الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في متعةِ الحيرة

محمد علي ثابت

2011 / 8 / 25
الادب والفن


عفواً سيدي، أنا لا أقصد أي إهانة، لكن..

ثم أكملتُ كلامي

محاولاً ألا ألتفتُ مباشرةً إلى عينيه

وألا أكْثِرُ من النظر، عبر النافذة المجاورة

إلى أطفالٍ كانوا يلعبون بمنتهى الحرية

وإلى شمسٍ كانت تحاول التمسك بآخر فرصة لها في السطوع

وإلى اللاشيء، ذلك الكائن الأثير عندي الذي لطالما أولعتُ به

..

المهم أني أكملتُ كلامي

وهو لم يُجبني إلى طلبي، ولم يصدق أني حقاً ما كنتُ أقصدُ إهانته بذاك الطلب

لكنه – على أية حال – لم يطردني كآخرين

بل انتظرَ حتى أكملتُ كلامي

ثم أشاح بوجهه عني

وفهمت أنا مغزى رسالته جيداً، وعلى الفور

كأني كنتُ أعرفه دوماً، منذ أبد الدهر

وانطلقتُ إلى حال سبيلي

..

وفي الطريق، وجدتُ الساحة خلاء

أقصدُ تلك التي كان الأطفال يلعبون فيها

أظنهم كانوا يلعبون الاستغماية

وجدتها خلاء منهم ومن أي كائن

ووجدتُ كذلك الشمس قد غابت وكُتبتْ لقصتها لهذا اليوم النهاية

لكني، كالعادة، وجدت صديقي الأثير.. اللاشيء

وجدته بانتظاري على رصيف الشارع الموصل إلى حيث يبدأ الطريق نحو ذلك الآخر

الذي يقضي ترتيب الأسماء في القائمة المفروضة عليَّ بأن أزوره لاحقا

وقد صاحبني في رحلتي إليه

وظَلَّ يحدثني طيلة المشوار عن معانٍ ملتبسةٍ عدة

ولاستمتاعي بصُحبته وبحِيرتي بسببه، هان عليَّ طول المدة

ولحسن حظي وحظه، لم يلق عليَّ أسئلةً جديدة

هل النفوس في لحظات الحيرة تتألق، والعقول تصبح بليدة؟

لا أدري

لقد وصلتُ إلى الرجل الآخر، الأخير على قائمتي لليوم.. هذا هو المهم الآن

وتركتُ صاحبي على رصيف مشابه

فكل الأرصفة في عصرنا تتشابه

والناس حتى يبدون، من نواحٍ عدة، كالأرصفة

وصعدتُ إلى حيث يجب أن أصعد

وطرقت باباً جديدا، حديدياً

وفتح الباب وجهٌ ملائكيٌ كاذبٌ جديد

وعرضتُ نفس المطلب على رجل آخر

أقصدُ على سيدٍ آخر لبيتٍ آخر

وحين أصابه الضيق من كلامي، ألقيتُ على مسامعه نفس الحيثيات

وقمتُ بنفس الاستدراك السخيف

يبدو أنني أصبحتُ محترفاً في تبرير ما لا حاجة إلى تبريره

وفي طلب أمورٍ الأصل فيها أن تُمنح لأمثالي تلقائيا

لكن غضبه كان أشد من غضب سابقه

فطردني طرداً صريحاً

وقال للملاك الكاذب: عليك أن تلاحقه

وهو ما لم يفعله الخادم الكاذب

وفي طريق نزولي جلستُ لبُرهةٍ على كرسيٍ مريح

بين طابقه وبين الأرض

واكتشفت، حين وطأت قدماي الأخيرة

أنني عند الرجل الآخر لم أنظر عبر النافذة

أو ربما لم تكن ثمة نافذة عنده في غرفته الكئيبة

واكتشفتُ أن الليل قد أرخى سدوله كافة على منطقة شديدة الهدوء

لا أطفال كانوا يلعبون الاستغماية

ولا حتى في السماء كان القمر

هي ليلةٌ ليلاء

حزينة

ووجدتُ صاحبي على الرصيف

هو أوفى الأوفياء لي في رحلتي

لا يفارقني أبدا

ولا يخلف لي وعدا

لا يحتاج إلى مقدماتٍ أو حيثيات

لا أحتاج أمامه إلى الاستدراك

فقط أحتاج إلى استطرادات عدة في كل دقيقة

خصوصاً حين يسائلني بشغف

وحين يباغتني بأسئلة جديدة

لا يتمرد عليَّ ولا يتكاسل عن مصاحبتي في غزواتي الفاشلة

وأقصى ما بوسعه إتيانه من اجتراء

هو أن يعبر نهر الطريق

أتركه على هذا الجانب، ثم أصعد

وحين أنزل، أجده على الجانب الآخر

يحاول استكشاف كُنه الأسئلة هناك

ولا يراودني شكٌ في أنه سيكون معي غداً، حين أزورُ رجلاً آخر

سينتظرني بالأسفل

وسرعان ما سأنزلُ إليه بخُفي حنين

ثم أنظرُ في القائمة من جديد

..

وعندما استيقظتُ، بغتةً، في تلك الليلة من نومٍ عميق

وقمتُ لأحتسي بعض الشراب

أو لأغتسل، قبل أن أواصلَ النوم

راودني سؤالٌ حاد: لماذا لا يصعد صاحبي معي إليهم؟؟

ثم أعقبه سؤالٌ أحَدّ: ومَن عساه أن يكون أصلا؟؟

وما استطعتُ إكمال نومي أبدا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي