق سوى على حزب التقدم والاشتراكية، ومرد هجومه على التحالف يكمن في قراءته البليدة التي جرته إلى اعتبار التحالف "بديلا عن الكتلة في قيادة البلاد"، الكتلة التي هي في نظره الانتهازي "العمود الفقري للتغيير".
ولنبيل بنعبد الله وكل من له ثقب في ذاكرته السياسية والتاريخية نقول: إن الرهان على الكتلة تاريخيا، منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي، كان مرتبطا بالرهان على مكونات اليسار من أجل إعطاء نفس قوي للقوى التقدمية والديمقراطية، وذلك من أجل تيسير عمليات توحيد الرؤية والمواقف السياسية، ليس حول مجموعة من القضايا المتعلقة بالمقاربة الانتخابية فقط، بل بقراءة وتحليل الوضع السياسي الراهن للبلاد بنفس استراتيجي، وفي القلب منه الاستحقاقات الانتخابية المتوالية، وموقع كل مكون يساري منها، دون تبخيس قوة أي كان من هذه المكونات.
والحال أن حزب التقدم والاشتراكية، على ما نتذكره بشكل جيد، كان همه الوحيد هو الانتخابات والمشاركة الحكومية، وما كان يهمه بالبات والمطلق توحيد الرؤية مع باقي مكونات اليسار، بقدر ما كان الحزب الذي يمنع أي تحرك في اتجاه الانفتاح على مكونات اليسار الجذري، والحزب الذي لعب دورا أساسيا في طرد منظمة العمل الديمقراطي الشعبي من الكتلة شر طردة، فقط لأنها أقدمت "في إطار عقلنة المجهود السياسي والتنظيمي اليساري"، على الاندماج في حزب اليسار الاشتراكي الموحد مع ثلاثة مكونات يسارية أخرى، وامتنع بعدها منعا كليا عن قبول حزب اليسار الاشتراكي الموحد في الكتلة، بل ومارس حزب التقدم والاشتراكية كل أشكال التعالي والغرور من سنة 2002 إلى الآن، فقط لأن حزب اليسار الاشتراكي الموحد أصبح جامعا لبعض مكونات اليسار الجذري.
إن الرجوع إلى الرهان على أحزاب اليسار الصغرى من طرف حزب التقدم والاشتراكية هو نوع من الرهان على الانتخابات التشريعية القادمة، لا الندم على ما تم اقترافه من مكائد في حق لَمِّ شتات قوى اليسار المغربي آنذاك، ولو من باب الفعل الاستدراكي المتأخر، نظرا لما راكمه من جروح لدى كافة المناضلين اليساريين المكتوين بنار الدسائس السياسية لحزب التقدم والاشتراكية، على الرغم من أنه حزب صغير لا يصلح سوى للعب كورقة سياسية في يد الأطراف الوازنة داخل الكتلة.
قد يكون حزب التقدم والاشتراكية نسي بأنه هو الحزب الذي لعب أدوارا في الماضي القريب والبعيد في الميل والانتصار الدائم لمواقف الأغلبية الحكومية على حساب مواقف الكتلة، وهي الأغلبية التي كانت محتضنة للتجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية، وهي الأحزاب التي يدعي اليوم بأنها غير قادرة على قيادة المرحلة، علما بأن حزب التقدم والاشتراكية لن يتوان في الإقدام على تشكيل أغلبية مع نفس الأحزاب إن مكنته نتائج الانتخابات المقبلة موقعا للعب مثل هذه الأدوار، على الرغم من أن هذا الاحتمال بعيد جدا عن التوقعات السياسية المتزنة.
لذلك لابد من أن نذكر هذا الحزب بأن موقفه اليوم من هذه الأحزاب هو بمثابة إعلان ممسوخ "للتوبة" عن "ذنوب" تشكيل الحكومات وتنسيق المواقف السياسية معها فيما سبق، بعيدا عن أي تقدير سياسي يراعي موقع المكونات اليسارية في الساحة السياسية، وهو شكل من أشكال التخلص البليد من الدسائس السابقة لحزب التقدم والاشتراكية.
ونفس الأمر بالنسبة لتسابقه اليوم نحو المكونات اليسارية، فهو شكل من أشكال "التوبة" والتخلص من "آثام" التبرؤ من مكونات اليسار ومواقفها وتموقعاتها السياسية ووسمها بالعدمية في العديد من المناسبات والوقائع والأحداث السياسية فيما مضى. وإعلان "التوبة" هذا، هو المسرحية التي يلعبها اليوم حزب التقدم والاشتراكية بدون إتقان، والتي ما عادت تنطلي على أحد من الأحزاب السياسية اليسارية منها واليمينية إن جاز هذا التصنيف اليوم. وهذه الوضعية السياسية التي يموقع فيها حزب التقدم والاشتراكية نفسه ما عادت تنفع، لأن زمن التلاعبات الانتهازية قد ولى.
بهذه الأدوار المتخاذلة التي لعبها حزب التقدم والاشتراكية في الساحة السياسية وغيرها، كان هو الحزب اللعوب في تعطيل كل آليات وإمكانات الأداء السياسي ليس للكتلة وحدها، بل للأغلبيات الحكومية كذلك، رغم أنه حزب صغير غير قادر على توسيع قاعدته التنظيمية بفعل هذه الممارسات المشينة التي لا تستقيم وأخلاقيات التنافس الديمقراطي، وهو بذلك كان مؤثرا بانتهازيته على أغلب الأحزاب السياسية سلبا.
إن أية مقاربة سياسية جديدة بالنسبة إلى الانتخابات المقبلة، ينبغي أن تحيد عن اعتماد كل المقاربات التي ارتبطت بالانتخابات السابقة كلها، وأن تضع لنفسها المسافة اللازمة من كل الدسائس التي تدخل البلاد في متاهات، وتعيد الوجوه ذاتها إلى المؤسسات المنتخبة، مثل تلك الوجوه التي ما زال حزب التقدم والاشتراكية محتفظا بها، والتي كانت السبب في خلق الهوة بين المواطنات والمواطنين والطبقة السياسية، مع استثنائنا لبعض الكفاءات الفكرية والسياسية وعلى رأسها المناضل سعيد السعدي.
إن الرؤية السياسية لحزب الأصالة والمعاصرة انطلقت أساسا من أن المرحلة الدقيقة التي نجتازها تتطلب فرز قوى سياسية جديدة قادرة على الاستجابة للمطالب الاجتماعية للجماهير المتطلعة إلى الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية، عبر الدفع بكفاءات سياسية جديدة تستطيع ممارسة الصلاحيات المخولة لها في الدستور الجديد، والتي بإمكانها أن تشكل دعامة للتغيير والإصلاح بالمغرب في الوقت الراهن، والتي بإمكانها العمل من أجل تكريس مؤسسات حقيقية وتقوية صرح الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البرازيل.. سنوات الرصاص • فرانس 24 / FRANCE 24


.. قصف إسرائيلي عنيف على -تل السلطان- و-تل الزهور- في رفح




.. هل يتحول غرب أفريقيا إلى ساحة صراع بين روسيا والغرب؟.. أندري


.. رفح تستعد لاجتياح إسرائيلي.. -الورقة الأخيرة- ومفترق طرق حرب




.. الجيش الإسرائيلي: طائراتنا قصفت مباني عسكرية لحزب الله في عي