الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاعلام الرسمي والتلاعب بالعقول

صبر درويش

2011 / 8 / 26
مواضيع وابحاث سياسية



إن لجنون القتل, والنفاق الإعلامي المرافق له, ما يبرره, فالأشباح السوريون, لم يعودوا أشباحاً, أصبحوا ماهيّات تقرر وتفعل ما تقرره, وهؤلاء الأشباح ذاتهم كانوا قد قرروا، عبر انتفاضتهم, أن يتحولوا إلى مواطنين, إي إلى كائنات بشرية, تعرّف بفاعليتها وبقدرتها على ترجمة هذه الفاعلية التاريخية. وهو حدث مفاجئ حتى لأكثر العقول السلطوية شطحاً بالخيال. من أنتم؟ يردد الصوت السلطوي مردداً صدى جاره الليبي. ألم أقتلكم عبر أربعين عاماً؟ بلى قتلتنا بيد أنك نسيت أن تدفن أحلامنا, وأنت اليوم تقاتل حلمنا الجمعي, وتجلياته على الأرض.
منذ ما يقرب من نصف قرن, ونحن محكومون باللون "الأوحد", وهو لون على مرّ العصور, كان يقصي, ليس مجرد الجمعي والمختلف وحسب, وإنما حتى الواحد والمتميز. لم نكن محكومين بسلطة الزعيم الواحد, والحزب الواحد واللغة الواحدة... كنا محكومين بسلطة الأوحد المتفرد, الذي يقترب من الإله حتى تلك الدرجة التي يصبح فيها الإله ذاته نافلاً.
في سبيل تحقيق ذلك, كان لابد من توظيف كل الهياكل المتاحة من أجل تحقيق هدف واحد ووحيد: أن يستمر الأوحد في سدة السلطة, وأن يقتنع "الآخرون" أنهم لا يعدون كونهم نوافل!!.
في معادلتنا هذه, لعب الإعلام دوراً محورياً, وكان على هذا الإعلام أن يتحول إلى مسخ, أو بالأحرى إلى مصنع يسعى إلى إنتاج المسوخ. فالمسألة هنا ستتجاوز مقولة التلاعب بالعقول المعتادة, لتحل محلها فكرة "تصنيع العقول".
وبالتعاون بين المؤسسة الإعلامية ورديفتها المؤسسة التعليمية سيتم الأمر. فلم تسعَ هذه الأخيرة, عبر كل السنوات الماضية, وعبر كل هيئاتها المختلفة, سوى إلى تقديم طريقة في التفكير تعلم الأجيال المقبلة عدم التفكير. هنا سيتم التأسيس لما يدعى بالذهنية الدوغمائية, التي تقوم على التكرار والتلقي, بالضد من الابتكار والإبداع, المرادف الطبيعي للتفكير الحر. فالإبداع وفق هذه الرؤية سيشكل خطراً قومياً على نفسية الأمة الواهية أصلاً.
وعلى الرغم من ركاكة اللغة المستخدمة إعلامياً وتكرارها حتى السأم, إلا أنها تمكنت من أن تؤدي دورها, وتنجح في إقناعنا بأننا أشخاص –نوافل, نلعب دوراً مصمماً لنا ومسبقاً, وليس علينا وفق هذا الدور سوى الانصياع.
وفي الوقت الذي استكان فيه النظام لانتصاره السهل والمؤقت كان ينمو تحت السطح شيء يقال له الغضب. بدأ الأمر كله عندما حاولت إحدى المدن الخروج عن السرب– القطيع الاجتماعي؛ وبدأت بمساءلة البداهات؛ وكان الأمر كله يدور حول سؤال بسيط: إلى متى؟؟ ولم تتأخر باقي المدن, المحاصرة حينها بلغة الخطاب الركيك, عن الانضمام إلى ما بات يعرف بالثورة السورية. كما أن الخطاب الرسمي وشبه الرسمي لن يتأخر في الرد أيضاً؛ دبابات على الأرض, تشَيع لغة النار, وخطاب إعلامي لا تنقصه السفاهة في توصيف ما يجري على الأرض.
بضع موتورين, سيقول الإعلام الرسمي, مندسون– وهي المفردة الأكثر شيوعاً- سيكرر, إرهابيون سينعت من خرج إلى الشارع طالباً الحرية. بيد أن مهمة التلاعب بالعقول لن تجدي نفعاً هذه المرة, فكان لابد إذن من تسخيف عقول السوريين والتقليل من شأنها, عبر سلسلة لا متناهية من المسرحيات المفبركة بطريقة تثير القرف من شدة ابتذالها, أكثر مما تثير من الاشمئزاز.
استمناء إعلامي, كما يجب أن نسميه, يلتقط الحدث المفبرك داخل أقبية التحقيق, الملوث بجنون القتل, ويعيد صياغته وفق قواعد اللغة الركيكة, ليخرج للعالم حدث- مسخ, يعبر عن الموقف الوطني لأسياد الوطن. وماذا تريدون وضوحاً أكثر من ذلك, يقول الإعلام الرسمي؟ لا شيء, فالجريمة- المشهد كاملة المواصفات والوضوح ولا تعليق على سوء الإخراج.
إذ سريعاً سيتحول الإعلام السوري من متلاعب بالعقل إلى إعلام كاذب متلاعب بالحدث ذاته. تقوم مهمته على إنكار ما يجري على أرض الواقع, وتزييف الحقائق دون الالتزام حتى بقواعد التزييف.
واختار الإعلام السوري الرسمي بملء أرادته المشاركة في صياغة الجريمة التي ترتكب في حق التاريخ، وتحول من سلطة إعلام إلى إعلام سلطة. واستمر في الكذب حتى بتنا نحن، الإعلاميين السوريين، نخجل من صفتنا كإعلاميين. فالكذب أصبح صفة ملصقة بالإعلام بشكل عام، وبالإعلام السوري بشكل خاص، فكان لا بد والحال كذلك من إعلام مضاد, يسعى إلى المشاركة فيما يجري. وهنا بالضبط ستسقط مقولة الحياد العالقة بسمعة الإعلام, إذ وفق ما يجري على الأرض لم يعد من إعلام محايد, فالإعلام بكل أشكاله وتجلياته متورط بما يجري, فالحياد راح ينطوي في هذه اللحظة بالتحديد على فعل خيانة, خيانة للدور المناط به, في أن يعكس الواقع كما هو وليس كما تشتهي الكاميرا أن يكون. إذ لا أحد اليوم يجهل ما يجري على أرض الساحة السورية؛ كل شيء بات واضحاً حتى للعميان. لذا لا يوجد اليوم من شيء في سوريا اسمه (حياد), فالحيادي اليوم يهمش ذاكرته وضميره.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما أهمية معبر رفح لسكان قطاع غزة؟ I الأخبار


.. الالاف من الفلسطينيين يفرون من رفح مع تقدم الجيش الإسرائيلي




.. الشعلة الأولمبية تصل إلى مرسيليا • فرانس 24 / FRANCE 24


.. لماذا علقت واشنطن شحنة ذخائر إلى إسرائيل؟ • فرانس 24




.. الحوثيون يتوعدون بالهجوم على بقية المحافظات الخاضعة لسيطرة ا