الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خارج سياق -مسجون-

لمى محمد
كاتبة، طبيبة نفسية أخصائية طب نفسي جسدي-طب نفسي تجميلي، ناشطة حقوق إنسان

(Lama Muhammad)

2011 / 8 / 25
الادب والفن


البداية:

لم يكن لقبعته السوداء فضل الانطباع الأول.. و لا لسترته الجلديّة أيضاً..
كما كانت نظرة عينيه الخبيثة بريئة تماماً من إحساسك الدفين بكون من أمامك (كادجيت) أو (شرلوك هولمز) زمانه، أو كما نقول بالسوري: (خطو حلو)...

"بهجت" الذي أودى بحرية أصدقائه قبل أعدائه كان موجوداً ليكتب التقارير ب "جزرة" الشاب ذو الشعر البرتقالي و الوجه المثلث، ليتحول هذا الأخير إلى وليمة عشاء لأرانب الأمن.

حدث هذا في البعيد، في بلاد يسكنها الخوف.. عندما كانت الكلمة – كما ما تزال- محسوبة عليك، و كان التفكير – مثلما هو الآن- محرماً إلا في الرياضيات.. البلاد هي ذات البلاد خلا أن الخوف قد رحل...

لم يعتقد "غسّان" الملقب ب "جزرة " أن يكون لحديثه الصباحي مع "بهجت" (ابن ضيعته) ذلك الأثر على حياته، و أن الخمس سنوات التي قضاها بعد ذلك في السجن- بتهمة إضعاف الشعور الوطني و القومي - كانت بسبب (طولة لسانه) أو (نور ضميره)...

المهم أن ما كان يُشاع عن "بهجت" دخل نطاق الحقيقة...

كان طيلة فترة سجنه يفكر في حديثه مع المحقق الوحيد الذي وجه إليه التهمة على وقع الضرب و الذل:

- موعاجبتك البلد هااااا.. أنت (علوي) و مو عاجبينك أسيادك يا (بغل).. بدك اسرائيل تجي تحكمك ؟!

- لا أنا حاربت بحرب تشرين ضد اسرائيل.. بس بدي بلدي تصير أحسن بلد.. ليش الضرب.. ليش الاعتراض حرام.. بعمرك سمعت مباراة كرة قدم فريق واحد بس.. و لا بحر مد بلا جزر.. و لا شتوية بلا صيف.. الحياة دائما تستند على كتف الاختلاف، مافي بلد بيتطور و لا بيتقدم إذا ما كان فيه عالم عم بتعترض...
- يا ( جحيش) تعالوا خدوا هالأجدب..إذا جامعي و عندك مكتبة (بتجلطني) يعني.. لك (حيوان ) أنا عربي ما بفهم لتحكيلي حكي تنظير وفلسفة.

كفين و (لبطة) ختم بهما الحوار (الحضاري) الذي أودى بخمس سنوات لاحقة، و بكل ما تبعها:

فعندما خرج " جزرة" كان قد أصبح (مشموساً).. زوجته التي طلبت الطلاق بعد عام واحد من سجنه، كانت قد غادرت البلاد كلها مع طفلين لم يعود لهما منه إلا اللقب..
أصدقاء كانوا يضجون في لياليه الصيفية في تلك المكتبة أيضاً ابتعدوا بخوفهم على مستقبلهم و على أطفالهم..
و( الضيعة)التي انتمى إليها كانت قد نبذته خوفاً ايضاً...

كان "جزرة" يمشي في شوارع اللاذقية بين برك المياه المتجمعة في تكتلات على الشارع في ليلة ماطرة.. عندما شاهد " بهجت" .. تسّمر في مكانه للحظات، ثم اقترب بهدوء خطوة فخطوة.. بركة مياه كبيرة وقفت بينهما.. وقف على حافتها.. قال في نفسه:( ضروري نكون في الشتاء.. كيف بدي اقطعها هي..)، ثم بدأ بالصراخ:

- عوايني.. عابد القرش.. حقير.. يا ناس اللي بيحب يشوف حدا قليل أصل ينزل ...
كان " بهجت" قد أدار ظهره و أسرع بالمسير بينما صوت " جزرة" يلاحقه كظل ثاني.. ظل برتقالي واضح:

- يا "عوايني" لو كنّا في الصيف لكنتَ تسببت في سجني مؤبد.. يلعن أخت الطبيعة ليش ما بتلعن أنفاس المعارضة الفصليّة!!
**********


المفصل:

كللت سياسة( التعذيب و الاعتقال ) الحلّ الأمني في مواجهة الثورة السورية بالفشل.. و تسببت في مزيد من الزخم للثورة، و مزيد من انقلاب الناس الموالين إلى الصمت، و الصامتين إلى النطق.

طبيبة زميلة لطالما تغنت بأمن سوريا و استقرارها.. و كانت ممن يقول بنظرية (كل مين عم يتظاهر هو حثالة و ابن شوارع) وقفت صامتة أمام اعتقال المثقفين و الفنانين، و الذين كانوا – لمحبة القدر- من كل الطوائف و القوميات.. يعني( تشكيلة سوريّة ) بترفع راس كل من غادر سوريا بحثاً عن التقدم العلمي و لقمة العيش...

قال لها صديقنا "علي" :
نحن جميعاً (ولاد شوارع) سوريا.. الله يخليك بلا تقسيمات جديدة.. حاجتنا عندنا كتير!
إذا استمرت سياسة الاعتقال و القمع سيصبح المستقبل خطيراً على (ولاد العز) و لسنا نضمن جميع هؤلاء (الحثالة) بما فيهم أنا شخصيّاً.. قد أستيقظ و أجد نفسي( آكل لحوم بشر)..الجور يعلم الفجور...
**********

خارج سياق:


(في الأول من شهر (أيلول) عام 1920 أعلن الجنرال الفرنسي "هنري غورو" تقسيم سوريا إلى أربع دول على أسس( مذهبيّة) هي دول: دمشق، حلب، اللاذقية، و جبل العرب، إضافة إلى (سنجق) خاص هو "لواء اسكندرون".. غير أن المظاهرات اندلعت في البلاد، و لعلّ أبرزها ثورة "صالح العلي"، و ثورة "ابراهيم هنانو".. بالإضافة إلى الاضراب العام في دمشق و الذي أدى إلى تشكيل (الاتحاد السوري)..).
هذا ماحدث في البعيد.. اليوم سوريا مقسمة مذهبياً و إذا لم يسعفنا التصميم ب "صالح علي" و " ابراهيم هنانو" سيتمكن الظلم و الاستبداد من إحداث كراهية تملأ الحدود، تقتل الوطن..و تجرم بحق أولاده...
سوريا الوطن الذي فتح أبوابه يوماً للعثمانيين ليرتاح من حكم مملوكي ظالم و فاسد، ثم فتح أبوابه للفرنسيين ليرتاح من حكم عثماني مستبد ..لن يكون وطننا الثائر في زمن العولمة إن لم يقرأ له أولاده تاريخه.. إن لم يقفوا معاً في وجه الاستبداد و الظلم، و في وجه التدخل الأجنبي أيضاً...

إن الحل الأمني الذي لجأ إليه النظام في سوريا لن يكون ذو أثر على تقسيم الوطن مذهبياً و تكريس الكراهيّة بين أبناء الشعب الواحد و حسب.. بل إنّه سيكون من الخطورة بأن يذهب بالبلاد كلها كلقمة سائغة لحروب أهليّة و حلّ يأتي على كتف (الحلفاء)..(كالمستجير من الرمضاء بالنار).
***********

خارج سياق آخر:

مرفوضان تماماً: الفكر الوهابي الذي يجرّم الآخر، و الفكر الأقلوي الذي يرتعب من أي آخر.. حيث أنّ الفكر( الوهابي) يقابله دوماً فكر (أقلويّ) يعاكسه بالاتجاه و يماثله في الكارثيّة.. الاثنان لا يصنعان وطناً)...
و ليس (الأقلوي)- كما يشاع – من ينتمي إلى أقليّة عدديّة، بل هو من يسكنه الخوف بسبب هذا الانتماء، و يعتقد مستنداً على معلومات مغلوطة، و ناقصة.. و تاريخ ( كتبه السياسيون ) أنّ هذه القلة العدديّة ستكون السبب في ظلمه و عَوزه...
و نذكر على سبيل المثال هنا " سلطان الأطرش" الذي انتمى إلى أقليّة عددية، لكنه قاد الثورة السوريّة الكبرى ضد الفرنسيين، و لم يملك "فكر أقلوي" مطلقاً مما جعله يرفض زعامة دولة في جبل العرب للدروز مقابل إيقافه للثورة..رافعاً شعار: (الدين لله و الوطن للجميع)..و تسبب هذا العظيم –و أمثاله- في تاريخ سوري مشرّف...
**********

ليست نهاية:

احترت بين شتى أنواع (الشتائم) و (السباب).. قررت أن أتعلم قاموساً منها لأرى كيف تمثل ملاذاً يفرغ فيه الحزن قبل الغضب جلّ محتواه...

أما ما لن أتعلمه فهو التصفيق.. لا أريد أن أصفق لأحد لا موالي و لا معارض.. و لن أصفق أيضاً لرؤساء الدول، ولا للقادة الذين تحتم مصالحهم السياسية و الشخصية أقوالاً و افعالاً محددة.
إن كانت الثورات ستحطم فكرة الصنم و التقديس فلتذهب بها إلى غير رجعة.. عندها سنكون جميعاً (ابراهيم) و سنحطم جميع أصنام الدنيا.. و نمنع التصفيق...
جميع من يرى في دماء السوريين حلاً لأزمة سنكسر صنمه معارضة كان أم من الأبواق.. جميع من يطلب إعادة التاريخ سنحرق صنمه..لا يد خارجية لتشوّه "سوريانا".

يبقى ذلك النوع من التصفيق الذي يجيده الأطفال.. يدهشون فيصفقون...

سنرتدي سنوات طفولتنا التي نسيناها و نحن نركض وراء الحياة، لنصفق للشعوب التي كسرت طوق الخوف حول أعناقها الحرة.. و أعادتنا إلى الحياة.

يتبع...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحية إلى : لمى محمد
أحـمـد بـسـمـار ( 2011 / 8 / 25 - 09:57 )
سـيدتي الرائعة
أتابع ما تكتبين في شتى المواضيع الأدبية والبسيكولوجية والوجودية والسياسية باهتمام.. ولكن مقالك هذا اليوم فاق بالإبداع والبساطة والحقيقة كل ما كتبت في الماضي..
يا سيدتي سوريانا في خطر.. تابعي رجــاء........
ولك مني كل المودة والاحترام.. وأطيب تحية صادقة مهذبة.
أحمد بسمار مواطن عادي بلاد الحقيقة الحزينة


2 - رد بسيط للسيد عبدالله الحوراني
أحـمـد بـسـمـار ( 2011 / 8 / 25 - 17:55 )
أشكرك على لغتك ولفظك, وأفهم إمكانياتك التعبيرية المحدودة التي فجرتها على الفيسبوك. ولكنني اؤكد لك بأنني لست علويا ولا أنتمي لأي مذهب طائفي. لهذا كلماتك الحاقدة ضاعت هباء. بالإضافة ـ إن كنت تفهم ـ لست مؤيدا على الإطلاق للسلطة, ولا لهذه المعارضة الغبية الطائفية التي تمثلها.. وبوجود أمثالك يزداد قلقي وخوفي على سوريا, نظرا لازدياد الغباء والتعصب الطائفي, بديلا عن الحريات العامة والتآخي والديمقراطية التي نحتاجها.
آمـل أن تفهم هذه الكلمات... وإن لم تفهمها.. بــســيــطــة!..........
مع كل اعتذاري من السيدة لمى محمد.
أحمد بسمار مواطن عادي بلاد الحقيقة الحزينة


3 - ملاحظة ضرورية
أحـمـد بـسـمـار ( 2011 / 8 / 25 - 18:54 )
وهل كان تهجم السيد عبدالله الحوراني الفيسبوكي الطائفي والإثني الشارعي, قابلا للنشر. أم أن الحوار )المتمدن بدأ ينحاز بشكل مفتوح ضد أسمي وحيادي وآرائي الواضحة الصريحة...لذلك يرجى نشر ردي له بلا قيد أو شرط.
مع اعتذاري مرة أخرى للسيدة لمى محمد.
أحمد بسمار مواطن عادي بلاد الحقيقة الحزينة


4 - يــرجــى الــنــشــر
أحـمـد بـسـمـار ( 2011 / 8 / 25 - 19:35 )
يــرجى الــنــشــر :
رد بسيط للسيد عبدالله الحوراني
أشكرك على لغتك ولفظك, وأفهم إمكانياتك التعبيرية المحدودة التي فجرتها على الفيسبوك. ولكنني اؤكد لك بأنني لست علويا ولا أنتمي لأي مذهب طائفي. لهذا كلماتك الحاقدة ضاعت هباء. بالإضافة ـ إن كنت تفهم ـ لست مؤيدا على الإطلاق للسلطة, ولا لهذه المعارضة الغبية الطائفية التي تمثلها.. وبوجود أمثالك يزداد قلقي وخوفي على سوريا, نظرا لازدياد الغباء والتعصب الطائفي, بديلا عن الحريات العامة والتآخي والديمقراطية التي نحتاجها.
أمل أن تفهم هذه الكلمات... وإن لم تفهمها.. بــســيــطــة!..........
مع كل اعتذاري من السيدة لمى محمد
أحمد بسمار مواطن عادي بلاد الحقيقة الحزينة


5 - رسالة للحوار
أحـمـد بـسـمـار ( 2011 / 8 / 25 - 19:59 )
نظرا لأنكم تمنعوني من التعبير للدفاع عن كرامتي وحريتي, وحتى ترفضون تشكيل لجنة تحكيم. سوف أرسل نسخا من هذا الخلاف المخنوق وخفاياه الظاهرة والمخبوءة إلى جميع المراسلين الذين أعرفهم ـ عبر الأنترنيت وغيره ـ في أوروبا وأستراليا وإفريقيا والولايات المتحدة وكندا, حتى أعلمهم بالممنوعات والتحيزات التي ألاقيها في الحوار (المتمدن) وعليهم أن يحكموا.............................................
مع أطيب تحية مهذبة لجميع قارئات وقراء هذا الموقع.
أحمد بسمار مواطن عادي بلاد الحقيقة الحزينة


6 - لغة جميلة تمتزج بقضية نبيلة
فيصل البيطار ( 2011 / 8 / 26 - 22:07 )
لغتك جميلة سيدتي خصوصا عندما تتناول قضايا شعب مظلوم ...
تحية لك ومن خلالك لإنتفاضة شعب يسعى لتحرره الثان .


7 - أجمل ما سمعت في الثورة السورية
ابوشريف ( 2011 / 9 / 3 - 23:12 )
أحسنت يا دكتورة

ليت فعل الأقلام ينجح بعشر ما تنجح بفعله البنادق ، وليت جريان الحبر يجرف عشر ما تجرفه الدماء ....ـ

اليوم أنت آخر من يهتم الناس لحديثه ، لأن في كلماتك الحل ... ولا أحد يكترث بالحل
فالكل يدعي بأن لديه خطة ... وخطته هي الحل ـ

اخر الافلام

.. الفنان عبدالله رشاد: الحياة أصبحت سهلة بالنسبة للفنانين الشب


.. الفنان عبدالله رشاد يتحدث لصباح العربية عن دور السعودية وهيئ




.. أسباب نجاح أغنية -كان ودي نلتقي-.. الفنان الدكتور عبدالله رش


.. جزء من أغنية -أستاذ عشق وفلسفة-.. للفنان الدكتور عبدالله رشا




.. الفنان عبدالله رشاد يبدع في صباح العربية بغناء -كأني مغرم بل