الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موجز تاريخ الرأسمالية

محمد عادل زكى

2011 / 8 / 23
العولمة وتطورات العالم المعاصر


وسيظل السؤال ملحاًً أيهما أهم فى الطرح: كيف إندمجت الاجزاء المتخلفة فى المنظومة الرأسمالية؟ أم إلى أى حد هى مندمجة؟
تمكنت البلدان الرأسمالية، بفضل التراكم، فى إنجاز نموها الإقتصادى فى مرحلة تاريخية مبكرة ولم تتوقف. بل نمت الرأسمالية حتى غدت هى النظام الإقتصادى العالمى السائد حتى الحرب العالمية الأولى. وغدا إقتصاد أى بلد فى العالم مربوطاًً بعشرات الخيوط بهذا الإقتصاد الرأسمالى العالمى. وتحت تأثير الرأسمالية التى صارت عالمية، أصبح هناك أساس واحد هو الأساس الرأسمالى لحساب ومعالجة السمات الخاصة للعمليات الإقتصادية والإجتماعية لهذا البلد أو ذاك فى العَالم كله. والأخطر من ذلك، كما يَقول الأستاذ الدكتور فؤاد مرسى: "أنه بإقتحام الرأسمالية للبلدان التى، لسبب أو لآخر، لم تُحقق بعد نموها الإقتصادى الرأسمالى، تجمعت معالم ظاهرة عالمية مقابلة هى تشويه عمليات النمو الإقتصادى فى هذه البلدان"(التخلف والتنمية ص122) وهكذا أحدثت الرأسمالية المنتَصِرة عالمياًً أثرين تاريخيين: أولاًً: إدماج العالم كُُله فى سوق رأسمالية عالمية واحدة، بمستويات مختلفة من التطور، وثانياًً: تشويه عمليات النمو الإقتصادى فى جميع البلدان قبل الرأسمالية.
والسوق الرأسمالية تلك لم تَتَشكل دفعة واحدة، وإنما تكونت على مدى طويل يرجع إلى أوائل القرن السادس عشر.
ففى مرحلة الرأسمالية التجارية حينما سيطر رأس المال التجارى، كانت المستعمرات مصدراًً أساسياًً للتراكم الأولى لرأس المال من خلال عملية منظمة ومستمرة من نهب وسلب البلدان التى تم إكتشافها. وتميزت مرحلة الرأسمالية التجارية بزيادة ملحوظة فى التبادل التجارى ونمو ملحوظ فى الإنتاج المعَد للتصدير إلى المستعمرات. وأخذ الإهتمام يتحول من البحث عن المنتجات الأجنبية إلى البحث عن منافذ للسلع المحلية. وفى مقابل توابل الشرق ومنسوجاته لأوروبا، كان ينبغى دفع أثمانها ببدائل أوروبية. فقدمت إنجلترا وفرنسا وأمريكا المصنوعات والسفن، وقدمت افريقيا البشر كسلع، وقدمت المزارع فى المستعمرات المواد الأولية. وكانت التجارة الأوروبية هى عصب التقسيم الدولى للعمل الذى نشأ عندئذ بين الشرق والغرب.
وفى عام 1600 تم تأسيس شركة الهند الشرقية الإنجليزية، وبعد ذلك بسنتين قام الهولنديون بتأسيس الشركة العامة للهند الشرقية، وتمتعت بإحتكار التجارة فى المحيطين الهندى والهادى. وفى عام 1621 تم تأسيس شركة الهند الغربية التى أخذت تباشر أعمالها فى القارة الأمريكية. وفى الوقت نفسه كان الفرنسيون يُُنشئون شركة الهند الشرقية وشركة السنغال فى أفريقيا، فى تلك المرحلة بدأ "التراكم الأولى لرأس المال" بالإعتماد على أعمال السلب والنهب المنظمة والمنتظمة والتى تشمل، من ضمن ما تشمل، فرض العمل العبودى والسخرة وإنتزاع الأراضى من أصحابها، وإقتطاع الجزية ونشر الإتاوات.
وفى المرحلة التالية والتى إمتدت حتى سنة 1870 تقريباًً، مرحلة الرأسمالية الصناعية، وإذ يُُسيطر رأس المال الصناعى، فقد قامت الرأسمالية المنتصرة بالبحث عن مصادر الخامات اللازمة لصناعاتها، بالإضافة إلى البحث عن منافذ للتسويق(قريب جداًً من الهدف العام لإتفاقيات التجارة الدولية الحرة، الآن، الذى يتبلور فى فتح أسواق الأجزاء المتخلفة لتصريف المنتجات فى الأجزاء المتقدمة) وليُُصبح قانون (النمو) غير المتكافىء حقيقة.
ومن خلال هذا القانون فإن (التبادل غير المتكافىء، بين أجزاء متفاوتة التطور فى معدلات إنتاج القيمة الزائدة) لا يُُصبِح هدفاًً فحسب، بل أداة فعالة فى سبيل الحفاظ على فجوات النمو بين الإجزاء المتقدمة وبين الأجزاء المتخلفة من الإقتصاد الرأسمالى المعاصر. إذ التبادل غير المتكافىء، كما لاحظ الأستاذ الدكتور فؤاد مرسى، "هو نتيجة عدم التكافؤ فى الأجور، وعدم التكافؤ فى الأجور محكوم بدوره بالفروق فى مستويات نمو القوى الإنتاجية فى الأجزاء المختلفة من الإقتصاد الرأسمالى الدولى المعاصر، وإنه ليكون من العبث الحديث عن المساواة فى عالم أهم ما يميزه إنعدام المساواة فى التطور ذاته" (التخلف والتنمية ص129)
وفى مرحلة تالية تبلورت مرحلة الرأسمالية المالية، وأصبحت المستعمرات إحتياطياًً مُندَمِجاًً فى الإقتصاد الرأسمالى العالمى، وتخصصت فى تزويد الصناعة العالمية بخاماتها الأساسية، وفى هذه المرحلة من تطور الرأسمالية، مرحلة الرأسمالية المالية، أصبح لتصدير رأس المال الأولوية على تصدير السلع. وذلك بالطبع بالنسبة للأجزاء المتقدمة، وأدمج إقتصاد المستعمرات بأكمله(كاحتياطى)بالإقتصاد الرأسمالى. ولم يعد الإحتكار فى صراعه على الأسواق العالمية يعتمد فحسب على الحكومة التى ينتمى إليها من أجل أن يتخطى عوامل وعقبات ناشئة عن حركة السوق، وإنما تداخلت أيضاًً سلطة الإحتكار مع سلطة الدولة. ولم يعد أى إحتكار مجرد إحتكار خاص، وإنما هو إحتكار مضمون بالدولة، وسوف نتعرض إلى هذه المسألة فيما بعد حين معالجة السلوك الإقتصادى للمشروعات دولية النشاط.
ويشهد الإقتصاد الرأسمالى العالمى من بعد الحرب العالمية الثانية إتجاهاًً نحو نمط مركب لتقسيم العمل الدولى، وإنما فى إتجاهه نحو سيطرة نمط جديد لتقسيم العمل الرأسمالى على الصعيد العالمى؛ إذ بعد أن شهد الإقتصاد الرأسمالى، عبر ما يقرب من أربعة قرون، إنتشار شكل تاريخى من تقسيم العمل فى داخل المشروع الرأسمالى متمثلاًً فى تقسيم عملية إنتاج سلعة واحدة، أى ناتجاًً كاملاًً، إلى عدد من العمليات الصغيرة يتخصص فى القيام بكل منها عامل أو عدد من العمال، كى يُُصبح بذلك نمط تقسيم العمل الذى يسود فى داخل الوحدات الإنتاجية فى كُُل قطاعات النشاط الإقتصادى فى الإقتصاديات الرأسمالية المتقدمة. وبعد سيطرة هذا النمط فى داخل الوحدات الإنتاجية بدأ منذ الحرب العالمية الثانية ظهور التقسيم فى العمل على مستوى الإقتصاد الدولى، أو على الأقل، بعض الدول فى القيام بجزء من عملية إنتاج سلعة واحدة. وتُُنتِج الأجزاء الأخرى فى بلدان أخرى. الأمر الذى يثير مسألة عملية تجميع هذه الأجزاء لإنتاج الناتج الكامل، ومن ثم إمكانية إختصاص بعض البلدان بعمليات التجميع هذه. إن هذا النمط من تقسيم العمل الدولى إنما يثير كذلك إمكانية إنتقال بعض المشروعات إلى أقاليم دول أخرى إنتقالاًً تحدده: إعتبارات إقتصادية(توفر المادة الأولية، أو القوة العاملة الرخيصة، أو مصدر الطاقة المحركة، وهو الأمر الذى أصاب الطبقة العاملة فى المجتمعات الرأسمالية المتقدمة فى مقتل، وأمست فاقدة القدرة على التفاوض) وإعتبارات مالية( توفر رأس المال النقدى المعد للإقراض، توفر المعاملة المالية المواتية)وإعتبارات فنية(البعد عن الأماكن التى تزداد فيها قوة التنظيمات النقابية والسياسية للعمال) ولن يكون إنتقال المشروعات دولية النشاط هذا دون عمليات متوازية من إدماج الأجزاء المتخلفة فى المنظومة الرأسمالية العالمية. فلم تزل تلك الأجزاء، على الرغم من الطفرة فى تخليق البدائل، تملك المواد الأولية اللازمة فى الصناعة، هذا الإدماج، مع تباين أشكاله، يكمل تحول إقتصاديات الأجزاء المتخلفة إلى إقتصاديات سلعية، تخضع لسيادة الأثمان الدولية. ويزيد من تغلغل رأس المال الذى يحكم قبضته التكنولوجية(مستخدماًً كل الأليات القانونية الممكنة) على مختلف عمليات الإنتاج المدولة. مؤدياًً بالتالى إلى تزايد فقدان المجتمعات المتخلفة للسيطرة على شروط تجديد إنتاجها الذاتى. مع تبلور سمات العلاقات الإقتصادية الدولية على نحو من تخصص الأجزاء المتقدمة فى إنتاج السلع كثيفة الإستخدام للتكنولوجيا، وكثيفة الإستخدام لوسائل الإنتاج. ويسود هذا الإتجاه القطاع الصناعى ثم الزراعة (والتى تميل لأن تكون أحد فروع النشاط الصناعى) ثم قطاع الخدمات فى العقود الأخيرة.
وسيظل السؤال ملحاًً أيهما أهم فى الطرح: كيف إندمجت الاجزاء المتخلفة فى المنظومة الرأسمالية؟ أم إلى أى حد هى مندمجة؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأميركيون العرب -غاضبون من بايدن ولا يطيقون ترامب- | الأخبا


.. اسرائيل تغتال مجدداً قيادياً في حزب الله، والحزب يتوعد | الأ




.. روسيا ترفع رؤوسها النووية والناتو يرفع المليارات.. | #ملف_ال


.. تباين مواقف الأطراف المعنية بمفاوضات وقف إطلاق النار في غزة




.. القصف التركي شمالي العراق يعطل انتعاش السياحة الداخلية الموس