الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موروثاتنا التشريعية تسابق الزمن والغرب يشهد لها

علي شفيق الصالح

2011 / 8 / 23
دراسات وابحاث قانونية


أُحي قراء الحوار المتمدن وكل الذين طلبوا أمثلة على موضوع تأثر القوانين الغربية بأحكام الشريعة المذكور في مقالتي بعنوان الشريعة باقية وعلينا التغيير, وأود أن أشير الى أن هذا هو موضوع قديم وتشهد على ذلك العديد من المدونات والقوانين ومنها مدونة القانون المدني الفرنسي الذي أصدره نابليون بعد حملته في مصر واطلاع مساعديه على تشريعاتنا, كما تشهد العديد من القوانين الأوربية العصرية على ذلك.
وبالإمكان الرجوع الى ما نشر عن هذا الموضوع , ومنها مقالة لنا بعنوان لمحات من روائع تشريعاتنا نشرت في مجلات إلكترونية كالألوكة في 03/01/2010 , وفي 31/10/2010, فيها العديد من الأمثلة, فضلاً عما كتبه الأوربيون والعرب, ومن ذلك ما كتبه المرحوم الدكتور عبد الرزاق السنهوري عميد الفقهاء العرب سابقاً والذي حضر عدة مؤتمرات للمجمع الدولي للقانون المقارن في لاهاي.
وأكتفي هنا بالإشارة الى بعض الأمثلة لضيق المجال:
مثال ذلك إن بطلان سوء استعمال الحق بقصد الإضرار بالغير هو تطبيق استقرَّ عليه الفقه الإسلاميُّ، وأخذتْ به غالبيةُ التقنيات الحديثة، وقد أشارت إلى هذه الحقيقة المذكرة الإيضاحية للقانون المدني الكويتي. وإن العديد يعرف قضية تشييد أول مطار في باريس، وسعى أحد أصحاب الأراضي المجاورة للمطار للضغط على السلطات، بهدف شمول أرضه بالأراضي التي سيقام عليها المطار؛ بأنْ عمد إلى نصب عمود هوائي مرتفع جدًّا يعرقل حركة الطائرات، وكان القضاة قد احتاروا وبعد عناء اتبعوا النظرية المعنوية لسوء استعمال الحقوق، التي أساسها ما توصَّل إليه بعضُ فقهاء المسلمين منذ زمن بعيد، وبالأخص أبو إسحاق الشاطبي، أحد فقهاء الأندلس.
وهناك ثمة حقيقة لا تقبل الجدل، وهي أن الشريعة الإسلامية فرضت مبدأ المساواة أمام القضاء، وذلك قبل أن يَعرف طريقَه إلى إعلانات حقوق الإنسان وكل الدساتير في العالم بما يزيد على ألف عام.وكان يعتبر طفرة مقارنةً مع ظروف العصر. هذا في حين أن أكثر الأنظمة الغربية لم تسمح حتى وقت قريب بعرض ظلامة من يريد مخاصمة إدارات الدولة على القضاء.
ومن الفخر أن نذكر بأن الشريعة الإسلامية قد أقرَّت أهلية الزوجة في التصرف بأموالها، كما أقرت لها حقوق الإرث، وحقوقًا أخرى كثيرة كانت محرومةً منها في الجاهلية وفي الشرائع القديمة، وإلى وقت غير بعيد في التشريعات الأوربية - لا تملك أهليةَ التصرف في مالها أو التعاقد إلا بإذن زوجها.
ففي فرنسا، قد نص القانون المدني الصادر في عهد نابليون على عدم أهلية الزوجة، ولا تصح تصرفاتها وعقودها إلا بإذن زوجها، أو بإذن القاضي.

ولم تُلغَ قاعدةُ عدم أهلية الزوجة إلا منذ عهدٍ ليس ببعيد بموجب القانون الصادر عام 1936م، وفي إنجلترا كذلك لم يُلغَ هذا التضييقُ إلا في أواخر القرن التاسع، وفي معظم البلاد الأوربية قد ألغي في هذا العصر.
وعرَف نظام الرقابة القضائية المستقلة على إدارات الدولة طريقَه في الأنظمة الإسلامية المختلفة في صورة تقترب من النظام الفرنسي في القضاء الإداري, الذي اسسه نابليون بعد حملته في مصر, وقبل أن يولد هذا النظام بأكثر من ألف سنة، وكان يعرف بـ"ولاية المظالم"، والتي هي نوع من القضاء ذي السلطة القضائية العليا، للنظرَ في تعدِّي الولاة وسائر حكام الدولة وذوي الشوكة، انطلاقًا من تعاليم الشريعة التي تنهى عن أي ظلم، حتى لو كان من الحكام وكان يعتبر طفرة مقارنةً مع ظروف العصر.
وهناك نظرية الجوائح في الفقه الإسلامي التي تكاد تتوافق مع النظرية الحديثة لاستحالة تنفيذ العقد بسبب القوة القاهرة أو الظروف الطارئة، إن لم تكن أكثر دقةً في التعليل. وقد اعتنقت القوانين الأوربية الحديثة نظريةً تُشابه نظريةَ استحالة تنفيذ العقد بسبب آفة سماوية او قوة قاهرة مقارنة مع التي عرفها أجدادنا قبل مئات السنين تحت مسمى الجوائح.
ويشهد فقهاء القانون الدولي سَّبق حضارتنا في العديد من المبادئ, منها مبدأ إعلان الحرب أو الإنذار بالقتال, وتُعَدُّ قضية فتح سمرقند دليلاً على المبادئ المتمدِّنة والإنسانية في الحروب والقتال في تراثنا, ففي زمن الخليفة عُمر بن عبدالعزيز وفَد عليه قوم من أهل "سمرقند" ورفعوا إليه شكوى تفيد أنَّ القائد المعروف قُتَيبة بن مُسْلم قد دخل مدينتهم، وأَسكنَها قومه على غَدْر دون أن يُنذِرَهم كعادة المسلمين في القتال، فكتب الخليفة إلى والي المدينة يَأْمره بأن يُنَصِّب لهم قاضيًا, لينظر فيما ذكَروا وينفذ حكمه, وتم نصب القاضي فحَكَم بإخراج جيش الفاتحين كلِّه، على أن يُنابذوهم على سواء, أيْ يُنْذِروهم قبل القتال، وهو ما يسمُّى في القانون الدَّولي المعاصر "إعلان الحرب".
ومن آداب الحرب أيضاً نشير الى أن العديدُ من الفقهاء الغربيِّين قد أقَروا بأهمِّية وصايا الخلفاء الرَّاشدين في آداب الحرب وبِفَضْل حضارتنا على القانون الدولي، وأقروا بالأخص بالقِيَم الإنسانية في وصيَّة الخليفة أبي بكر التي يُوصي فيها أمير أوَّل بعثة حربيَّة في عهده، ومنهم البارون "ميشيل دي توب"، أستاذ القانون الدَّولي بمعهد الدراسات الإسلامية بـ"لاهاي" في هولندا، وأورد هذه الوصية وكيف استفاد العالَمُ منها ، وذلك في الجزء الأول من مجموعة دراسات لأكاديمية القانون الدولي.
ومن الأمثلة أيضاً معاملة الأَسْرى, حيث أن الكل يشهد بتفوُّق تشريعاتنا في, هذا المجال, وبأن القانون الدوليُّ المعاصر قد تأخَّر كثيرًا في الأخذ بضوابط الحروب الموجودة في حضارتنا قبل أربعة عشر قرنًا، حيث لم يبدأ بالأخذُ بهذه الضوابط إلاَّ في القرن التاسع عشر.
ولولا ضيق المجال لضاعفنا الأمثلة, والمهم أن نتذكر بأن الانفتاح الفكري كان من أهم أسباب ازدهار القيم التي نتجت عنها روائع الأحكام, وبأن كافة الثقافات تتقاسم اليوم التشريعات العادلة والمتحضرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والإسكوا: ارتفاع معدل الفقر في


.. لأول مرة منذ بدء الحرب.. الأونروا توزع الدقيق على سكان شمال




.. شهادة محرر بعد تعرضه للتعذيب خلال 60 يوم في سجون الاحتلال


.. تنامي الغضب من وجود اللاجئين السوريين في لبنان | الأخبار




.. بقيمة مليار يورو... «الأوروبي» يعتزم إبرام اتفاق مع لبنان لم