الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شعب أمس غير شعب اليوم

زكرياء الفاضل

2011 / 8 / 23
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


جرت العادة في 20 غشت-آب من كل سنة أن يحتفل النظام بعيد "ثورة الملك والشعب" في ذكرى انتفاضة الشعب ضد نفي الملك الراحل محمد الخامس من طرف الاستعمار وتنصيب مكانه بن عرفة. وإذا كانت هذه المناسبة تذكر الشعب المغربي بنضاله ضد المستعمر بالأمس، فقد أصبحت اليوم، تحت وطأة غلاء المعيشة وانتشار الفقر، فرصة للتعبير عن سخط الجماهير الشعبية المقهورة على النهج السياسي المتبع ببلادنا ونظامه الأوليغارشي اللاشعبي. مما يعني أن الالتحام الذي كان في السابق بين الشعب والحاكم قد أدبر وولى، ولم يبقى منه إلا صفحات في سجل التاريخ المغربي يتغنى بها النظام ونسيها الشعب.
أول أمس، 20 غشت، خرجت الجماهير في مدن عديدة ليس احتفالا بثورة الملك والشعب، بل للاحتجاج على النظام والتعبير على رفضها للدستور الممنوح والتشكيك المباشر في نتائج الاستفتاء، حيث رفعت شعارات من بينها "أسبوع بعد الدستور زادوا في لسيور" (أي بعد أسبوع من التصويت على الدستور الجديد ارتفعت أسعار الزيت النباتي) و"نعم آش تتسوا=الفساد والرشوة" (بمعنى "نعم للدستور" حصل عليها النظام بشراء تجار الضمير). هذان الشعاران لهما دلالة كبيرة على عدم اعتراف الجماهير بنتائج الاستفتاء ورفضها للدستور الجديد وعزمها على فرض تغيير حقيقي يتماشى مع طموحاتها. كما رفعت شعارات أخرى لا تخلو من شدة وحدة في التعبير مثل "شاكيرا دات مليار وفاطمة ولدات فالكلوار" (شاكيرا أخذت مليار ورحلت والمرأة المغربية لم تجد مكانا لها بعيادة الولادة فوضعت بالدهليز). وهذا موقف صريح من تبذير أموال الشعب في السهرات والحفلات في الوقت الذي تعاني فيه غالبية الشعب من الفقر المذقع المزدادة رقعته توسعا من جراء ارتفاع الأسعار، حيث وصل سعر سمك السردين إلى 30 درهما (أكثر من 3$ حسب سعر العملة الحالي). وللتوضيح فإن المغرب أكبر مصدر في العالم لهذا النوع من السمك الذي بات غذاء مهما للفقراء بعدما عجزوا على شراء اللحوم الأخرى، وها هو اليوم أصبحت له أنياب يكشر عنها حسب التعبير المغربي الشعبي. ولم تتوقف الشعارات عند هذا الحد بل تجاوزته لتذكير النظام بعزيمة الشعب على تحقيق العيش الكريم، حيث رفع شعار "الفوسفاط و2 بحور والمغربي عايش مقهور" (الفسفاط وبحران -تلميحا للبحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي- والإنسان المغربي يعيش في القهر). وهو شعار يعبر عن ثروات المغرب التي توزع بشكل غير عادل إذ تستحوذ عليها أقلية وتستمتع بها في وقت تعيش غالبية الشعب المغربي تحت خط الفقر، الشيء الذي يبطل زعم النظام بأن الطبقة المتوسطة ازدادت رقعتها توسعا بالمجتمع.
إن خروج الجماهير في يوم ذكرى "ثورة الملك والشعب" في حد ذاته دلالة سياسية على رفض الشعب للاستمرار في ظل الأوضاع الراهنة وتحت النظام القائم في شكله الحالي. مما يعطي صورة واضحة أن الشعب المغربي بات مخالفا لما كان عليه بالأمس من الناحية الفكرية والوعي السياسي، ولم يعد يهب القمع والبطش به من طرف زبانية النظام، وأنه عازم على بناء مستقبله وتحقيق سعادته بنفسه مهما كلفه ذلك من ثمن. كما أن هذه الاحتجاجات الشعبية المنتشرة في جميع أنحاء البلاد دليل قاطع على وجود هوة عميقة في الفهم بين الحاكم، الذي يعيش على ذكريات الماضي، والمحكوم المتشبت بشمس الغد الساطعة في الأفق.
للأسف مستقبل المغرب القريب سحب سمائه قاتمة اللون بسبب الأزمة الاقتصادية الناتجة عن نهج سياسة التبعية وسوء التدبير وعدم قدرة النظام استيعاب بداية نهاية النظام العالمي الجديد. فبالأمس القريب خرج وزير الاتصال بتصريح، أقل ما يمكن القول فيه أنه ركيك ككلام الأعجمي، حيث قال بالحرف: "المغرب ليس فيه أزمة اقتصادية، بل ضائقة مالية". وكأن الوزير لم يدرس العربية ولم ينطق بها إلا في دقائق البروفة قبل الخطاب، فهو يفصل بين عالم المال ومجال الاقتصاد. إذا ليشرح لنا معالي الوزير كيف يمكن تفعيل المجالات الاقتصادية دون رأسمال؟ أم أن الوزير المحترم لا زال يعتقد أن المغاربة لا يفهمون في الخطاب السياسي والمجال الاقتصادي كما كان الشأن في الستينيات؟
ومن المؤشرات، غير المريحة، لهذا المستقبل القريب الطريقة التي تعامل بها النظام مع المجازين العاطلين بالعاصمة الرباط، حيث اعتقل وقدم للمحاكمة مجموعة منهم بعدما تدخل بعنف لتوقيف احتجاجهم على خيانة الدولة لوعودها بتشغيلهم في أقرب وقت. بالطبع هذه الوعود كان واضحا منذ البداية أنها كاذبة، إذ لا يعقل أن تحلّ أزمة البطالة بجرة قلم أو حتى عصاة سحرية في حياة الواقع. كل ما كان يتوخاه النظام هو ربح الوقت لتمرير دستوره الممنوح وتهدئة الوضع إلى حين. لكن العاطل عن الشغل، كالغارق في البحر، يتمسك حتى بالقش في محاولة لإنقاذ نفسه من الموت، إنها غريزة حب البقاء الطبيعية. ولا يمكننا أن نلوم العاطلين على تصديقهم لوعود الدولة الكاذبة لأنه كما يقول المثل الشعبي المغربي:"ما حاس بالمزود غير المضروب به" (لا يحس بقوة الكرباج إلا من ضرب به)، خصوصا وأن العاطل يعيش ظروفا نفسية جد صعبة بين سندان ضغوطات الأهل ومطرقة التهميش الاجتماعي.
مهما يكون من الأمر، ومهما تعنت النظام في غيه، فإن التغيير حاصل لا ريب فيه. كل ما نتمناه هو أن يكون النظام غير فاقد للتفكير السليم حتى لا نقع في هاوية ترجعنا إلى الخلف بعقود. خصوصا بعد انتصار الثوار بليبيا على الاستبداد بعدما راهنت الأنظمة العربية المستبدة على نهاية الربيع العربي مع الأحداث في ليبيا وسوريا. وقد كتب بعضهم مقال يتنبأ فيه بموت الربيع العربي في الخريف المقبل، لكن هذا الانتصار الذي حصل سيلهم الثوار بسوريا وسيعطي روحا جديدة للانتفاضات الشعبية بالمغرب وسيطلق أخرى بالجزائر بعدما سيكشف الثوار الليبيون عن الوثائق التي تثبت دعم النظام العسكري الجزائري للسفاح القذافي.
إذا الظروف الراهنة هي في صالح الربيع العربي وأجواء الأنظمة الاستبدادية مكهربة وذات غيوم قاتمة. فهل سيكون النظام المغربي حكيما وذو بعد نظر سياسي، كما يدعي، وسيلبي مطالب الجماهير الشعبية المحتجة أم أنه سيتمدى في تجاهله لمطالب الشعب ليعرف نهاية من سبقه إلى مزبلة التاريخ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البنتاغون يعلن البدء ببناء ميناء مؤقت في غزة لإستقبال المساع


.. أم تعثر على جثة نجلها في مقبرة جماعية بمجمع ناصر | إذاعة بي




.. جو بايدن.. غضب في بابوا غينيا الجديدة بعد تصريحات الرئيس الأ


.. ما تأثير حراك طلاب الجامعات الأمريكية المناهض لحرب غزة؟ | بي




.. ريادة الأعمال مغامرة محسوبة | #جلستنا