الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة قصيرة : مشاريع فاشلة في أزمان آفلة

أحمد أوحني

2011 / 8 / 28
سيرة ذاتية


قصة قصيرة : مشاريع فاشلة في أزمان آفلة

في إحدى عشيات خريف 1968 ، قال لي والدي :" غداً سنسافر نحن الإثنان " فقلت له : " ومن سيرعى البقر ؟ " أجابني أنه سيتدبر هذا الأمر . لم أُخف فرحي ، حسبتها زيارة أخرى إلى أحد أعمامي ، فغالباً ما يذبح أحدهم جدياً على شرف مقدمنا . كنت أمضي كل الوقت في اللعب مع أبناء عمومتي .
في صباح اليوم الموالي ، أيقظني باكراً وتناولنا فطورنا الذي لم يكن يتعدى كالعادة كسرة خبز أسود من الشعير وكأساً واحدة من الشاي . سلكنا طريقاً ضيقة وسط الغابة ، وعندما وصلنا إلى مفترق ثلاث طرق ، انعرج بي إلى اليسار حيث كانت المدرسة ولا تزال .

وجدنا المعلم في باب الفصل ، كانت تلك أول مرة أرى فيها رجلاً ببذلة سوداء ، أمرني والدي أن أقبل يده ففعلت ، أتذكر أنه ناوله ورقة نقدية حمراء وورقة شبه بيضاء من الوسخ وهمَّ بالانصراف ، فصرت أصرخ وراءه : " أبي ... أبي ..." وما كان منه إلا أن صفعني حتى ظننته فعل ذلك بقطعة خشبية .
أدخلني معلمي فأمر أحد التلاميذ بإخلاء مقعده وأجلسني مباشرة أمام مكتبه . اللهم لا تجازيه خيراً بما فعل . صرت أول من يقرأ الحروف الهجائية والقطع النصية ويستظهر النصوص القرءانية ، كما كنت أول من يعاقب من حين لآخر . معلمي ذاك لم يكن يعرف الأمازيغية ، وبالمقابل نحن التلاميذ لم نكن نحسن العربية ، أحياناً نعاقب جميعنا لعدم التواصل فقط .

أما زوجته ، فسيدة حسناء تفوح منها رائحة عطر لم أشمه من قبل ، لم تكن كأمي وأخواتي اللائي كانت تفوح منهن رائحة العرق والبقر والغنم والحمير و... و... و... كانت هذه السيدة تستدعيني مرات عديدة وتحاول التحدث معي بالأمازيغية بغية تعلمها . على يدها أكلت الحلوى لأول مرة ( الكاطو ) .
في أحد الأيام ، حدث أن طلبت منها الزواج بكل براءة وتلقائية ، فأجابتني مبتسمة : " أنت لاتزال صغيراً يا ولدي ، ولكنني أعدك بأن أزوجك أختي عندما تكبر ، فهي تشبهني تماماً " كان ذلك أول مشروع فاشل في حياتي .أخجل الآن من نفسي أيما الخجل كلما أتذكر هذا الموقف .

خلال أيام الدراسة ، كنت أرتدي جلباباً أسود نادراً ما يتم غسله ، وأحمل محفظة جلدية فارغة إلا من كتاب ودفتر وبعض الأقلام ، وكسرة خبز في قطعة ثوب متسخ لوجبة الغذاء . أحياناً أعود بها من غير الأقلام تحت سطو وسرقة الأطفال الكبار .

كنت أسرق بعض الحاجات من المنزل لإحضارها لمعلمي اتقاء عقابه ، فغالباً ما يكون المسروق بعض البيضات ، وحدث يوماً أن أحضرت له ديكاً بلدياً .
كان والدي دائماً يحضني على الدراسة لأجل أن أصبح دركياً في المستقبل ، كان يتمنى أن يكون من العائلة واحداً في "المخزن" للاستنجاد به عند الحاجة . على كل ، خيبت أمله في هذا المشروع أيضاً ، فكثيراً ما وجه لي ملامة في هذا الموضوع . إن أحلى أيام طفولتي عندما أحصل على ريال أبيض أو ريالين أو أربع ريالات أو عشر ريالات حمراء نحاسية على الأكثر .

في صغري ، خطرت ببالي مشاريع كثيرة خصوصاً عندما أحصل على شهادة دراسية ، وإلى اليوم على الأقل لم أصبح ذلك الشخص الذي تمنيت أن أكون . صحيح ، لم يخطئ ذلك الحكيم الذي قال : " ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل " وما كتابتي هذه إلا واحدة من هذه الفسحات .
ذ . أحمـد أوحنـي - أفـورار - المغرب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. توقعات بزيادة الاحتجاجات في إسرائيل مع استقالة غانتس.. وخبرا


.. ضيافة حجاج عمان بالقهوة العربي فور وصولهم إلى مكة المكرمة




.. قتلى وجرحى في انهيار جدار -بئر ماء تاريخي- بجامع المهدي الأث


.. أخبار الصباح | صعود أقصى اليمين في الانتخابات الأوروبية سيؤث




.. أخطاء شائعة وتصرفات غريبة يفعلها المسافرون.. لا تفعلها!