الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هدية إسرائيل لجنرالات مصر

هانى جرجس عياد

2011 / 8 / 23
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


بعض آلام خفيفة أخذتنى من سرير الفحص الطبى فى عيادة، إلى غرفة العمليات فى مستشفى، لأجد نفسى، فى نهاية المطاف، مقيدا بالبلاستر الطبى يلف جسدى.
أكثر من أسبوعين لم أكتب كلمة، لكننى لم أتوقف عن متابعة ما يجرى رغم تحذيرات طبية من خطورة الجلوس طويلا أمام هذا الجهاز السحرى الذى ينقل العالم بين يديك وأنت فى سريرك.
***
لو أن إسرائيل تورطت الآن بأى عمل أحمق على الحدود السورية لكانت تلك أعظم هدية تقدمها لصديقها اللدود بشار الأسد، تنقذه –ولو مؤقتا- من غضبة شعبه الثائر، حيث سترتفع الأصوات عندئذ مطالبة بالالتفاف حول القيادة السورية فى مواجهة العدو الصهيونى. وليس لدى أى شك فى أن آلة الإعلام الرسمى السورى كانت سوف تحسن استغلال الفرصة، ويعلو (نضالها الصوتى) ضد (العدو التاريخى للأمة العربية الواحدة ذات الرسالة الخالدة، وقائدها الملهم القائد الضرورة بشار الأسد). وليس عندى أى شك فى أن (القائد الضرورة) بشار الأسد كان سوف يدلى بعدة تصريحات عنترية فى مواجهة العربدة الصهيونية.
لسوء حظ طبيب العيون المحاصر الآن من شعبه أن هدية تل أبيب لم تصله، بل سقطت فى حجر جنرالات المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى مصر، الذين التزموا صمتا مطبقا، ربما اكتفاء بإنجازاتهم التاريخية فى تحرير ميدان التحرير من فلول المصريين، ومطاردة الشعب المصرى بمحاكم عسكرية، لن تكون أسماء محفوظ وهالة أبو بكر ولؤى نجاتى آخر ضحاياها.
اختفى اللواء ممدوح شاهين الذى لم يكف عن ملاحقة وسائل الإعلام حرصا على (مصلحة الوطن)، وتوارى اللواء حسن الروينى الذى يبذل من الجهود ما يفوق طاقة البشر فى مطاردة (أعداء الوطن) من «6 أبريل» إلى «كفاية»، ولم يعد أحد يعرف أين ذهب أصبع اللواء الفنجرى الذى يبدو أنه متخصص فى تهديد المصريين فقط، بينما كانت آخر إنجازات سيادة المشير شخصيا هى التكرم بالعفو عن أسماء محفوظ ولؤى نجاتى، والذى تزامن، ويا للحظ، مع العربدة الإسرائيلية على حدودنا، فامتد الكرم الحاتمى ليشمل الصهاينة، برفض قرار مجلس الوزراء سحب السفير المصرى من تل أبيب، دون أن يجرؤ أى منهم على أن يطلب من ذات السفير الامتناع عن حضور إفطار دعا إليه أحد جزارى الصهاينة فى القدس المحتلة بعد ذلك بأيام قليلة.
أعرف أن الجنرالات اختفوا خجلا مما ارتكبوه بحق شباب مصر الذين تظاهروا أمام سفارة العدو يوم 14 مايو الماضى، وبعضهم يقضى عقوبته فى السجن الحربى، لكننى لم أكن أتصور أن الجنرالات لا يجيدون حتى (نضال الكلمات) الذى ربما كان كافيا لتجميل صورتهم، ربما نسيت أنهم خريجو مدرسة مبارك.
***
لست من الداعين إلى شن الحرب الآن وفورا على العدو الصهيونى، لكننى لست من المذعورين منها فيما لو وقعت. كما أننى أتصور أن إسرائيل هى الطرف الذى يجب أن يكون حريصا على تجنب الحرب الآن، ليس لأن موازين القوى فى غير صالحها، فهذه مسألة لا أدعى أننى على علم بها، لكن لأن الحرب ليست فقط قوة عسكرية، بل هى أولا وقبل ذلك موازنات سياسية (الحرب أخطر من أن تترك للعسكريين)، وعصر الربيع العربى يدق جرس إنذار فى تل أبيب يجبرها على ضرورة تجنب أى عمل عسكرى واسع الآن، فأية حماقة عسكرية ضد مصر الآن سوف تفرض الربيع العربى فى كل العواصم، وتطيح بأصدقاء إسرائيل، من هؤلاء الصامتين فى مملكة آل سعود وجيرانه الخليجيين، إلى أولئك (الحنجوريين) فى دمشق الممانعة، وهو ما لا تحتمله ولا تريده، لا تل أبيب ولا واشنطن (كل التصريحات الرسمية الإسرائيلية والأمريكية تؤكد ذلك). ولن يكون مثيرا للدهشة أن نعرف أن (الأشقاء) الخليجيين، وخاصة (الشقيقة الكبرى)، قد أصابهم الرعب مما أسفرت عنه العربدة الإسرائيلية على حدودنا، أعنى على وجه التحديد الغضب الشعبى المصرى ضد أصدقائهم فى تل أبيب.
والأرجح أن تلاميذ مدرسة مبارك فى ابتلاع الإهانة، لم يحسنوا قراءة الصورة، أو ربما أصابهم ذات الذعر من إعادة تفجر الحركة الشعبية، فآثروا الصمت والتهدئة، والعمل بأسلوب (احتواء الأزمة) المباركى الشهير.
***
بين حرب لا نسعى إليها، وإهانات لا نقبلها، كانت هناك وسائل ضغط كثيرة كفيلة بتلقين العدو الدرس المناسب، من استدعاء السفير المصرى لديهم (وهو ما أصاب الجنرالات برعب لم نعهده فيهم عندما يتعلق الأمر بشباب الثورة)، إلى اعتبار السفير الإسرائيلى فى مصر شخصا غير مرغوب فيه، إلى إغلاق المركز الأكاديمى الإسرائيلى فى الدقى والقنصلية الإسرائيلية فى الإسكندرية (هل من ضرورة عملية لبقاء هذين الوكرين؟)، كل هذه، وغيرها، إجراءات تصعيدية لا تقود إلى حرب، لكنها تجبر العنجهية الإسرائيلية على اعتذار لم يقدموه حتى الآن (الأسف يختلف تماما عن الاعتذار، فنحن يمكن أن نعرب عن أسفنا للزلازل التى تعرض لها الشعب اليابانى الصديق، لكننا لا يمكن أن نعتذر عنها)، وتضمن الجدية الكاملة للتحقيق الجارى الآن بشأن ما جرى على الحدود يوم 18 أغسطس، بدلا من (تحقيق مفتوح) لا أحد يعرف نهايته، رغم أن القوات متعددة الجنسية أكدت اختراق قوات إسرائيلية للحدود المصرية وقتلت الجنود المصريين على أرض مصر.
لم يجرؤ الجنرالات حتى على (تراجع مشرف) عن سحب السفير المصرى من تل أبيب، بالإعلان –مثلا- عن إرجاء هذه الخطوة (حتى نرى مدى جدية إسرائيل فى التعامل مع هذه الجريمة)، بل كان ما كان من تخبط وارتباك مشين، بعد أول اتصال تجريه واشنطن مع القاهرة. ولم يشعر الجنرالات بأى قدر من المهانة وهم يستأذنون تل أبيب أن تسمح لنا بإدخال قوات إضافية إلى سيناء، جنرالاتنا لا توجعهم إلا (إساءات) المصريين فقط.
***
كان عناد الرئيس المخلوع، أو ربما بلادته، سببا فى تفجير طاقات الثوار، واكتشاف حجم ما يتمتعون به من إصرار وصلابة، وظنى أن عناد العسكر، أو بلادتهم، سوف تكسب الشعب المصرى أكثر من 12 ألف ثائر أكثر قوة وصلابة، هؤلاء المسجونين أو المعتقلين فى السجن الحربى، بأحكام أو قرارات اعتقال عسكرية. وإذا كان المخلوع قد أضطر إلى فتح معبر رفح بعد الاعتداء الإسرائيلى على قافلة الحرية، الذى تفوقت فيه إسرائيل على نفسها فى البلطجة الدولية، دون أن يغير ذلك شيئا من حقيقة أنه (كنز إسرائيل الاستراتيجى)، فإن (عفو) المشير عن أسماء محفوظ، و(سماح) جنرالاته بالتظاهر أمام سفارة العدو وإنزال العلم، لن يغير شيئا من كونهم تلاميذ مدرسة مبارك، وبواقى (الكنز الاستراتيجى).
***
الهدف الأول للثورة كان (الشعب يريد إسقاط النظام)، وأظنه لم يزل قائما








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقال رائع
محمد زكريا توفيق ( 2011 / 8 / 23 - 16:13 )
رائع أستاذ هاني. المجلس العسكري لم يثبت حتى الآن انتماءه للثورة، وتصرفاته في منتهى الغرابة. حتى لو كانوا تبعا لمبارك، فالثورات تطهر النفوس، والأوطان أعز من أن تحكم بالأهواء هكذا. والأعجب أن الثورة الليبية سوف تكون أنجح من ثورتنا وأكثر ديموقراطية ومدنية. لأنه ليس لديهم مجلس عسكري أعلى، وثوارهم هم الذين بيدهم الأمر.

اخر الافلام

.. النموذج الأولي لأودي -إي ترون جي تي- تحت المجهر | عالم السرع


.. صانعة المحتوى إيمان صبحي: أنا استخدم قناتي للتوعية الاجتماعي




.. #متداول ..للحظة فقدان سائقة السيطرة على شاحنة بعد نشر لقطات


.. مراسل الجزيرة: قوات الاحتلال الإسرائيلي تكثف غاراتها على مخي




.. -راحوا الغوالي يما-.. أم مصابة تودع نجليها الشهيدين في قطاع