الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انتخابات ديموقراطية بأحزاب غير ديموقراطية

عدنان فارس

2004 / 11 / 29
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


في ظل ظروف انهيار الدولة البعثية وانشغال مؤسسات الحكومة العراقية الحالية باعادة بناء وترميم الهياكل والأطر لدولة جديدة تقوم أساساً على خدمة المواطنين والتي من شأنها في هذه المرحلة توفير الأمن والخدمات الاساسية وتحقيق الحد الادنى من الاستقرار السياسي وقطع الطريق بوجه ازلام النظام البائد ومحاولاتهم النيل من الانجاز التاريخي الضخم المتمثل باسقاط سلطة البعث كرمز للاستبداد والاعتداء المنظم والمتنوع على حقوق المواطنين.. إضافة الى الضعف الكبير في هيكلة وتنظيم غالبية الاحزاب العراقية المساهمة في العملية السياسية وكذلك الضبابية في رؤى وطروحات هذه الاحزاب وخاصة الاسلامية منها، شيعية كانت أم سنية، في ظل هكذا ظروف لايملك الشعب العراقي ولا حكومته الحالية اية إمكانية واقعية ومنطقية للحديث عن إجراء انتخابات عادلة حرة نزيهة تعبر عن طموح العراقيين في إرساء وبناء البديل الديموقراطي.. في ظل هكذا ظروف لايمكننا حتى الحديث عن تحديد موعد، قريب او بعيد، لإجراء الانتخابات.
الانتخابات هي بداية طريق جديدة نوعياً وإن الأهمية التاريخية لهذه البداية تفرض على العراقيين شعباً وحكومة وأحزاباً تهيئة المستلزمات المطلوبة لجعلها بداية موفقة تفتح الباب على مصراعيه أمام الشعب العراقي لمواصلة طريق البناء الديموقراطي بثقة ونجاح. الانتخابات التي ينشدها الشعب العراقي ويتمناها له أنصاره وأصدقاءه لاينبغي أن تكون تمهيداً لتأسيس عراق طائفي عشائري مناطقي يُفرغ عملية اسقاط الديكتاتورية من محتواها الحقيقي ويُفقد الشعب ثقته بالتضحيات الجسام وبالجهود الجبارة التي بُذلت بسخاء من قبل العراقيين وحلفائهم في كسب الحرب وتحقيق الانتصار على صدام وبعثه كآخر حلقة في سلسلة أنظمة الاستبداد والديكتاتورية. لا نريد انتخابات يعتمدها البعض من أجل إثبات وجود طائفي خاص وعلى حساب بقية الطوائف أو هيمنة طائفة ضد طائفة اخرى والتالي تقود الى تحقيق وصاية حزبية ضيقة تشرعن الاستبداد السياسي.
ان الذين أصبحوا، فجأةً وبقدرة قادر، (انتخابيون) و( ديموقراطيون للكشر) ويُزايدون الآن على استعجال الانتخابات فإنهم وبكل وضوح يريدونها الانتخابات الاولى والأخيرة في العراق.. إن العداء المسلح و(السلمي) للديموقراطية في العراق الجديد يتجلى، من جانب، في رفض الانتخابات جملة وتفصيلاً انطلاقاً من لا شرعية المساس بالحق السني (المقدس والأزلي) في الحكم، ومن جانب آخر في استعجال الانتخابات إنطلاقاً من الحرص على استغلال النقمة الشيعية ضد جرائم النظام السابق ومن اجل إحراز مكاسب طائفية ضيقة.. رجالات هذين الجانبين من شيوخ الاسلام (الشيعي والسني) وشيوخ العشائر (السنية والشيعية) يعاودون كرّتهم غير المحمودة في (ثورة العشرين) التي فتحت أبواب جهنم بوجه الدولة العراقية الحديثة في 1920 لأغراض ومقاصد مليئة بالعداء والحقد على تحرّر وتحضّر الشعب العراقي...
إن الانتخابات التي يصبوا اليها الشعب العراقي هي تلك الانتخابات التي تقود الى إرساء وبناء عراق متحضّر تعدّدي ديموقراطي فيدرالي موحد.. وهكذا انتخابات تتطلب أول ماتتطلبه إمتناع المرجعيات الدينية لمسلمي العراق، شيعية كانت أم سنية، من دنس أنفها في مالا يعنيها.. ومثلما للشعب العراقي مرجعيات دينية تهتم وتعنى بالشؤون الدينية لطوائفه فإن لهذا الشعب مرجعيات سياسية مسؤولة أمام عموم الشعب العراقي عن سلوكها ومدى جدارتها في قيادة الدولة والمجتمع في هذه المرحلة.
إن تدخل رجال الدين الاسلامي العراقيين بالشؤون السياسية وبالطريقة التي تفوح منها رائحة النصب والعداء الطائفيين قد وفر الحجة بيد (فقهاء وعلماء) الارهاب الاسلامي من خارج العراق أن يحرّضوا على الارهاب ضد الشعب العراقي ويفتوا بقتل العراقيين ومن يناصرهم في بناء عراقهم الجديد.. وهاكم ملالي ايران و (اتحاد علماء القرضاوي العالمي) نموذجاً... ان الذي يجري في العراق الآن هو استبدال نظام سياسي قمعي استبدادي تعسفي بنظام سياسي ديموقراطي حر يحترم ويصون سيادة وحقوق المواطنين ومن ضمنها شعائر وطقوس اديان وقوميات الشعب العراقي وليس محاربة دين ما أو استبداله بدين آخر كما يدّعي البعض ويُغالي في كذب الادّعاء من الذين نصّبوا أنفسهم أولياء الله على العراق وعلى أهله بأنهم يدافعون عن الاسلام والمسلمين!!.. لانريد احراج مثل هؤلاء بالسؤال: أين كنتم عندما جرّد نظام صدام وبعثه الاسلامَ والمسلمين من كلّ حرمة وكرامة وحق، بل وأين أنتم الآن من جرائم أزلام البعث المندحر وجرائم الارهابيين الاسلاميين ومن (مختلف) الملل وفي مختلف مناطق العراق!!.. هل أقمتم (صلاة الغائب) ولو لمرة واحدة على أرواح ضحايا عملية واحدة من مئات العمليات الارهابية الجارية الآن ضد الشعب العراقي على مدى أكثر من خمسة عشر شهراً؟... ايران بدأت تصرف مئات الملايين من الدولارات لشراء استمارات الانتخاب والذمم من اجل التأثير على نتيجة الانتخابات... العراق مُخترق أمنياً وسياسياً.. فلماذا الاصرار على الانتخابات (الآن) وضمن حالة الاختراق هذه؟
ان أعداء العراق الجديد والمتمثلين ببقايا النظام السابق وحلفائه من أنظمة وتنظيمات الارهاب الرابضين في داخل العراق وعلى حدوده قد أجبروا الحكومة العراقية الحالية على فرض حالة الطواريء كإجراء لابد منه من أجل محاصرة الارهابيين وتطهير أرض العراق من شرورهم ومما يرتكبونه من جرائم ضد حياة المواطنين وأمن الوطن ومن أجل اصطياد المتسللين من البعثيين وعملاء ايران الى مراكز النفوذ في السلطة الجديدة وتأمين سلامة الموارد الاقتصادية للدولة وتأمين ما يحتاجه المواطنون من امور خدمية وإدارية يومية و ضرورية. هل سمع أحدٌ منا بانتخابات يُراد لها أن تكون حرة وعادلة ونزيهة تجري في بلد يحكمه قانون (السلامة الوطنية)، الطواريء!! هذا القانون الذي انتقد الشعبُ حكومتَه لتأخرها في تطبيقه!؟.
بالاضافة الى جرائم أزلام النظام البائد وحلفائهم فإن الاضطهاد ( الطائفي والاجتماعي) المتفشي الآن في العراق وعلى مرأى ومسمع وأحياناً برعاية الاحزاب والمرجعيات الاسلامية يجعل من أبسط الحقوق المدنية للمواطن العراقي ناقصة ومنتهكة أو مُنعدمة.. فما بالنا بأكثر الحقوق تعقيداً ألا وهو حق الانتخاب.. المواطن العراقي يحصل على حقه في الانتخاب السياسي في ظل ظروف استتباب الأمن وتوفر الخدمات الاساسية والانضباط الإداري... تدهور الوضع الأمني والتسيب الاداري يعيقان الآن حتى من إجراء إحصاء سكاني في العراق.. فبأي منطق نتحدث عن إجراء انتخابات ضمن هذا الوضع!؟
ينبغي لنا التأكد والتوثق من أن الحديث عن الانتخابات وموعد إجرائها هو حديث منطقي ومخلص وحريص على ارساء وتوطيد أسس البناء الديموقراطي في العراق الجديد .. نطالب الاحزاب العراقية (الرئيسية) الضالعة في العملية السياسية بأن (لا تستعجل) الانتخابات و تزايد على حقوق الشعب وطموحاتة وأن لاتستغل توقه للديموقراطية كي تبني هي لنفسها كيانات حزبية طائفية وفئوية ضيقة على حساب المصالح العليا للشعب العراقي والمتمثلة في تشييد عراق حر ديموقراطي فيدرالي موحد.
ان بناء الديموقراطية في اي بلد في العالم بحاجة الى أحزاب وتنظيمات ديموقراطية (....) أو على أقل تقدير قيادة (مؤقتة) تؤمن غالبية أعضائها بالديموقراطية تأخذ على عاتقها مسؤولية توفير الاجواء السليمة والصحية الملائمة كي يمارس الشعب حقه في الاختيار الحر الديموقراطي.. علينا نحن العراقيين أن لا ننسى أن مستلزمات التحرر من نظام صدام وبعثه لم تُستكمل بعد وأن دولتنا الجديدة لم يُستكمل إرساء أُسسها بعد وأننا لازلنا بحاجة الى حماية من القوات متعددة الجنسيات.. وأن أحزابنا (الرئيسية) فحدّث ولا حرج عن عدائها للديموقراطية وعن ولائها للطائفة قبل الوطن والمواطنين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المحكمة العليا الإسرائيلية تقرر بالإجماع تجنيد الحريديم | #غ


.. مظاهرة في مارسيليا ضد مشاركة إسرائيل بالأولمبياد




.. الرئيس السابق لجهاز الشاباك: لا أمن لإسرائيل دون إنهاء الاحت


.. بلا مأوى أو دليل.. القضاء الأردني: تورط 28 شخصا في واقعة وفا




.. إيران تشهد انتخابات رئاسية يوم الجمعة 28 يونيو والمرشحون يتق