الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمة اسرائيل – أزمة نظام عنصري توسعي

نبيل يعقوب

2011 / 8 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


-1-

الانتفاضة الجماهيرية في اسرائيل سلطت الاضواء على "اسرائيل الحقيقية"، أزاحت جانبا القناع المغشوش لدولة "استثنائية" في تاريخها وحاضرها، دولة لا يجوز ان تطبق عليها معارف علم الاجتماع وقوانين الصراع الاجتماعي الناشئ عن التناقضات الكامنة في بنية كل مجتمع رأسمالي، ولا يُسمح بالتعامل معها بمقتضى القانون الدولي، فهي كما تزعم على الدوام دولة ضحية مهددة بالفناء وبمحرقة جديدة يعدها الفلسطينيون والعرب.

جاءت الانتفاضة مفاجئة لداخل اسرائيل، وكذلك بالنسبة للاعلام العالمي، لأن الدعاية الاسرائيلية نجحت لعشرات السنين في الترويج عالميا لفكرة "الدولة والشعب الاستثنائيين". فكيف تنتفض جماهير يهودية، والانكى من ذلك، تنتفض بمشاركة سكان عرب، ضد حكومة اليهود؟
انتفاضة الجماهير في اسرائيل ضد حكم الرأسمال مهمة. فهي انتفاضة ضد الظلم الاجتماعي، ضد حكم طبقة من السياسيين أعلن المنتفضون انها لا تمثلهم، وذلك "في الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط" كما يروج منذ عشرات السنين. وتتجاوز اهمية الانتفاضة المطالب الاجتماعية المرفوعة.

لماذا؟ لانها تهز اسس الفكر الصهيوني العنصري الذي يدعي ان دولته تمثل "جماعة قومية متجانسة"، وأن قوميتها مستمدة من الدين، الذي هو اساس نشوء ووجود الشعب اليهودي. الفكر الذي يقترب من فكر القوميين العنصريين الالمان الذين ابادوا الملايين من اليهود. وهو فكرة الأمة التي يتحقق تجانسها الاستثنائي من خلال وحدتها العنصرية. الامة التي يُعَرِفُها غلاة الصهيونية كوحدة بيولوجية، والتي يشكل شعبها "جماعة مقاتلة" .. هذا الفكر كان لا بد أن يصل بأمثال الفاشستي ليبرمان بالدعوة صراحة بأنه لا مكان سوى لليهود في اسرائيل. كافة حكومات اسرائيل سارت نحو هذا الهدف بسياسة التمييز ضد العرب في الداخل، وبالاستيطان في ما تبقى من مناطق فلسطينية.

-2-

هل ينجح النضال من اجل العدالة الاجتماعية في تحرير اسرائيل من اسر الايديولوجية القومية العنصرية؟ التجارب التاريخية تعلم ان المقاومة الناجحة للوعظ التضليلي الذي يستغل الدين والاساطير القومية لا تكون بوعظ "مضاد"، بل اساسا بقيادة الجماهير في معارك تنتزع فيها حقوقها وتتعلم فيها ان النضال يدور ويحسم على الارض، وانها هي التي تشكل مستقبلها بنضالها وليس باتكالها على "المخلص".
اساس الازمة السياسية الاجتماعية الكامنة التي افصحت عن وجودها في اسرائيل يكمن في العلاقة العضوية بين هذه الايديولوجية السائدة وسلطة الرأسمال. وتوجه الجماهير لانتزاع حقوقها ينزع الاقنعة الايديولوجية عن سلطة الرأسمال، ليدور الصراع حول القضايا الحياتية الملموسة التي يعيشها ويلمسها كل مواطن: الخبز والمسكن والاجور والاسعار والارباح، حول الحقوق والحريات الجماعية والشخصية. هذا النضال يفتح الاعين على حقيقة الدولة التي تحيط سياساتها والمصالح التي تحميها والمستفيدين منها بهالة ايديولوجية زائفة.

الاعلام الالماني خصوصا الذي تجنب تاريخيا تحليل الاوضاع الداخلية في اسرائيل (الاوضاع الاجتماعية المتدهورة، تفاقم الهوة بين الاثرياء والفقراء، التمييز الثقافي والاجتماعي ضد السكان العرب، الجذور الاقتصادية الاجتماعية والايديولوجية للسياسة الاستعمارية التوسعية، انتشار التطرف القومي العنصري).. هذا الاعلام بدأ الآن بخطوات حذرة للغاية ليكتشف ان اسرائيل دولة مثلها مثل بقية الدول.

كتبت (دي تسايت 1/8) "اغلبية اسرائيل الصامتة تنتفض- الطبقة الوسطى تتظاهر ضد الراسمالية المنفلته في البلاد، ومشكلة رئيس الوزراء نتنياهو هي انه لا يوجد ما يشير لان الاحتجاجات ستهدأ."
وفي مقال للكاتب الاسرائيلي عساف جافرون (سيد دويتشه تسايتونج 9/8) بعنوان "لماذا ستغير الاحتجاجات البلد".. جاء "كثير من الاسرائيليين الذين حكموا على انفسهم بالصمت لسنوات، وشعروا بأنهم مستبعدون من المناقشات، وظلوا مخدرين، وجدوا صوتهم فجأة ... طوال السنين ظلوا يقولون لهم أن الامر الأهم، إن لم يكن هو المشكل الوحيد، هو الأمن، والصراع مع الفلسطينيين، والتهديد المستمر لوجودنا. وانه كما يقول المثل (عندما تُسمَعُ قعقعة السلاح، تختفي الاهتمامات الاخرى)". وعن الموقف من الاحتلال يكتب جافرون "منذ الأيام الأولى للاحتجاج ، ظل الناس يتسائلون عن العواقب المحتملة... وهل ستبلغ هذه الحركة من القوة ما يكفي لتغيير الاغلبيات في المجتمع، وللحد من الهوة بين لأغنياء والفقراء، أو حتى وضع حد للاحتلال وإخلاء المستوطنات بالغة التكلفة في الضفة الغربية؟"

والمعضلة التي تواجه المحتجين هي الخيار بين تسييس الحركة الاحتجاجية بطرح رؤية صريحة للمتغيرات المطلوبة في البنية السياسية، والتي بدونها لا يمكن تحقيق اصلاحات اجتماعية عميقة، وهو الخيار الذي يهدد باحتمال انقسام الحركة لو تجاوزت مطالبها الشعارات التي تلتف حولها اغلبية المجتمع، وبين المراوحة في موقف الاكتفاء بانتظار ان يحل المشاكل من تسببت سياساتهم في صنعها.
كتبت اليومية تاتس (14/8) ان حركة الاحتجاجات اتسعت بشدة لانها ركزت على المطالبة بمزيد من العدالة الاجتماعية "ولكن شيئا فشيئا تتخذ المطالب طابعا سياسيا. في يوم السبت تظاهر عشرات الآلاف في كل البلاد من اجل المساواة في الحقوق بين عرب ويهود اسرائيل. وهذا الاتجاه يحمل في باطنه اخطارا ولكنه ينطوي على فرص ايضا".

-3-

الانتفاضة طرحت السؤال المحوري: الي اين والي من تذهب الميزانيات؟
المشكل يكمن في مربع الانفاق العسكري، وتكلفة الاحتلال الاستيطاني، والسياسة الاقتصادية الليبراليىة، والتركيبة السياسية الحاكمة.
تبلغ نفقات اسرائيل العسكرية نحو 12 مليار دولار (حسب معهد سيبري) وحسب (در شبيجل 10/8) 6.3 مليار يورو سنويا على الأمن والجيش والشؤون المدنية في الضفة الغربية. وبينما جميع دافعي الضرائب في اسرائيل ملزمون بيتحمل التكلفة العالية لحماية الاحتلال تذهب عائدات التجارة مع الاراضي المحتلة الي الرأسمال الخاص. ومعظم تكلفة الاستيطان الباهظة تتحملها الدولة.
ولأن اسرائيل تنفذ ايضا خطط البنك وصندوق النقد الدوليين انخفضت الاجور الحقيقية وازداد الفقر وتضخمت بشكل هائل ثروات الفئات الرأسمالية العليا. الرابح من السياسة الاقتصادية في اسرائيل هي الطغمة المالية التي تتشكل من عشرين اسرة وتسيطر على اكثر من نصف ملكية الاسهم.
ازمة حكومة نتنياهو والتي ستدفع قادتها للاستماتة في تجنب الاستجابة للمطالب الاجتماعية الشعبية هي انها لا تستطيع تمويل اصلاحات دون المساس بميزانية الجيش والامن وبامتيازات المستوطنين واليهود الارثوذكس المتطرفين. وهؤلاء لن يقبلوا التنازل عن امتيازاتهم. وستساندهم الاحزاب القومية اليمينية والاحزاب الدينية.

-4-

هل التصعيد العسكري في غزة واستفزاز مصر يساعد نتنياهو على احباط الحركة الشعبية؟
هل تنجح هذه المرة وصفة تسعير الروح القومية لتتركز كل العيون على "العدو" فتنقسم الجبهة المنادية باصلاحات اجتماعية وديمقراطية؟
صعب على حلفاء اسرائيل المأزومين اقتصاديا ان يأتوا بهباتهم لتهدئة الشعب الغاضب. ولكن عندما تعلن اسرائيل ان امنها في خطر بسبب هجمات صاروخية وهجمات "الارهابيين" يختلف الوضع. المؤكد ان الاستجابة للاستفزاز الاسرائيلي والتصعيد العسكري الراهن يصب في صالح الطغمة الحاكمة في اسرائيل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو بين إرضاء حلفائه في الحكومة وقبول -صفقة الهدنة-؟| ال


.. فورين أفارز: لهذه الأسباب، على إسرائيل إعلان وقف إطلاق النار




.. حزب الله يرفض المبادرة الفرنسية و-فصل المسارات- بين غزة ولبن


.. السعودية.. المدينة المنورة تشهد أمطارا غير مسبوقة




.. وزير الخارجية الفرنسي في القاهرة، مقاربة مشتركة حول غزة