الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انتخابات بدماء الفلوجة

سامية ناصر خطيب

2004 / 11 / 29
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


العدوان على العراق
انتخابات بدماء الفلوجة

تأتي عملية السيطرة الوحشية على المقاومة في الفلوجة لحسم الوضع الامني واعداد الارضية لاجراء الانتخابات؛ غزو الفلوجة سيزيد المقاومة، في وقت دعت فيه هيئة علماء المسلمين (السنة) في العراق بمقاطعة الانتخابات؛ حتى لو اجريت الانتخابات فلن تجلب الديمقراطية والحرية التي ازهقت ارواح 100 الف شهيد عراقي.

سامية ناصر خطيب

بعد ان فرغت الولايات المتحدة من معركتها الانتخابية وتوجت جورج بوش لولاية ثانية، انتقلت لحسم معركتها في الفلوجة، وهي مصرة على الانتصار. الهدف: احتلال الفلوجة لحسم الوضع الامني، وتمكين المجلس الانتقالي من اجراء الانتخابات في كانون ثان المقبل.

"الفجر" هو الاسم الذي اطلقه رئيس الحكومة المؤقتة اياد العلاوي على عملية احتلال الفلوجة. القيادة الامريكية من جانبها تفضل تسمية العملية ب"الشبح الغاضب". ومهما اختلفت التسميات، فان ما يحدث في الفلوجة هو حرب ابادة بكل معنى الكلمة، حيث قتل اكثر من الف شهيد وتقصف المساجد والمستشفيات والبيوت على رؤوس اهلها. بلا رحمة. ولكن من غير المنظور ان تكون مهمة الحسم في الفلوجة سهلة. هذا ما يؤكده وزير الدفاع الامريكي، دونالد رامسفيلد، نفسه في اول تعليق له على العمليات.

القوات الامريكية تفهم اليوم ان اسقاط نظام صدام حسين كان المرحلة السهلة. ما لا تستطيع حسمه هو اعادة الاستقرار للعراق الذي يشهد يوميا عمليات قتل لمدنيين ومسلحين من الحرس الوطني، انفجارات متلاحقة، تدمير انابيب النفط، خطف واعدام الرهائن، واستهداف عناصر من الحكومة العراقية المؤقتة. عدم الاستقرار الامني اصبح عائقا عنيدا امام امكانية تحقيق اي اجندة سياسية باتجاه نقل مسؤولية الامن من القوات الامريكية للقوات العراقية.



الغام على الطريق

تعتبر الفلوجة انبوب الاختبار لامكانية تأسيس سلطة مركزية، لانه فقط في حال فرض الهدوء فيها سيكون بالامكان اجراء انتخابات عامة في العراق.

بول رينولدز، مراسل "بي. بي. سي. نيوز اونلاين" للشؤون العالمية (3/11)، اجاد وصف الحلقة المفرغة المستمرة شهورا: "كلما زادت الهجمات المسلحة زادت الحاجة للولايات المتحدة، وكلما تدخلت الولايات المتحدة زادت العمليات المسلحة. كما ان تزايد الهجمات يضاعف خطر اندلاع حرب اهلية". ويضيف انه كان المفروض ان تقوم القوات العراقية بكسر الحلقة المفرغة، الا انها اضعف من القيام بذلك.

الضوء الاخضر الذي اشعله العلاوي لاقتحام مدينة الفلوجة، اثار تنديدا شديدا في اوساط عراقية وعالمية. قبل اعتقاله، حذر الامين العام لهيئة علماء المسلمين السنة في العراق، الدكتور حارث الضاري، من "المجازر وحرب الابادة التي تتعرض لها المدينة". واضاف ان "مقاومة الاحتلال حق مشروع، وان الهيئة مع هذا الحق" (الجزيرة نت، 11/9)، ونادى بمقاطعة الانتخابات.

الحزب الاسلامي العراقي انسحب من الحكومة، بعد ان اتهمها بالتواطؤ في "استباحة دم العراقيين". وحمّل الحزب القوات الامريكية والعراقية تداعيات "السياسات اللامسؤولة". مكتب الشهيد الصدر ندد هو ايضا بقصف الفلوجة، واصفا الاعتداء عليها بانه اعتداء على الشعب العراقي عموما، ودعا لمقاطعة الانتخابات.



انتقادات في امريكا

الوضع الامني الحرج يعالج بشكل مكثف في الصحف الامريكية. في 31/10 كتبت صحيفة "نيويورك تايمز": "ان مسؤولين مدنيين وعسكريين يتحدثون اليوم بصراحة، عن العقبات التي تهدد مخططاتهم لاخضاع المتمردين واجراء انتخابات في كانون ثان". ويعتمد الاستنتاج على مقابلات مع 15 شخصية من اعلى الهيئات القيادية في المؤسسة السياسية والعسكرية الامريكية. وتكهن هؤلاء بان "الوضع الامني في العراق سيزداد سوءا، وان من شأنه اخراج العملية السياسية عن مسارها المحدد". واكد المصدر ان "قوات الجيش العراقي مخترقة من قبل عملاء للمقاومة".

"الواشنطن بوست" اقتبست احد المسؤولين في برنامج اعادة انشاء الشرطة العراقية الذي قال: "ان الهدف هو دق الاسفين بين المقاومة السنية والمتطرفين. وذلك عن طريق عزل المتطرفين من خلال اعتقالهم او قتلهم، وبناء علاقة سليمة مع المقاومين الخائفين الذين لا يثقون باحد". (31/10)

اقتحام الفلوجة التي هجرها نصف اهلها ليبقى فيها نحو 120 الفا، سيزيد نقمة الشعب العراقي تجاه الحرس الوطني العراقي والقوات الامريكية. ان اي خطأ يتمثل بارتكاب مجزرة بحق المدنيين سيجعل امكانية الحل اكثر استحالة.



انتخابات مشروطة

وليست المشكلة الامنية العائق الوحيد امام اجراء الانتخابات. المشكلة السياسية لا تقل تعقيدا. ما تريده امريكا هو حكومة عراقية-امريكية نظيفة مئة بالمئة، ولا يبدو ان هذا امر قابل للتحقيق. الحزب الشيعي "المجلس الاعلى للثورة الاسلامية" الذي يضم تيار السيستاني والحكيم واطر علمانية اخرى، هو المرشح للفوز بالاغلبية. ولكن امريكا غير متحمسة لهذا النجاح، لسببين: الاول موالاة الحزب لايران، والثاني اعلانه ان الشريعة ستكون المرجعية لحكم البلاد، الامر الذي سيقوّض مشروع الديمقراطية الذي تدعيه امريكا في العراق.

من جهة اخرى ترفض امريكا اشراك تيار مقتدى الصدر الشيعي في الانتخابات، رغم انه سلم اسلحته وحول جيش المهدي الى حركة سياسية، حسب اتفاقه مع امريكا. حملة الاعتقالات لقيادات التيار الصدري ومداهمة مراكزه السياسية مستمرة، بهدف عزل الصدر وعرقلة انضمامه للعملية السياسية. عدنان الصافي، احد ابرز قيادات التيار الصدري، اشار الى محاولات امريكية لجر جيش المهدي الى مواجهات عسكرية مجددا، كجزء من عملية اجهاض مساعي الصدر للمشاركة في الانتخابات المقبلة. (الحياة، 2/11)

الحصار السياسي على الصدر لا يأتي من القوات الامريكية فحسب، بل الشيعية ايضا. اوساط شيعية قالت ل"الحياة" ان تيار الصدر سيستبعد تماما من أية قائمة انتخابية محتملة للقوى الشيعية، الدينية، والعلمانية واضاف: "هناك جبهة شيعية تريد عزل تيار الصدر وتقويض نفوذه في عمليات التصويت".

ويبدو ان القوى الشيعية، خاصة المقربة من المرجع الشيعي علي السيستاني، عزمت على تصفية الحساب مع الصدر. ولا غرابة اذ ان اتّباع الصدر لنهج المقاومة العسكرية للاحتلال، اسوة بالسنة، فضح تيار السيستاني الذي اعتمد المقاومة السلمية، وكشفه كمتعاون مع الاحتلال.

السنة الذين يشكلون 40% من السكان والسند الاساسي للمقاومة، ليسوا خيارا لحكم البلاد بالنسبة للامريكان. وهذا ما يفسر التصعيد المستمر من جانب السنة الذين يدركون بان الانتخابات الجديدة تأتي لتستثنيهم تماما، وتسحب العراق كله من تحت اقدامهم، لذا دعت هيئة علماء السنة لمقاطعتها.

وكانت الهيئة قد اعلنت من البداية ان اجراء انتخابات حرة ونزيهة مع وجود القوات الامريكية، هو امر مستحيل. واصرت على معارضتها للوجود العسكري الامريكي في العراق. وكان الامين العام للهيئة، حارث الضاري، قد حذر بشدة القوات الامريكية من مغبة اقتحام الفلوجة قائلا: "ان الشعب العراقي يعتبر الفلوجة رمزا للصمود والمقاومة والكبرياء وان اقتحامها لن يكون بالامر السهل". (بي بي سي عربيا، 5/11)

حتى لو اجريت الانتخابات، فانها ستخدم امريكا وعملاءها فقط. خضوع العراق لحكم الاغلبية الشيعية سيرد عليه السنة بمزيد من التصعيد، الامر الذي يهدد بتقسيم العراق واستمرار دائرة العنف. بعد فضائح اسلحة الدمار الشامل وابو غريب تأتي الانتخابات لتفضح الشعار الاخير لهذه الحرب الكاذبة، وهو الديمقراطية التي ازهقت حتى الآن ارواح 100 الف شهيد عراقي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. علماء يضعون كاميرات على أسماك قرش النمر في جزر البهاما.. شاه


.. حماس تعلن عودة وفدها إلى القاهرة لاستكمال مباحثات التهدئة بـ




.. مكتب نتنياهو يصيغ خطة بشأن مستقبل غزة بعد الحرب


.. رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي: الجيش يخوض حربا طويلة وهو عازم




.. مقتل 48 شخصاً على الأقل في انهيار أرضي بطريق سريع في الصين