الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل تحافظ الثورة السورية على سلميتها؟

منير شحود

2011 / 8 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


بينما تضع الثورة الليبية أوزارها محققة النصر على طاغية من طغاة العرب، تدخل الثورة السورية شهرها السادس وهي ما زالت تقدم التضحيات يومياً، وقد أحرقت مراكب العودة إلى شاطئ الاستبداد، مصممة على الانتصار مهما بلغت التضحيات. فما هي التباينات التي يمكن إيجازها بين الثورتين؟
لم تمض أسابيع قليلة على استخدام النظام الليبي القمع الوحشي ضد شعبه في بنغازي خاصة حتى عمَّت الانتفاضة شرق ليبيا كله، وسيطر الثوار على معسكرات الجيش الليبي، وتحرك الضمير العربي والعالمي بسرعة، والذي أدى في نهاية المطاف لاتخاذ مجلس الأمن قرار ينصُّ على حماية المدنيين. وتقدم ثوار ليبيا ببطء وبثبات، بمساعدة حلف الأطلسي، حتى وصلنا إلى معركة طرابلس التي تدور رحاها الآن. وهكذا فقد تمت عسكرة الثورة الليبية منذ أيامها الأولى وأخذت تلك الخط الذي أصبح يدعى بالنموذج الليبي.
أما الانتفاضة السورية التي بدأت بدرعا فقد واجهت منذ البداية القمع الممنهج، ما أطاح بالمطالب التي رفعتها، وعلى رأسها الحرية والكرامة، ودفع بها إلى تصعيد انتفاضتها لتكون قدوة المد الثوري الذي اجتاح معظم مدن وبلدات سوريا، وفي ظل المناخ الثوري الذي يخيم على المنطقة العربية ككل.
وفي غياب شبه مطلق لردود الأفعال المستنكرة عربياً وعالمياً، شقت الثورة السورية طريقها، حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن، وما زالت سلمية بشكل عام. بيد أن النقاشات بدأت تعلو حول إذا ما كان الاستمرار بالطريقة نفسها يمكن أن يفضي لإسقاط النظام الاستبدادي، وتعززت هذه الآراء بعد وصول الليبيين إلى قرب النهاية المظفرة.
يغفل مؤيدو عسكرة الثورة السورية طبيعة النظام السوري وقدرته اللامحدودة على استخدام القمع، واستخدام خلطة مبتكرة من الجيش والقوى الأمنية والمتعاونين معها (الشبيحة). وقد دأب منذ البداية على اختراع فكرة العصابات المسلحة بمختلف الأسماء والتوصيفات لتبرير استخدام كل هذه القوى، وعينه في الواقع على التظاهرات السلمية التي لم يعتد التعامل معها، ويعرف مدى خطورتها عليه، عكس مواجهة المسلحين الذين يبررون له اللعب بطريقته وفي ملعبه.
وعمل التلويح باستخدام الورقة الطائفية بإصرار من قبل النظام على إثارة بعض الردود المقابلة، مع أن الثورة كانت لها بالمرصاد في معظم الحالات. ومع كل ذلك، رفض السوريون كلهم التدخل العسكري الأجنبي، وقد عرفوا مخاطره في العراق، وما يجره من خراب على مستوى البنى التحتية على أقل تقدير.
فهل من مصلحة الثورة السورية التحول إلى ثورة مسلحة؟ من المعروف أن التضحيات لا بد منها، ولكن العبرة هي في الوصول إلى الهدف بأقل الخسائر، واعتماد الخيار غير السلمي سيضعف من إمكانية التظاهر، ويترك الساحة للعنف، ما يزيد من عدد الضحايا، ويمكن الوقوع في الحرب الأهلية بسهولة، مع أن ذلك يتوقف على استعداد الطرفين، تلك الحرب التي قد تؤدي إلى تفكيك البنيان السوري برمته. وتساعد الانشقاقات الفردية في الجيش، في حال قررت حماية المتظاهرين، في تعزيز نزعة العسكرة، وتقدم تبريراً لفرضية وجود "العصابات المسلحة".
وأما احتمالات التدخل العسكري الأجنبي فهي موجودة في الحالتين، أي عند استمرار قمع المظاهرات السلمية بحيث يصل العالم إلى نقطة لا يمكنه تقبلها، أو عند تحول الثورة إلى أعمال مسلحة على نطاق واسع.
في المرحلة الحالية، من الأفضل أن تحافظ الثورة السورية على سلميتها، وخاصة بعد أن سحبت معظم الدول الفاعلة الشرعية من النظام، وصارت تضغط عليه أكثر فأكثر، وبدأ العد العكسي لنهايته، ولن يطول الوقت قبل أن تفعل هذه الضغوط الخارجية فعلها على بنية النظام، إلاَّ إذا حدثت مفاجآت داخلية أو خارجية لا يمكن التكهن بها.
كبيرة هي تضحيات السوريين، وطريقهم قد تكون طويلة، ولكن نتيجتها محتومة في التغيير الوطني الديمقراطي المنشود. ويلقي ذلك على كاهل المعارضة السورية التقليدية مهام جسيمة لتكون على مستوى هذه التضحيات، فعليها التحضير لمتطلبات المرحلة الانتقالية التي لن تكون سهلةً على الإطلاق، عوضاً عن انتظار سقوط النظام. ولا ننسى بالطبع أن هذه المعارضة قدمت تضحيات جسام في مواجهة نظام استبدادي لا يرحم طوال عقود.
إذا كانت الثورة السورية قد صمدت حتى الآن، متعالية على جراحها، ومازالت شعاراتها وطنيةً صرفة، فمن المرجح أنها ستصل إلى النهاية المرجوَّة، مكللة بوعي الثوار، ذلك الوعي الذي صقلته الآلام والتضحيات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - معقول
راجح الشيخ ( 2011 / 8 / 22 - 23:54 )
بشرفك بعد كل ما ظهر مؤخراً ولا ينكره إلا الحاقد او أعمى البصر والبصيرة تضع هذا التساؤل عنواناً لمقالتك الانشائية ولك يا عمي الذي أسقط القذافي تحالف دولي إقليمي عسكري وليس الثورة اصحى تصحى...!


2 - سلمية
يوسف من سوريا ( 2011 / 8 / 23 - 00:24 )
ما هو تفسير مقتل أكثر من 500 عنصر من الجيش وقوات حفظ النظام ورجال الأمن حتى الآن؟
لماذا تلصق تهمة القتل بعناصر الأمن أياً كان القاتل وأياً كان المقتول؟؟
ماذا يمكن أن نسمي عمليات الذبح والتمثيل بالجثث التي جرت بحق رجال الأمن وبعض المدنيين من قبل -الثوار-...!!!؟؟؟ أليست أسئلة بحاجة إلى إجوبة واضحة؟


3 - مهلاً يا عزيزي الكاتب
فرج الله عبد الخق ( 2011 / 8 / 23 - 13:22 )
نعم هناك أخطاء مميتة في ممارسة ألحكم قي سوريا لكن من مهمة ألشعب السوري ألقيان بالعمل للتخلص منها. كما قلت في مقالك إن التغير في ليبيا حاء بمساعدة الحلف الاطلسي ، هذا مرفوض لأنك تغير نوع البسطار، المطلوب هو تغير دون تدخل اطلي لأن هذا يعني إسرائيلي.أي حتى نرى مستقبل أجمل يجب أن
يكون التحول من صناعة سورية فقط لا اطلسية ولا وهابية ولا تركية أخونجية
الدبابة الامريكية غيرت نظام الحكم في العراق لكن هذا البلد فقد الامان.هل تريد عراق آخر؟


4 - شكراً لصاحب القلم
Mahmood Alkhedr ( 2011 / 8 / 25 - 05:55 )
شكراً لصاحب القلم, نريد الكثير من الاقلام التي لا تخاف, الاقلام الي غلّبت الانتماء للوطن على الانتماء الضيق لما دون الوطن. شكرا لك من زميل عرفك منذ دخلتَ كلية الطب, فكنتَ لساناً لايخاف, ولا يزال زميلك يكتب تحت اسماءٍ مستعارة

اخر الافلام

.. السياسة الفرنسية تدخل على خط الاحتجاجات الطلابية


.. روسيا تزيد تسليح قواتها ردا على الدعم الغربي لكييف | #غرفة_ا




.. طهران.. مفاوضات سرية لشراء 300 طن من اليورانيوم | #غرفة_الأخ


.. الرياض تسعى للفصل بين التطبيع والاتفاق مع واشنطن | #غرفة_الأ




.. قراءة عسكرية.. صور خاصة للجزيرة تظهر رصد حزب الله مواقع الجي