الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رؤية

وليد مبيض

2004 / 11 / 29
الادب والفن


مـوعـد

"ديمة" فتاة رائعة الجمال، أجمل ما رأى البشر من نساء حتى يومنا هذا، وأرجح عقلاً من كل الحكماء السابقين، وهي أسطع نوراً وأكثر دفئاً من الشمس، تمارس سحراً بريئاً، فهي إذا حلت بقوم أمطرتهم حباً لا ينضب.
"أحمد" رجل يعيش في زمن وسيط، بين قوم تتقاذفهم وصايا الأجداد، وحاجات عصر متمدن، ترى فيهم أناساً رجعوا إلى عصر التوحش، وقلائل حالمون بمستقبل مشرق.
تجلت ديمة لـ " أحمد" فانبهر بجمالها وسحرها، ووعدته أن يراها حقيقة في نهار صيفي غير بعيد، فأخذ يبشر قومه بقدومها:
ـ هيا ياقوم اتبعوني لنرى معاً معبودتي، فهي ستساعدنا في إنقاذنا من آلامنا وعثراتنا.
سمعه البعض لكنهم لم يفقهوا مقاله، وآخرون لم يسمعوه أصلاً.
انبرى له:
ـ حكماء المدارس جهلوه، لأنه تجاوز عقائدهم التي أصبحت في عقولهم أزلية.
ـ سدنة المعابد كفروه، ثم عاقبوه بالجلد، حتى يعود للإيمان بسطوتهم.
ـ شيوخ القبائل جرموه، واستخدموا أحدث ما ابتكر من آلات تعذيب، لأن دعوته يمكن أن تؤدي إلى زوالهم.
وحتى من رأى في دعوته خلاصاً، فقد خاف من نفس المصير، فمخلوقة أسطورية لا تستحق كل هذه التضحية.
رغم كل ذلك ظل أحمد يسير على هذا الدرب الشائك للقاء محبوبته، كان يتلوى من الألم، ليس على نفسه فقط، وإنما على كل الغوغاء الذين حددوا مصيره، قبل أن يتحققوا من نبوأته، وكلما اقترب موعد وصولها زادت عذاباته، وأخيراً أخذت الخناجر تطعنه من خلف، حتى فاضت روحه، فهمس أحدهم في أذن نفسه:
ـ لوصدق هذا الرجل، لاستحق منا أن نقيم له مزاراً تؤمه أجيالنا القادمة.
ثم تطلع حوله، خائفاً: هل سمعني أحد؟

مستقبل
كنت قادمة، رأيتك من بعيد، سمعت آهاتك التي تحولت إلى عويل يعلو ويعلو، وراقبت رحيل روحك، حين وصلت أخيراً إلى مكاننا الموعود، لم أر فيه سوى بقايا عظام آدمية، وقطع من لحاء شجر يابس، وقطيعاً من وحوش ضارية، حجزوني، ثم صلبوني، وانتظروا أوامر سيدهم، ويا لعجبي، فقد كان هو نفسه قائد الحرس المكلف بآلة تعذيبك، وعلى هذا فقد استمر في قيادتهم عقوداً وعقوداً، وكل القطيع مطأطئ الرأس، تاركاً له التحليل، وهدايتهم إلى طريقة عيش آمنة.
صرح أحدهم في نفسه:
ـ أليست هذه "ديمة" التي بشرنا بقدومها أ...
لم يكمل، فقد داهمه المصير الأسود، الذي لقيه كل من سولت له نفسه التمادي على ألوهية السيد...
حين خرج السيد من وكره، خر القطيع له ساجدين، وانتظروا سماع تعليماته، سألهم:
ـ مذا تقترحون؟
أجابه أحد المغفلين:
ـ لنحاكمها، وأعتقد بأن المحكمة ستحكم عليها بالإعدام، لأن وجودها سيسيء إلى حياتنا الهنية في ظل رعايتك.
سكت السيد، وربما بدرت منه إشارة ما، فهمها القطيع، فانهالوا على المخطئ قتلاً وتمزيقاً.
حين هدأت عاصفة الموت، أعاد السيد سؤاله، فأجابه القطيع بصوت واحد:
ـ نحن فداك، افعل ما تراه أنت مناسباً، فليس لنا دونك عقل يفكر، فأنت سيدنا، وعقلنا، وحبيبنا، وأبونا، بل أنت ربنا المطاع.
انفرجت أسارير السيد عن ابتسامة صفراء، طالما حلم القطيع برؤيتها، وحكم بتجهيز وليمة، يكون جسدي الطبق الرئيس فيها.
صورة أخرى
تلاقت روحا أحمد وديمة في جنة عدن، قال لها:
ـ لقد تأخرت عن موعدك كثيراً.
ـ كان المشوار طويلاً، وربما تكون أنت من جئت مبكراً.
نظر الإثنان من عليائهما إلى حالة تلك الوحوش التي كانت فيما مضى من الزمن مؤهلة لتصبح إنسانية العيش، لم يستطيعا أن يمسكا نفسيهما عن البكاء، ففاضت دموعهما، ووصلت إلى الأرض أنهاراً عظيمة، جرفت كل شيء إلى قيعان سحيقة، فاندثرت الوحوش، وخلت الأرض من كل حياة كئيبة.
وبعد حين، وبينما كانا يراقبان حركة الكواكب، لاحظا أن سطح الأرض عاد للاخضرار، وأخذت النباتات تزهر، ومن بين الأزهار ذات الألوان والروائح العطرية المختلفة، نما أطفال جدد، بعقول متخالفة، وألوان متعددة، لم يكن بينهم تشابه ظاهري، لكنهم ومنذ بداية نشوئهم غمرتهم مشاعر حب تجاه بعضهم البعض.
ثم حين شبوا بنوا بيوتاً غير معهودة فيما مضى من الأيام، فقد كانت دون شبابيك فأخذ النسيم المحمل بعطر مختلف الزهور يدور في أرجائها، كما وصلت أشعة الشمس إلى كل ركن فيها، مهما كان خافياً عن النظر.
وكانت تلك البيوت ذات أبواب مشرعة، فسمحت للناس التواصل مع بعضهم بالحب والغناء، ومن أي جهة جاءا...!
لم يشيخوا، ولو شابت شعورهم، وتعبت أجسادهم.
واحتفظوا بأمرين حتى الممات: العقل، والحب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات في جامعة ديوك الأميركية ضد الممثل الكوميدي جيري ساي


.. المغرب.. إصدارات باللغة الأمازيغية في معرض الكتاب الدولي بال




.. وفاة المنتج والمخرج العالمي روجر كورمان عن عمر 98 عاما


.. صوته قلب السوشيال ميديا .. عنده 20 حنجرة لفنانين الزمن الجم




.. كواليس العمل مع -يحيى الفخراني- لأول مرة.. الفنانة جمانة مرا