الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على نفسها جَنَتْ براقش .. هزيمة جديدة لروسيا .. في عقر دارها ؟

إبراهيم إستنبولي

2004 / 11 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


الحمد لله ، كما يقال ، الذي لا يحمد على .. مكروه سواه . و الموضوع لا يتعلق بشماتة .. لكن على الأقل صار بإمكاني الاعتقاد أن ما يسمى بالأمة العربية و الإسلامية ، و التي " أرادها الله " : " .. خير أمة أخرجت للناس " لكن خاب ظنه .. أو أن الأمة خيبت ظنه .. على مدى حوالي ألف سنة و نيف .. أردت أن أقول أننا لسنا الأمة الوحيدة في هذه الدنيا ، التي يجري استهدافها و " التآمر " عليها ، و التي تدار شؤونها بكثير من الغرابة من قبل مسئوليها و قادتها .. فهذه هي الأمة أو الشعوب السلافية تكاد " تشاطرنا المصير نفسه " : فالشعوب السلافية ، كما شعوبنا بالضبط ، على مدى عقود بل قرون تم اضطهادها و إذلالها و النيل من كرامتها .. و خلال فترة طويلة تعرض علماؤها و مثقفوها و أدباؤها للقهر و التقزيم و التضييق .. و أذاقوا عامتها و عمالها و فلاحيها طعم المرارة و الحرمان .. تارة على يد قيصر يحكم باسم الكنسية ( أو الإسلام ) .. وتارة على يد قيصر آخر يحكم باسم الماركسية ( أو الديموقراطية الشعبية و مختلف النظريات الثورية ) – فكانت النتيجة أن أنتجت هذه الأنظمة أجيالا مقموعة بعض منها يعاني من دونية مرعبة تجاه الآخر .. أو بعضها ممسوخ يعني من إحساس بفقدان الهوية و مستعد للتعامل مع الشيكان كي ينتقم من بني جلدته . حقاً إنها لوحة سوداوية .. لكن ما العمل .. هذا هو الواقع .. و ليس باليد حيلة ؛ فمهما جمّلنا و جاملنا - ce la vi .
" تبّت يدا يلتسين .. وشركاه " :
كلنا يعلم أن الاتحاد الروسي ، كما بلداننا ، غنية جداً بالثروات الباطنية و الطبيعية و بالكفاءات العلمية و التقنية و بكل ما يلزم لقيام دولة عصرية حديثة متطورة . و مع ذلك استطاعت عصابة يلتسين و خلال اقل من عشر سنوات أن تصل بروسيا إلى حافة الفقر ، لدرجة أن ملايين الناس ماتوا من الجوع و الأمراض و المخدرات .. الخ . كما تم تشريد ملايين المواطنين الروس في جميع أنحاء العالم – بمن فيهم علماء و فنانين و اختصاصيين في مختلف المجالات ، و حولوا روسيا إلى مصدر كبير لتجارة الرقيق الأبيض .. فصار الأجانب عموماً ، و الأمريكيون خصوصاً ، يتلذذون بالعيش في روسيا حيث الجنس الرخيص و الذي لا مثيل له .. بنات بعمر الورد لقاء بعض الطعام و المشرب .. و تم نهب ثروات البلاد العلمية و الطبيعية من نفط و غاز و أخشاب و معادن ثمينة – حيث كانت جميعها الاستيلاء عليها بشكل خسيس و خال من أي شعور بأي واجب تجاه وطن و شعب .. فيتم شراؤها في السوق الداخلية بأسعار بخسة ، و غالباً لقاء وعود و سندات لا قيمة لها ، لتباع في السوق العالمية لقاء ملايين و مليارات الدولارات .. و ليتم تهريب الأموال بشكل منظم إلى بنوك أمريكا و سويسرا و إنكلترا و إسرائيل .. و ليشتري " الروس الجد " الفيلات و القصور و الطائرات الخاصة و المزارع و كل ما لا يخطر بالبال .. كانوا يقومون بكل ذلك دون أن يرف لهم جفن ..لأن مئات الآلاف من مواطنيهم ، أطفالا و عجزة ، نساء و حوامل ، لا يحصلون على الحد الأدنى من الغذاء أو الدواء .. لم تكن تهتز لهم شعرة لأن المعلمين و الموظفين و الأطباء و العاملين في مختلف قطاعات الدولة لا يحصلون على رواتبهم .. بما فيهم أولئك الذين ينتجون لهم ما هم .. يسرقون ليبيعون !! ( على كل لن أستطيع أن انقل لكم هنا جميع المعاناة التي عاشتها الشعوب الروسية خلال 1990 – 1999 .. وذلك إلى جانب مختلف أنواع القتل و الإرهاب و الاغتيال بحق كل من كان يخالف أولئك المجرمين من أفراد الطغمة الحاكمة .. باختصار : مَن يريد معرفة التفاصيل – لا بد له أن يقرأ كتاب الصحفي الأمريكي من اصل روسي بول خليبنيكوف : " عرّاب الكريملين " – حيث يورد بالتفصيل الممل و بالأسماء كل ما كانت تقوم به تلك العصابات المنظمة و التي استطاعت التحكم برأس الدولة المريض يلتسين .. و قد كان على رأس العصابة : بيريزوفسكي ، و تاتيانا ابنة يلتسين و المسؤول عن أمن الرئيس كورجاكوف و غوسينسكي و تشوبايس و الصحفي يوماشيف و ايفان ريبيكن .. و كثيرون .. و جميعهم لا زالوا يتمتعون بما هو حق للشعب الروسي .. و منهم ما زال يعمل في مناصب حساسة هنا و هناك .. ) – لقد دفع مؤلف الكتاب في عام 2004 حياته ثمناً لفضحه النشاط الإجرامي للقيمين على الدولة الروسية و كشف علاقة بعضهم – خصوصاً بيريزوفسكي بالإرهابيين الشيشان ، الذي كان ينظم معهم خطف الناس و مقايضتهم بملايين الدولارات .. ) . أخي ، إن ما كان يجري من نهب و تدمير للدولتية الروسية و للاقتصاد الروسي و للعلم والثقافة الروسيين يجعل المرء في حيرة من أمر أولئك الذين فقدوا كل شعور و كل إحساس تجاه ما يسمى " الوطن " . إنها أمور يندى لها الجبين حقاً .
بعد كل ما ذكر أعلاه يصبح واضحاً لماذا المواطنون في أوكرانيا مستعدين لأي شيء للابتعاد عن روسيا و الاتجاه غرباً .. على الأرجح ، إنهم لا يثقون لا بالمسؤولين و لا برجال الأعمال الروس .. و بالطبع لا يثقون بالسياسيين الروس من أقصى يسارهم إلى أقصى يمينهم : جميعهم منافقون / نصابون ، محتالون / مجرمون ، صعدوا على آلام و دماء مواطنيهم شباباً و شيباً ، نساء و رجالاً ! .. و بالرغم من محاولات الرئيس الروسي ف . بوتين – و الحق يقال – إنعاش ثقة المواطنين الروس و أشقائهم السلافيين بالوضع الجديد للدولة الروسية .. و محاولاته ترتيب البيت الروسي بما يعيد بعض الهيبة لروسيا بما يجعل أمريكا و الاتحاد الأوروبي " يعدوا للعشرة قبل التدخل هنا و هناك في مناطق هي من صميم الأمن القومي الروسي " – فإنه على الأرجح ، قد فات الأوان . لأنهم في الغرب يعرفون ما ظهر و ما خفي من نقاط الضعف في الواقع الروسي ! و يدركون أن الاقتصاد الروسي عاجز عن المواجهة أو الوقوف في وجه أية ضغوط من الاتحاد الأوروبي و أمريكا .. و كأن بوتين و معه روسيا لا ينقصهما سوى العودة إلى بداية و منتصف التسعينات ، حين كان الناس في روسيا يموتون من الجوع و البرد و فتك المافيا .. بل ربما إن هذا – لو حصل ، لا قدر الله - قد يخدم اكثر مخطط الغرب تجاه روسيا : فوضع اقتصادي سيئ للغاية لا بد سيؤجج صراعات عرقية و سيزيد من التوترات في الجمهوريات ذات الأغلبية الإسلامية، التي هي بالأصل متقلقلة ضمن الاتحاد الروسي ، ومما سيزيد من حضور و قوة القوى ذات النزعة الانفصالية .. وهذا بالضبط ما تريده الدوائر الغربية و خصوصاً الأمريكية في نهاية المطاف .. و " كل الطرق تصل إلى .. المزيد من إرباك روسيا ".
و لذلك ، إن ما جرى العام الماضي في جورجيا ، و ما يجري الآن في أوكرانيا – كله حلقات في سلسلة من المخطط الذي رسمه بزيجينسكي الشهير لتفتيت الاتحاد الروسي .. و تلتقي مع هذا المخطط مصالح دول البلطيق و بولندا و تركيا .. و غيرها .. خاصة إذا تذكرنا كيف إن الولايات المتحدة الأمريكية تعمل من اجل نقل مركز الثقل من أوروبا العجوز ( كما قال رامسفيلد ) إلى الشرق نحو بولندا و البلطيق .. نكاية بألمانيا و بفرنسا .. و خدمة للمخطط إياه .
في الإطار المذكور فقط يمكننا أن نقرأ ما يجري على الساحة الأوكرانية .. و كل المؤشرات تشير إلى أن روسيا و أنصارها في أوكرانيا سيخسرون هذه الجولة من الصراع أيضا ..فهل سيكون لدى القيادة الروسية الحكمة اللازمة و الوقت الكافي لمسابقة الزمن و وقف العمليات التدميرية في المجتمع و الاقتصاد الروسيين ؟ آمل ذلك ، لأنني أعتقد أن روسيا هي العقبة الرئيسية في طريق هيمنة النمط الأمريكي لحياة الناس القائمة على الجشع و قوانين الغاب الرأسمالي ، و الذي جوهره عقيدة الفردانية المقيتة المتناقضة مع كل القيم الإنسانية النبيلة . فإذا ما انهار الاتحاد الروسي فسيكون القرن الواحد و العشرين قرن الهمبرغر و الكوكا كولا و الجينز على حساب قيم تشيخوف و غوغول و دوستويفسكي .. و أرجو أن تجد الشعوب الروسية الطاقة الضرورية للنهوض .. هذا ما عودنا عليه الشعب الروسي عبر التاريخ .. بخلاف ذلك فإن الهمبرغر و الكولا سيحلان مكان االفيدانتا ... و سينتشر المارينز مكان الفيدا ...
لآن التاريخ لا يرحم تلك الشعوب ، التي ابتليت بمسؤولين قصيري النظر و ساقطين ( إذا حسنّا النية ) أو مخربين ، إن لم يكونوا خونة ( إذا كان يجوز أن نفترض حضوراً و لو شكلياً لنظرية المؤامرة ) . على كل حال ، أرجو أن لا يكتفي البعض أن العرب قالوا بما فيه الكفاية من أمثال تصلح حتى في أيامنا هذه : على نفسها جَنَتْ براقش .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سرايا القدس: خضنا اشتباكات ضارية مع جنود الاحتلال في محور ال


.. تحليل اللواء الدويري على استخدام القسام عبوة رعدية في المعار




.. تطورات ميدانية.. اشتباكات بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحت


.. ماذا سيحدث لك إذا اقتربت من ثقب أسود؟




.. مشاهد تظهر فرار سيدات وأطفال ومرضى من مركز للإيواء في مخيم ج