الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة قصيرة : عند أمّ حازم

أحمد أوحني

2011 / 8 / 27
سيرة ذاتية


عندما أقرر الكتابة ، يحدث لي ما يحصل لمن لسعه زنبور أو نحلة ، أقفز من مكاني وأجري بحثاً عن الكراسة والقلم مخافة أن تهرب عني أفكاري وتفلت مني . هذه الليلة ، في غرفة الفندق ، النوم هو من تركني لتتجاذبني الذكريات المريرة ، أقف عند كل محطة ، أبتسم تارة وأكشر وأعبس تارات أخرى . وسط هذا الزخم من الأفكار ، عدت تلميذاً صغيراً في المرحلة الابتدائية أبحث عن شيء ما في انتظار رجوع النوم .

هذه المرة ، استحضرت صديقاً في الطفولة ، اسمه حازم ، اسمه يكفي ، لقد كان كذلك بالفعل ، فقد تعلم عني الأمازيغية بسهولة . والده كان قاضياً بالدائرة ، رجلاً أبيض ، طويلاً وأنيقاً . كان يرتدي بذلات ومعاطف متنوعة ، ابنه حازم كذلك ، ملابسه دائماً جميلة . أما أنا فلم أبرح جلباباً أسود وسروالاً وحيداً وحذاءً من نوع "سبرانت" SPRINT . من حين لآخر يعطف علي صديقي بشيء مما فاض عن حاجته . أحسست بصداقته لي ، فقد كان ينتظرني كل يوم عند مفترق الطرق للذهاب إلى المدرسة ، وتأكدت أكثر عندما حاول معلمنا نقله إلى طاولة أخرى وإبعاده عني فبكى لأول مرة . رأيته يبكي للمرة الثانية عندما تم نقل والده إلى مدينة أخرى وجاء يودعني وعيناه دامعتان . بكيت بدوري مرات عديدة على فقداني له وعلى أمه ، وبالخصوص على الأشياء التي كانت هذه السيدة تقدمها لي ، سيدة بيضاء محترمة ، هي أمي بعد تلك التي ولدتني ، حتى أنني كنت أحياناً أفضلها على من ولدتني .

كان السيد القاضي يستدعيني ويطلب مني أن أعلم ابنه الوحيد الأمازيغية ، ومن حين لآخر يمنحني مائة فرنك وهو مبلغ مالي مهم بالنسبة إلى واحد مثلي آنذاك ، عندما أجده عند باب المنزل الوظيفي ، أقوم بتقبيل يده ويمررها على رأسي ، فأشعر بشيء من العطف والاطمئنان ، وهي حركة لم يكن يفعلها والدي أبداً ، هو كان يمرر يديه فقط على الماعز والغنم والحمير والبقر .

في أحد الأيام ، قلت للسيد القاضي : " عمي ، أريد أن أصير ابنك ليكون حازم أخي " ابتسم وقال : " يا بنيَّ هذا غير ممكن ، ثم إن والدك لن يقبل أبداً " وسمعته يقول لزوجته : " هذا الولد يشكو من شيء دون شك " فأردفت قائلاً في نفسي :" نعم عمي القاضي ، أشكو الفقر والعوز" .
أما عندما أقبل يـد أم حازم فتقول لي : " هل أنت جائع يا ولدي ؟ "، لا أجيبها ، فالسكوت علامة الجوع ، فتكون فرصة لأكلة أبتلعها بسرعة وشره ونهم .
عند أم حازم جلست لأول مرة على الأريكة ، من قبل كنت أجلس على الأرض والحجر والحصير .
عند أم حازم شاهدت التلفاز لأول مرة ، في بيتنا كنت أشاهد الصندوق الخشبي الكبيرالذي كانت تخزن فيه أمي أغراضها .

عند أم حازم أكلت الخبز الأبيض ، في بيت أسرتي خبز أسود من الشعير لا يستسيغه الحلق .
عند أم حازم شربت المياه المعدنية والمشروبات الغازية وعصير البرتقال لأول مرة ، في بيتنا آكل البرتقالة وقشورها ، هي فعلاً مرة ، لكن معيشة أسرتي أمر منها .
عند أم حازم أكلت الموز والتفاح والتوت الأرضي و... و... و...
على يد أم حازم تعلمت أشياء كثيرة في الحياة .
الآن ، تحيتي واحترامي للسيد القاضي ،
الآن ، تحيتي واحترامي للسيدة أم حازم ،
الآن ، تحيتي لصديقي المجهول حــــــــــــازم .
ذ.أحمـد أوحنـي - أفـورار - المغرب
مراكش في : 10-4-2011








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تقصف شحنة أسلحة تابعة لحزب الله على الحدود اللبنانية


.. ممثلة إسرائيل: لن نسمح لحماس بإعادة تجميع قدراتها| #عاجل




.. جولة بلينكن.. جهود أميركية مستمرة من أجل التهدئة| #غرفة_الأخ


.. واشنطن والرياض.. اللمسات الأخيرة لمعاهدة أمنية تشمل التطبيع




.. مجلس الأمن يتبنى -مشروع بايدن- لوقف إطلاق النار في غزة