الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشباب يرسمون مرحلة جديدة

محمد أبوعبيد

2011 / 8 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


اليوم، لا يختلف اثنان على أن الشباب في العالم العربي بدؤوا يؤسسون لمرحلة جديدة، سماتها الحرية والحقوق الفردية والشعور بالانتماء للوطن. وهم دائما ما يدخلون في صدام مع الأكبر سناً لاعتقاد الأخيرين أنهم الأكثر وعياً. أتذكر، مثلاً، إبان الانتفاضة الفلسطينية الأولى، التي انطلقت أواخر 1987، كان كبار السن، في البداية، يقللون من شأن ثورة الحجارة في وجه جيش الاحتلال الإسرائيلي بعتاده وعديده، مرددين المثل الشعبي: "الكف ما بتقابل مخرز"، وبعد حين آمنوا بتلك الحجارة وصاروا يزودون قاذفيها بها.
اليوم، كأن المشهد يتكرر، لكن بإخراج مختلف. فليس الصدام هذه المرة بين الشباب ومن يكبرونهم سناً، وإنْ مسه شيء من ذلك، إنما بين فسطاطين كثيراً ما تشظى العرب إليهما، وهما أصحاب التحول السريع، وأصحاب اللاتحول. ولعل هذا الانشطار الثنائي هو الذي حدّ من قيام العرب بأي تغيير، بمعنى آخر نحن، العرب، لا نتمتع بطول النفس، وهذا ما بينته التفاعلات مع الثورات الحاصلة في أكثر من صقع عربي، فصار فريق من الناس يؤمن أن هذه الثورات لم تجلب سوى الفوضى، بكل معانيها غير المجازية، وهم فسطاط اللاتحول، وفريق آخر يريد قطف الثمار قبل أن تنضج، وهم فسطاط التحول السريع.
من بين هذين الفريقين نشأ فريق يعطي شهيقه وزفيره الوقت الكافي، ويدرك أن المرحلة صعبة وفي حاجة إلى الوقت الكافي حتى تنضج معالمها، ولعل هذا الفريق الناشئ هو الأكثر عقلانية لأسباب موضوعية، وفي مقدمتها الإدراك بأن "دمقرطة" الدولة هي بمثابة مخاض عسير، ولا ينتهي الأمر بمجرد الولادة، إنما هناك مراحل ما بعد الولادة، إلى أن يصبح الوليد قادراً على المشي وصولاً إلى مرحلة البلوغ والاستقلالية، وكذا تكون الديموقراطية التي ثار شباب العرب من أجلها.
إذنْ، ثمة فوضى تلت إسقاط بعض الرؤساء العرب، وسنشهد فوضى أكثر لاحقاً، بيد أن الفوضى علمياً هي مرحلة تسبق التشكل، ولعله من نافلة القول أن توصف بالهلامية التي منها يأخذ الجسم شكله، فحتى النجار تكون منجرته في حالة فوضى وهو يقوم بتشكيل خزانة. لذلك لا يجدر أن نتخذ مما هو سائد، مثلاً في تونس أو مصر، قولاً إداً لإثبات عبثية التغيير.
إن عقوداً من شمولية الحكم واستبداده، لا تنجلي بأشهر قليلة، ولا بسنة أو اثنتين، خصوصاً أن ممارسة الديموقراطية أمر لم يعتده العرب لأن الديكتاتورية موجودة في جينات العربي، إلا من ندر، وهذا جلي في الكثير من الأمثلة، كديكتاتورية الأب في بيته، أو جبروت الشاب تجاه شقيقته، وحتى في الحوارات حين يعتقد العربي أن رأيه هو الحقيقة المطلقة، دون أن يعي أن الآخر له رأي أيضاً، فإذا اختلف معه انقض عليه بالتجريح الشخصي. من هنا سنخضع لعدة اختبارات للتحقق من أننا في الاتجاه الصحيح أم لا، فبعد أن تبدأ مصر، مثلاً، في تشكيل جسمها الديموقراطي، قد ينشأ فريق من المصريين يعبّر عن حبه للرئيس المخلوع حسني مبارك، فإذا تم التعرض لهم سواء بالإيذاء اللفظي أو الجسدي، فهذا مؤشر سلبي، ومع ذلك لا يجدر الحكم السريع حالياً نظراً للعواطف الجياشة، وشعور الكثير من العرب بحالة ثأر نفسي ووجداني بسبب ما عانوه من استبدادية الحكم.
أولى بشائر المرحلة التي يرسم معالمها الشباب، هي أن الرئيس باتت محاكمته ممكنة وليست خيالاً دونكيشوتياً أو فصلاً من فصول رواية "أمام العرش" للراحل نجيب محفوط، وهذه خطوة أساسية من خطوات تأسيس الجمهوريات الحقيقية، التي يكون فيها الرئيس منتخباً لولاية أو اثنتين لا وريثاً، وأنه مُعرّض للمحاسبة أو الاستجواب، وبالتالي هو موظف في الدولة وفي خدمتها ومواطنيها، يتقاضى راتباً شهريا حتى وإن كان رأس الهرم السياسي.
فالكارثة التي حلت بالعرب هي حين اتخذ بعض الرؤساء وأهلوهم من الأوطان شركات خاصة يمتلكونها ويديرونها، وأن الناس مجرد موظفين عندهم لا مواطنين في أوطانهم، وأبلغ دليل على الكارثة هذه هو حين يخرج سيف القذافي إلى الليبيين بخطابات جوفاء وهو الذي ليس له أي منصب سياسي، فكونه نجلاً للرئيس لا يخوله أبداً مخاطبة أبناء شعبه.
إن هذا التغيير الحاصل سيعيد معنى "المواطَنَة" إلى سكتها وطريقها، فلا بد أن يشعر العربي أنه مواطن حقاً في وطنه دون التفكير بالهجرة إلى بلد يوفر له عيشة رضية، وأنه مشارك أيضاً في صنع القرار وأن حقوقه مصونة بكفالة القانون، وأنه حين الدفاع عن وطنه فإنه سيدافع عن ترابه لا عن رئيسه ونظامه. فالأميركي سواء كان أبيض أو إسبانياً أو أسود فإنه يذود عن وطنه الذي جعله مواطناً أميركياً بكامل الحقوق حتى لو كان له وطن منشأ.
في لجة الأحداث العربية يحاجج البعض أن ما يحدث هو مؤامرات غربية لتفتيت العالم العربي إلى دويلات، ولا عجب من تلك الأحاديث في ظل اعتناق الكثيرين منا لنظرية المؤامرة مستهينين بالدماء التي سفكت وتسفك من أجل الكرامة. لكنّ سؤالا قد يدهم المرء: هل عليه أن يرضى بأنظمة شمولية مستبدة بحجة عدم القبول بالدويلات الديموقراطية؟. ربما يفضل أحدنا غرفة في قصر يمارس حريته فيها، على القصر كله إن كان صاحبه يتحكم بشهيق وزفير مَن فيه، في حال تعذر الخيار الأول وهو جعل القصر واحة للحرية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحوثيون يعلنون بدء تنفيذ -المرحلة الرابعة- من التصعيد ضد إس


.. مصادرنا: استهداف مسيرة إسرائيلية لسيارة في بنت جبيل جنوبي لب




.. تصاعد حدة الاشتباكات على طول خط الجبهة بين القوات الأوكرانية


.. مصادر عربية متفائلة بمحادثات القاهرة.. وتل أبيب تقول إنها لم




.. بروفايل | وفاة الداعية والمفكر والسياسي السوري عصام العطار