الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأساس الروحي للمجتمع

امال رياض

2011 / 8 / 27
حقوق الانسان


في بحثنا للقضية الاقتصادية والاجتماعية تجدر الإشارة بأنَّ حضرة بهاء الله وحضـرة عبد البهاء قد أكّـدا بأنَّ إعادة تنظيم الأنشطة الاقتصادية من أجل الحد من تضارب المصالح ما هو إلاَّ جزء من حل المشكلة. إنَّ أصل مشكلة اللاعدالة الاقتصادية هو الأطماع البشرية. وعليه، يتحتم علينا أساسًا تغيير المفاهيم والمواقف. فإذا ما بقى الإنسان على أطماعه وأنانيته وغير ناضج غارقًا في الماديات مفتقرًا إلى الروحانيات فإنَّ أفضل الأنظمة الاقتصادية وأكملها سوف لا يعمل بكفاءة. إنَّ الحل الأمثل والمرضي للأزمة الاقتصادية العالمية الحالية يكمن في إيجاد تغيير جذري في عقول الناس وقلوبهم، وهو لا يأتي إلاّ عن طريق الدين وفي هذا الصدد يقول حضرة عبد البهاء:

"إنَّ الأسس التي تقوم عليها الأحوال الاقتصادية برّمتها إﻟﻬﻴﺔ في طبيعتها، ولها ارتباط بعوالم القلب والروح([38])". (مترجم عن الإنجليزية)

هذا المبدأ يبدو أنَّه جيد وصالح ليس للاقتصاد فحسب بل لجميع الأنشطة والمشاكل الإنسانية. فالتعاليم البهائية تؤكد على أنَّ طبيعة الإنسان روحية في جوهرها، ولا يمكن إيجاد حل دائم وشامل للمشاكل الإنسانية دون أخذ هذه الحقيقة بعين الاعتبار. وكل شيء بالأساس مرتبط بالهدف الروحي لوجود الإنسان، وهو معرفة الخالق عز وجل ومحبته ثمَّ تطوير القيم والفضائل الروحية لديه.

ولهذا السبب جاءت آثار حضرة بهاء الله وحضرة عبد البهاء لتشمل بهدايتها جزءًا كبيرًا من الأنشطة الإنسانية. ولا يمكن وضع حد فاصل بين الجوانب الدنيوية والدينية للحياة. وإنْ أردنا لحياتنا أنْ تنجح فعلينا أنْ ننظر إلى جميع جوانبها من منظور روحاني. ونظرًا لأنَّ الدين عبارة

عن استمرارية للهداية الإﻟﻬﻴﺔ للعالم البشري، ويعتبر ذا بعد روحاني خاص وأهمية خاصة للإنسان، فإنَّ الدين السماوي يمكن أن يكون قاعدة للمجتمع وإنَّ المساعي الإنسانية لحل مشاكل العالم دون الرجوع إلى الدين وإلى المشيئة الإﻟﻬﻴﺔ ستؤول بالفشل. بالنسبة لهذا الموضوع يقول حضرة شوقي أفندي:

"لقد ذهبت الإنسانية ويا للأسف بعيدًا في ضلالها وأصابها انحطاط هائل إلى درجة يصعب معها إنقاذها، إذ لا جدوى من جهود لا تأييد لها والتي يبذلها أشهر القادة ورجال الدولة البارزين مهما كانت نواياهم خالصة، ومهما بلغت أعمالهم من الإعداد والتخطيط... فلا جدوى من أي خطط تأتي نتيجة حسابات أكثر زعماء السياسة أهمية ولا فائدة من العقائد التي يسعى أصحاب النظريات الاقتصادية تقديمها ولا جدوى من أي مبادئ يحاول دعاة الإصلاح والأخلاق من خيرة القوم غرسها في النفوس ما لم توفر في نهاية الأمر القاعدة الصحيحة التي يمكن أن يبنى عليها صرح المستقبل لعالم مشتت الأفكار والحواس([39])". (مترجم عن الإنجليزية)

ومن مبادئ الدّين البهائي السّعي إلى الكمال الخلقي، فالغاية من ظهور الأديان هي تعليم الإنسان وتهذيبه. ما من دين حاد عن هذا الهدف الجليل الّذي ينشد تطوير الإنسان من كائن يحيا لمجرّد الحياة ذاتها، إلى مخلوق يريد الحياة لما هو أسمى منها، ويسعى فيها لما هو أعزّ من متاعها وأبقى، ألا وهو اكتساب الفضائل الإنسانيّة والتّخلّق بالصّفات الإلهيّة تقرّبًا إلى الله. والقرب إليه ليس قربًا مكانيًّا أو زمانيًّا، ولكن قرب مشابهة والتّحلّي بصفاته وأسمائه. ويفرض هذا المبدأ على البهائيّ واجبين: واجبه الأوّل السّعي الدائب للتّعرّف على ما أظهر الله من مشرق وحيه ومطلع إلهامه. وواجبه الثّاني أن يتّبع في حركته وسكونه، وفي ظاهره وباطنه ما حكم به مشرق الوحي. فالعمل بما أنزل الله هو فرع من عرفانه، ولا يتمّ العرفان إلاّ به. وليس المقصود بعرفان الإنسان لصفات الله التّصوّر الذهنيّ لمعانيها، وإنّما الاقتداء بها في قوله وعمله وفي ذلك تتمثّل العبوديّة الحقّة لله تنزّه تعالى عن كلّ وصف وشبه ومثال.
فالأديان أُمّ الحضارات ونبع الفضائل والكمالات. وتتابعها هو الّذي مهّد طريق الرّقي الفكريّ، والسموّ الخلقيّ، والتقدّم الاجتماعيّ الّذي سلكته شعوب الأرض عبر أحقاب التّاريخ. فما من حضارة خلت من هذا الجوهر الّذي أمدّها بالقدرة والحيويّة والإلهام، وقاد أهلها إلى أوج المجد ومعارج الابتكار، ولكن إلى حين. إنّ استمرار تعاقب الأديان ليس مجرد ظاهرة مطّردة سجّلها التّاريخ فحسب، وإنّما هو العروة الوثقى الّتي تربط الإنسان بفاطره، والقوّة الّتي تواصل إنماء خصائصه، والنّهج القويم الّذي يضمن له بلوغ الغاية الّتي خلق من أجلها، والشّرب الّذي يمدّ وجدانه بما يرقى بأدنى غرائزه إلى أفلاك المُثُل العليا، والرّبيع الّذي يجدّد فيه روح البطولة والبذل والعلا ويمدّه من حين إلى حين بالطّاقة الرّوحانيّة اللاّزمة لإنماء المواهب الكامنة في ذاته.

إنّ المسلّمات القديمة الّتي يطرحها الدّين البهائي على بساط البحث من جديد، والمفاهيم الواضحة الّتي يقدّمها لمن يعنيهم دراسة الأديان على أسس جديدة، والحلول الّتي يقدّمها لإعادة تنظيم الحياة الفرديّة والجماعيّة على السّواء، تفتح أمام المتطلّعين لغد أفضل آفاقًا فسيحة لما يمكن أن يقود العالم إلى التّعاون والوحدة والاتّفاق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس مجلس النواب الأميركي: الكونغرس يدرس معاقبة -الجنائية ال


.. موجز أخبار الواحدة ظهرًا - الأونروا: المعابر البرية الطريقة




.. أمل كلوني: شاركت بجهود قانونية في قرار اعتقال كبار قادة إسرا


.. ما هي عواقب مذكرات اعتقال الجنائية الدولية بحق نتنياهو وغالا




.. عقبة أمام -الجنائية الدولية- حال صدور قرار اعتقال لقادة إسرا