الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عبادة الفرد والامتيازات والانتهازية

فاضل الحليبي

2002 / 8 / 29
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي



(عاهات مرضية في المجتمع)

 

نبدأ بالسؤال التالي ، من الذي ينتج شخصية عبادة الفرد وتقديس الأفراد وتحويلهم إلى آلهة وكهنة ؟ والأكثر من هذا الى أصنام مثلما كان يسود ما بين القبائل العربية في شبه الجزيرة العربية في أيام الجاهلية قبل مجيء الإسلام والدعوة الإسلامية وانتشارها على يد الرسول (ص) وأصحابه ، فكان الصراع قائما ما بين الجديد والقديم ، فبالرغم من مضي اكثر من ألف وأربعمائة وثلاثة وعشرون عاما هجريا على ظهور الإسلام والدعوة الإسلامية ، والقضاء على الأصنام ، إلا انه لازال يوجد في عالمنا العربي والإسلامي أصنام عديدة وأيضا في العالم هناك أصنام ، يتجلى ذلك في ظاهرة عبادة الفرد والدكتاتورية التي سادت في العديد من بلدان العالم لسنوات وعقود من الزمن ، ولكن يبقى لها مذاق وطعم آخر في البلدان العربية ، فتلك الظاهرة المعروفة ليس معني بها الحكام والقادة العسكريين الذين يتصفون بالدكتاتورية والتسلط ، ولكنها تشمل قطاعات وفئات مجتمعية مختلفة ومتعددة الأنماط والأفكار والقناعات ويدخل في هذا السياق العام الزعماء والقادة السياسيين والمثقفين ورجال الدين وغيرهم في المجتمعات العربية ومن بينها بلدنا البحرين تعشعش فيها هذه الظاهرة واليوم اكثر من السنوات التي مضت ، وتبرز بصورة واضحة في المجتمع فهناك مظاهر عديدة لتقديس الأفراد والزعماء ونشاهدها ونسمعها ونراها في مجتمعنا ، والذي صنع وانتج تلك الظاهرة المرضية هم الاتباع والأنصار الموالين والتابعين لتلك الجماعات والفئات واصبغوا عليها هالة من القداسة والعبادة ورفضوا النقد والنقد الذاتي والملاحظات الصريحة القادمة والخارجة من أفواه القواعد والمستويات الدنيا ، والمصيبة الأكبر ، بان الجوقة الملتفة حولهم ترفض بان توجه لهم انتقادات أو ملاحظات حتى على أخطائهم الفادحة والخطيرة ، فهؤلاء وحدهم العرافين والواعين والمنظرين وهم الذين يعرفون خبايا الأمور ، في الوقت الذي هم يغرقون السفن ولا تستطيع الأشرعة الوقوف وحدها في وجه العواصف القوية ، هكذا هم يرون بان تغرق السفن ومن عليها ، أما الآخرين فعليهم الصمت والموافقة على مشاريعهم وخططهم حتى لو كانت مضرة وخطيرة ، مصالح الناس والتجمعات لاتهم ، المهم ماذا يحققوا لأنفسهم ، ولكي تستمر شهرتهم التي كسبوها من خلال الجماهير التي تعاطفت في مراحل معينة مع مواقفهم ونضالاتهم ، وإذا بالبعض اليوم يروجون إلى بضائع خاصة ويتم تسويقها وفق رؤية منهجية تتعاطى مع واضعيها ومنفذيها ، أما الآخرين عليهم الالتحاق بهم ، عرفوا أو لا يعرفوا ماذا يريدون ليس مهم ، المهم هناك من يخطط ويضع الملاحظات ويقدم الاقتراحات بدلا عنهم ، هكذا ، يريدون الاتباع والموالين ، لذلك تطرب آذانهم لسماع المديح والتطبيل لآرائهم وتصوراتهم التسلطية والأبوية ، هؤلاء تعودوا بان يكونوا أساتذة يلقون بمحاضراتهم ودروسهم للتلاميذ (الطلبة) وكيف لهؤلاء التلاميذ المتلقين للمواعظ والدروس بان يجادلون ويحاورون ويناقشون ، وهم الذين المطلوب منهم فقط السمع من خلال التلقين ومن ثم التنفيذ ، لا تسأل ، لا تبدأ بالرأي والفكرة عليك أيها الإنسان الحر الطاعة العمياء ، فهذه أوامر عسكرية صادرة من الأساتذة والشخصيات والرموز الكبيرة ، هذه العقلية الأستاذية والأبوية تراها موجودة في أغلبية الاتجاهات الفكرية والسياسية ، فهو الرابط الوحيد لسلوكيات وأساليب التسلط والفردية والزعامة والوجاهة ما بينهم ، بالرغم من الاختلاف والتباين في مواضيع وقضايا عديدة ، تبقى تلك الصفات عامل مشترك لديهم جميعا ، فهؤلاء تعودوا على ممارستها في صفوف الاتباع والأنصار ، طالما ليس هناك وجودا معارضا لاطروحاتهم وقناعاتهم الدكتاتورية سيبقون زعماء وقادة للابد على طريقة الزعماء العرب في بعض البلدان العربية ، فالبعض ربما يكون يساريا ولكن أفعاله وتوجهاته السياسية تدل على انه يمينيا ، وربما تحسب بأنه إسلاميا ثوريا ، فإذا به إسلاميا معاديا للثورة والديمقراطية ، فهذه الأساليب والمفاهيم ، صنعها وخلقها الأفراد الآدميين الطبيعيين ، والأفراد هم نتاج المجتمع ، وتطبع طبائعهم وسلوكياتهم الاجتماعية والثقافية وفقا لذلك الإرث الاجتماعي الخارج من بطون تلك المفاهيم والتقاليد السائدة منذ عقود عديدة من السنين ، في مجتمعاتنا العربية .
ويتطلب زمنا طويلا لأحداث تغيرا جذريا في الوعي الاجتماعي قبل الولوج بالوعي الثقافي لآفاقه الأوسع في فضاء الفكر الإنساني ، وهذا لن يحدث دون مشقة أو معارضة من المحافظين التقليديين ، ولن يحدث إذا لا يبدأ الإنسان الفرد بالثورة الداخلية في وعيه وفكره والتمرد والانقلاب على الأنماط والأعراف المجتمعية القديمة المكبلة لعملية التغيير والتجديد ، والجديد الذي سيخرج من رحم الموروث القديم ، فطبيعة الحراك الاجتماعي بان يدفع باتجاه تحطيم الأصنام ، ليفسح الطريق أمام انبعاث فكر التطوير الاجتماعي والثقافي والاقتصادي ، ربما لا يكون التغيير سريعا عندما يرتبط ذلك الفعل الاجتماعي بحواجز قوية تعترض طريقه على سبيل المثال لا الحصر ، وكذلك مصادرة الديمقراطية والحريات العامة وانتهاك حقوق الإنسان وإصدار مزيد من القوانين المقيدة والمعطلة لحركة الإنسان الحر القادر على المساهمة في صنع تلك الأحداث الهامة في المجتمع ، وتطول عملية التغيير الاجتماعي ، عند نشوء أزمات واحتقانات سياسية في البلاد ، تعمل على إعاقة المسار الديمقراطي ليحل محله خطاب القهر والقمع وتسود لغة الترهيب والترغيب وتكميم أفواه الناس ، ففي مثل هذه التحولات والتغيرات في المجتمع تارة باتجاه الديمقراطية والانفراج السياسي وتارة أخرى يسود في المجتمع نهج القمع والإرهاب ، وتارة ثالثة تنشأ ظروف وأوضاع تخلق حالة وسطية ما بين الموقفين نتيجة لمعطيات سياسية محلية وإقليمية وعربية ودولية ، وترجح كفة أو قوى على حساب قوى أخرى ، وتخلق حالة من الإرباك والتخبط في اتخاذ المواقف السياسية الصحيحة والجريئة في أوساط القوى السياسية سلطة ومعارضة ، وتبرز في صفوف القوى المعارضة في المجتمع ، عناصر وأفراد غير قادرين على إعطاء الرأي والموقف الواضح والصريح ، والبعض الآخر يحدث لديه إرباك وقلق ، وتسود الضبابية في قراراته ومواقفه من الأحداث والتحولات السياسية ، وهناك نوع ثالث يشحن في الناس لكسب تأييد اكبر عدد من الجماهير والاتباع لمواقفه السياسية ، لإبقاء الحالة الشعبية متدفقة حماسا وثورية ، وكلما تم تثبيت أسس وقواعد الديمقراطية تزول تلك الحالة من وعي الناس ، وتحل محلها مفاهيم جديدة تكون اكثر حرصا على التمسك باللعبة الديمقراطية بكل سلبياتها وثغراتها .
لذا لا نستغرب أو نندهش عندما تحدث هزات قوية في تغير قناعات الأفراد والجماعات في بعض المنعطفات السياسية نحو الأسوأ ، وبالتحديد يشمل هذا الفهم والانسياق وراء الشعارات والانفعالات والخوف من المستقبل فئات واسعة من المثقفين الذين هم من اكثر الفئات المجتمعية عرضة للتراجع والارتداد والوقوع في المحظور في دخولهم ماراثون الجري مع فئات اجتماعية هدفها المحافظة على الامتيازات والمصالح التي حققها في مرحلة معينة لا تريد بان تخسرها في ظل الديمقراطية ، فبالتالي حتى لو رفعت شعارات سياسية تبدد للوهلة الأولى رائعة تستطيع من خلالها بان تدغدغ بها عواطف ومشاعر الناس والنخبة المثقفة التي تخلت عن مبادئها وأهدافها الإنسانية وباتت تبحث عن منقذ لها لكي لا تغرق في بحر لازالت تجهل مطباته ، فالنوخذة الذي لا يعرف مسار السفينة أين يتجه بها حتما سيغرقها بمن فيها ، إن الذين يركضون ويلهثون على الحصول على اكبر قدر ممكن من الامتيازات والغنائم ، لن يأكلوا العنب سوف يكون حامضا عليهم ، عليهم الخلود للراحة والاستجمام افضل لهم لكي تبقى راياتهم وبيارقهم بيضاء مثلما كانت في الماضي .
من هنا وفي هذه المنعطفات والمحطات التاريخية الهامة في حياة الشعب والوطن ، على القوى الشعبية الحقيقية التي حفرت في الصخر من اجل انتشار أفكار التقدم والعدالة الاجتماعية وقدمت التضحيات الجسام لكي تظهر شمس الحقيقة وتظلل بنورها بسطاء هذا الشعب بان تكون اكثر القوى مدافعة عن مصالح وحقوق الفئات الاجتماعية المتوسطة الدخل والفقيرة ، والتاريخ لا يرحم الذين يتخلون عن قيم ومبادئ وحقوق الإنسان من اجل تحقيق المكاسب والمصالح الشخصية والأنانية .
كلمة أخيرة ، الانتهازية والوصولية صناعة الإنسان ، والإنسان الحر بوعيه الثقافي والاجتماعي يستطيع بان يلفظهما ولا يقبل بازدياد ظاهرة عبادة الفرد وتقديس الأصنام ، أما الذين لا يعرفون في مفردات قاموسهم السياسي النقد والنقد الذاتي ، سيستمرون في ذلك الطريق ، ويخلقون أشخاص آخرون اكثر تسلط ودكتاتورية من الحاليين .

 

 


 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القسام يعلن استهداف دبابة -ميركافا- إسرائيلية بقذيفة -الياسي


.. عبر الخريطة التفاعلية.. آخر التطورات في مناطق توغل جيش الاحت




.. كيف تؤثر تهديدات بايدن في مسار حرب غزة؟ نتنياهو إسرائيل ن


.. احذر... الاستحمام اليومي يضر بصحتك




.. مقتل 7 أشخاص في قصف أوكراني على حي سكني في بيلغورود الروسية