الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انتخابات برج القوس

سعيدي المولودي

2011 / 8 / 24
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


"انتخابات برج القوس."
بعد فترة غير قصيرة من التردد والحيرة والارتباك والتلكؤ، أعلن عن تاريخ موعد الانتخابات المغربية الجديدة، التي من المنتظر أن تقود الدستور الجديد من ناصيته ليفترش الواقع المغربي ومكائده السياسية والانتخابية، ويرتوي من سماء بلاده الخاوية، ويجبر نفسه على التكيف والحياة في أدغالها. والتماطل الذي صاحب مراحل الإعلان، ماخفي منها وما ظهر، يعكس في الواقع حجم حدة الحذر والحيطة التي تتعامل بها أطراف المعادلة السياسية المغربية مع الانتخابات وآلامها اللذيذة، والتي تتسابق من اجل القبض على مفاتيح جديدة تسمح بإتلاف رواسب الثقافة السياسية السائدة واكتساب أو اختراع آليات جديدة تضمن مواصلة اللعبة السياسية الديموقراطية وفق شكل يتحكم فيه النظام والجماعات السياسية المقاتلة في جبهته في كل أطوارها وأدوارها ونتائجها، ويستأثر بالمغزى الكامن وراءها وأمامها.
وفي الوقت الذي اعتمدت فيه صيغة "التعبئة السريعة" الهوجاء لتمرير الدستور الجديد قبل أن يرتد الطرف إلى الجماعات السياسية الغارقة في مباهجها الأيديولوجية ومكاسبها المتدفقة، لتستكشف جوانبه الإيجابية والسلبية وتداعياته المحتملة أو انعكاساته المباشرة وغير المباشرة على الأوضاع ببلادنا،كي لا تتحول إلى خرابات أو أرض يباب، بدا أن المهل ومسلك تقديم رجل وتأخير أخرى هو المعتمد في نطاق تحديد موعد الانتخابات، وهو ما يتناقض مع جنون التعبئة السريعة والمجانية ونشوة الانتصار الجارف التي خلقها تمرير الدستور في ظرف قياسي بأغلبية درامية لا تضاهى، ولا يجود التاريخ بمثلها إلا في بلاد تصطاد الغنائم الجاهزة والدماء البريئة ولا ترضى بالهزائم مهما كانت ديموقراطية.إذ الثقة المفرطة بعجائبية الدستور الجديد وزينته الموصولة بالأرائك المزركشة، وفسيفساء المطلق، واعتباره القوة الخارقة المولدة لمغرب يتمثل الديموقراطية ويتجاوزها ويستقطب كل الحقوق والواجبات في السياق الذي يليق به، يستوجب بالضرورة التسريع والإسراع والهرولة المشدوهة لجني ثمراته الأسطورية والاستمتاع ببواكيره التي ترقبها عين الجميع وتسيل لعاب الداني والقاصي من الواقفين على أبواب المخزن يتربصون اللحظة التي يكونون فيها معه، ويكون رحيما بهم، فيمنحهم مقاعد هنا أوهناك ويدركهم في ضحكهم وبكائهم وبؤسهم وسعادتهم. فهل تحديد تاريخ موعد الانتخابات أصعب وأعوص لهذه الدرجة التي نجيز فيها دستورا، لم نتمكن حتى من قراءاته قراءة متأنية فاحصة، وتأمل خلفياته وغاياته وأبعاده السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، بسرعة فائقة ونهائية، ونتردد أو نتضايق من تحديد تاريخ الانتخابات محتمين ببقع زيت مبررات أو مقدمات توهمنا أن الأمر رهيب وأن بئر السياسة عميق وأن لا أحد يرغمنا على الثأر السريع المباغت.
ومهما كانت الأسباب فإن الهروب المدبر من الاحتكام لتاريخ موعد انتخابات قريب يحمل في طياته مدخلا صريحا إلى الإرادة السياسية الحقيقية للمخزن والجماعات المقاتلة في جبهته لتوطيد أركان وأسباب الثقافة والممارسة السياسية السائدة، والتأكيد المفرط على مردودياتها وإيجابياتها الساحقة، وترسيخ قواعد اللعبة الديموقراطية التي تمارس في بلادنا وتقوم على طقوس الوزيعة واقتسام الغنائم والاستفراد بالأنفال، ومنطق ألا شيء يمكن أن يتغير ، فالوعد الذي يغطي سقف البلاد ما يزال مشتعلا، ويبقى ظله ذو الجلاء والإكراه.
وفي الإجمال فإن المخزن والجماعات السياسية المتسلقة لعرائشه وموائده برهنوا بالملموس من خلال هذه المماطلات عن عجزهم وإفلاسهم وعدم أهليتهم للارتقاء بالدستور الجديد وبالواقع السياسي المغربي إلى ما يجعلهما في مستوى مواجهة التحديات التي تواجههما في ظل التحولات التي يشهدها العالم من حولنا. ولذلك لا يمكن استيعاب مظهر إنزال الدستور في سبعة أيام وفي طلقة واحدة، بالأغلبية المخبأة في مكان ما، في هذه البلاد، والقصور عن اختيار تاريخ مناسب لإجراء الانتخابات، إلا من زاوية تقدير أن في الأمر أشياء من "حتى"، نخشى أن تتعلق بعمليات طبخ متطورة ومحسوبة تتوخى تدبير التفاصيل الصغيرة لهذه الانتخابات وفق معايير توزيع المواقع، والمقاعد وفتاتها، وتسييج العملية بما يضمن لكل الأطراف حفرة في تشكيلة الأنقاض التي ستنفث دخانها البرلماني على البلاد، وتختلي بخيراتها لتفتض أوابدها، وهو أمر قد تعضده الكثير من المؤشرات المحيطة بمجرى المشاورات والمناورات الشاهدة التي تصب في اتجاه استعينوا على قضاء مصالحكم والحصول على مقاعدكم بالكتمان المريب، بحيث نظل نحن عامة الشعب السواد العائم في أرصفة البلاد كالعميان ننتظر الفرج الذي يأتينا ضبابه الكثيف بالتقسيط.
قد يشفع القول إن المخزن والجماعات السياسية الموالية لاختياراته لا يحبون المغامرة والاندفاع، ولكنه لا يصمد أمام كثير من الحقائق التي تتعثر في اتساع الطريق، خاصة وأن العمل في الظلام الخفي لا يكون سوى محصلة لصناعة الأشراك وحبكها حتى يتم توطين كل الأساليب الديموقراطية التي بمقدورها أن تمتص آخر قطرة مما تبقى من دمائنا دون صرخة ألم شاردة..
إن خير مثال يمكن أن يجسد حقيقة الوضع السياسي في بلادنا هو ما تحمله هذه الحكاية القديمة من دلالات مباشرة وغير مباشرة، فقد ذكرت المصادر الإخبارية القديمة أنه في أوج الصراعات السياسية الطاحنة على السلطة في الإسلام الأول، اتفق شحاذان على استثمار الوضع واحتراف التوسل أو التسول السياسي،وكانا يقفان كل يوم على جسر من جسور بغداد، يتوسل هذا باسم "علي" وذاك باسم "معاوية"، ويعطيهما الناس على قدر ولائهم لهذا أو ذاك، وإذا انصرفا آخر النهار اقتسما ما جمعاه من النقود بالتسوية لأنهما شريكان. وهذه هي بالذات إيقاعات عمل المخزن والجماعات السياسية التي تتكلف الولاء أوجمرالمعارضة.
ولحد الآن فإن التاريخ المعلن هو 25 نونبر، وهو تاريخ له دلالاته المثيرة، لعل في مقدمتها أن هذه الانتخابات ستكون من مواليد برج القوس، أحد الأبراج النارية كما يقول الفلكيون، ويرمز إلى قيم التوتر والهدم حسب زعمهم، أما مواليد هذا البرج فهم متقلبو المزاج وأولوياتهم وقناعاتهم دائما متغيرة وليست ثابتة، وهم مجبولون على المغامرة والمقامرة، وجزء من سلوكياتهم قائم على التمثيل والتهريج، ورجال القوس ، كي لا نقول انتخابات القوس، يضعون أقدامهم حيث لا يجب أن توضع، وبعض الغرور أو الجنون قد يدفعهم إلى ارتكاب ومراكمة الأخطاء، بل إن طيشهم قد يدفعهم لإلقاء سهامهم جزافا تصيب ما تصيب وتخطيء ما تخطيء.. ونخشى الخشية كلها أن تكون انتخاباتنا بهذه الصورة:
- نارية بحيث تأتي على الأخضر واليابس مما تبقى من حطام الديموقراطية المهترئة التي نستظل بها.
- طقسا مكشوفا للتمثيل والتهريج والتزييف والممايعة والسفسطة السياسية المبتذلة، والرقص على فوهات الجراح التي تلاحقنا.
- باب الفرج المفتوح لا نتزاع ثقتنا ومنحها من لا يستحقها من المناضلين الأجلاف الوصوليين والانتهازيين المرتزقة الذين يلاحقون أحواض الامتيازات الاجتماعية الشفافة، ويبحثون عن طرق تمضي بهم إلى جزيرة الأولياء الأغنياء الصالحين المبشرين بجنة الاستثمارات والربح السريع والنهب المستديم..
إن هذا التاريخ كما يبدو يعكس قسوة الأقدار السياسية علينا، ويقودنا عبر مسافاته إلى ذروة التشاؤم لأن هذه المواصفات لن تضعنا إلا أمام شمس الخيبات التي لم تعد واحدة، وتغوص بنا بعيدا في ولائم الفراغ وأزمنة العبوس. ويغذي هذا البعد ارتباط 25 نونبر عبر التاريخ الإنساني بمحطات ومنعطفات تاريخية ظلت عنوانا أبديا للخيبات والانكسارات والانهيارات والدمار، ففي 25 نونبر 1492 سلم أبو عبد الله الصغير مفاتيح غرناطة مستسلما أمام أعدائه، وأطلق زفرته الأخيرة على مشارفها، و"خرج يبكي مثل النساء ملكا أضاعه ولم يحافظ عليه مثل الرجال"، وفي 25 نونبر 1867 حصل "لفريد نوبل" على براءة اختراع وصناعة الديناميت، تذكروا أن البرج ناري ، وفي 25 نونبر1915 ولد الطاغية السفاح "أوغستو بينوشي" الذي زرع أعواد المشانق في كل ربوع الشيلي طيلة عقود من القرن الماضي، وفي 25 نونبر 1961 قاد الجزار العميل "موبوتو سيسي سيكو" أول انقلاب في إفريقيا وأطفأ شمعة المناضل الإفريقي الخالد "باتريس لومومبا"، وموبوتو هذا كان صديق مغرب الديموقراطيات المنشورة على الأرصفة وحبال الغسيل، وكانت بلادنا ملاذه وقبره الذي آواه بعد أن لم تقبل به أية دولة لاجئا...فاللهم فألك ولا فأل هذه الانتخابات..
سعيدي المولودي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المغرب: حملة -تزوجني بدون مهر-.. ما حقيقتها؟ • فرانس 24 / FR


.. كأس أمم أوروبا 2024: ديشان يعلن تشكيلة المنتخب الفرنسي.. ما




.. هل تكسر واشنطن هيمنة الصين بالطاقة النظيفة؟


.. سكان قطاع غزة يعانون انعدام الخيام والمواد الغذائية بعد نزوح




.. إسرائيل تقدم ردها لمحكمة العدل الدولية على طلب جنوب إفريقيا