الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هدوء عراقي وغضب مصري

ساطع راجي

2011 / 8 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


درجات الحرارة في معظم مدن العراق أعلى من نظيرتها المصرية ومع ذلك كان المصريون في اقصى درجات الغضب في تعاملهم مع سقوط ضحايا بين الجنود المصريين بالنيران الاسرائيلية في حمى التراشق بين حماس واسرائيل في قطاع غزة الفلسطيني المجاور لمصر، بينما كان العراقيون في قمة هدوئهم وهم يستمعون ويشاهدون عمليات القصف الايراني واخيرا التركي لمناطقهم الحدودية وهو القصف الذي ادى الى نزوح عشرات الاسر وادى يوم الاحد الى مقتل عدد من المدنيين العراقيين في القصف التركي المدفعي والجوي.
الزعامات السياسية العراقية منسجمة مع الشعب هذه المرة حيث تعيش نفس الهدوء وهي حالة انسجام نادرة بين الزعماء والشعب.
أحاط المتظاهرون المصريون بالسفارة الاسرائيلية وطالبوا بطرد السفير الاسرائيلي وتسلق أحدهم 22 طابقا في المبنى الذي تتواجد داخله السفارة لازالة العلم الاسرائيلي، رغم اعتذار إسرائيل عن الحادث غير المقصود.
بينما في العراق بلد العزة والشموخ وبتاريخه العريق ترفرف رايات دول القصف في سماء بغداد وينام سفراء تلك الدول وقناصلها ودبلوماسيوها قريرو الاعين في النهارات الطويلة لمدن العراق وربما يشغلون أنفسهم باعداد وجبات الفطور الرمضاني او اداء العبادات والنوافل بهدوء لا يجده نظرائهم في اي دولة اخرى، فقد انعم الله على هؤلاء السفراء والدبلوماسيين بتمثيل بلدهم في دولة جارة لا تشكو ولا تصرخ الما حتى لو "رفست في بطنها" جميع دول العالم التي تعترف بها الامم المتحدة أو التي لم تعترف بها او الدول قيد الانشاء.
وسيسخر عراقيون كثر من انتقاد الصمت والهدوء العراقيين تجاه مقتل "مقتل وليس استشهاد حتى لا تكون هذه الكلمة خدعة للضحايا وذويهم" عدد من المواطنين في القصف التركي لأنهم سيتذكرون بسرعة عشرات ومئات العراقيين الذين قتلوا وجرحوا ومر كل ذلك على انه خبر عابر في نشرة مملة، ثم هناك الشاعر العراقي المتنبي الذي ترك لابناء وطنهم مقولته"من يهن يسهل الهوان عليه" ليستذكروها وهم يجترون خيباتهم.
بين مصر والعراق مسافة اختلاف في الاحساس بقيمة الحياة وحب البشر لبعضهم البعض وتقدير رابطة الوطن والاعتراف بوحدة شعب يختلف ويتفق لكنه يبقى موحدا حتى في لاشعوره وفي غضبه وانفعاله، وهناك اختلاف في قيمة مشاعر لا يمكن النطق بما يعبر عنها حتى لا يعتبر الكلام شتيمة رغم ان المقام يسمح باستخدام اقذع الكلمات واكثرها فحشا ومرارة، فما معنى ان ينتمي الانسان لوطن وشعب ودولة ثم لا يهتم به أحد عندما يقتل على يد قوات أجنبية رغم انه مواطن مدني لم يفعل ما يعكر صفو واستقرار الدولة الجارة، ويبقى الزعماء الذين انتخبهم يستقبلون قاتليه بالترحاب والتكريم.
لا احد يريد فتح مواجهة عنيفة مع اي من دول الجوار فالحروب مرفوضة والعراق أعجز من التهديد بأي حرب، ولا أحد يطالب بمواجهة قاسية في اي مجال واي عمل يهدد سيادة وممتلكات ورعايا دول الجوار مرفوض وليست هناك دعوة لطرد سفراء الدول الاخرى ولا دعوة لسحب سفراء العراق ومع ذلك فهناك قائمة بالردود والمواقف السياسية الممكنة وفق الاعراف الدبلوماسية والحضارية والانسانية تعتمدها كل الدول في التعامل مع أي أزمة تنشب فيما بينها للحفاظ على السلام المشترك والاحترام المتبادل من أجل صيانة المصالح المشتركة وعدم التفريط بكرامة وحقوق أي طرف، الا ان هذه الاعراف تغيب عن ممارسات الدولة العراقية في التعامل مع الازمات بدرجة تشكك في وجود هذه الدولة مقارنة حتى بدول تمر في مراحل انتقالية صعبة ومعقدة مثل تلك التي تعيشها مصر الغاضبة لمقتل جنودها.
الهيئات الشعبية والمدنية في العراق تبدو اكثر عجزا من المؤسسات الرسمية فبإستثناء بيانات الادانة وبعض التحركات الصغيرة بدا الكسل والتغافل هما المتسيدان على الشارع فلا دعوات لمقاطعة بضائع ولا تجمعات ميدانية ولا حتى حراك على مواقع التواصل الاجتماعي وكأن الذين قتلوا ليسوا منا وكأن الامر لا يعنينا رغم ان اي عراقي يمكن أن يكون هو الضحية القادمة، هل نستذكر بيت المتنبي ثانية؟.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 10. June 2024


.. الانـتـخـابـات الأوروبـيـة: مـن سـيـحـكـم فـرنـسـا؟ • فرانس




.. -صفعة- عمرو دياب تتصدر المشهد وليدي غاغا تنفي شائعة حملها..


.. هل تكون مقامرة ماكرون.. جائزة لبوتين؟| #التاسعة




.. صفعة عمرو دياب.. بين القضاء وتوقعات -ليلي عبد اللطيف-!| #منص