الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أردوغان..الروح المزيفة

ساطع راجي

2011 / 8 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


لا يترك السيد رجب طيب أردوغان رئيس وزراء تركيا، أي ازمة الا وانتهزها فرصة للقيام بمبادرة ما، يدعو الطغاة الى الاستماع لشعوبهم، ويطالب المتنازعين في اي بلد بتبني منهج الحوار لتجاوز الخلافات، وفي هزات الربيع العربي اندفع اردوغان ومعه تركيا الى مساعدة الثائرين ودعمهم والضغط على الحكام للتنحي عن عروشهم.
وقبل ذلك تطوع اردوغان لاخماد حرائق وأزمات سياسية، في لبنان وفلسطين والبحرين وذهب مؤخرا مع زوجته الى الصومال والتقط العديد من الصور التي ستؤرخ لمشاعره الانسانية والاسلامية وهو يقف الى جانب الاطفال والجياع وبجواره زوجته تحمل احد هؤلاء الاطفال وقد ترك الجوع آثاره البشعة على الجسد الصغير.
لكن اردوغان لا يلتزم بالقاعدة الاسلامية "الاقربون أولى بالمعروف" ولذلك لم يتردد في اطلاق يد جيشه لقصف المناطق الحدودية في العراق، وهنا لن نتحدث عن ضرورة التزام اردوغان بما يدعو هو نفسه اليه من التزام بمنهج الحوار في حل المشاكل لحل القضية الكردية في تركيا فتلك قضية داخلية رغم إن الشاعر العربي يقول "لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم" واردوغان سعى جاهدا للتعبير عن ولعه بالثقافة العربية.
لن نتحدث عن القضية الكردية في تركيا فهناك من يتحدث عنها افضل منا، لكننا ملزمون انسانيا وأخلاقيا ودينيا ووطنيا بالتحدث عن ضحايا القصف التركي للمناطق العراقية الحدودية حيث قتل عدد من المواطنين ونزح العشرات من سكان القرى وتعرضوا لأذى نفسي واقتصادي وانساني واجتماعي في رمضان "شهر الرحمة" ولم يكلف السيد اردوغان نفسه عناء تقديم العزاء والاعتذار لأهالي الضحايا ولم يتقدم سفير بلاده ولا القناصل الاتراك في العراق بمثل هذه البادرة الانسانية والدينية والدبلوماسية، ويعرف اردوغان ان تبعات دينية تلاحق كل عملية قتل حتى اذا لم يتخذ فيها المسار القانوني وان التعامل الدبلوماسي ومعادلات السياسة لا تبطل الحقوق الشرعية خاصة في الدماء.
لقد تحدث اردوغان قبل أشهر بحماس منقطع النظير عن العلاقات العراقية التركية خلال زيارته للعراق ومنح الاكراد الكثير من المديح والكلام الطيب خلال زيارته لكردستان العراق واوضح ان له الكثير من الاصدقاء بين الساسة العراقيين لكنه مع ذلك لم يكلف نفسه عناء القيام بمبادرة دبلوماسية تحفظ له ولاصدقائه العراقيين بعض ماء الوجه حتى لا تبدو تركيا وكأنها تستخدم القوة العمياء في التعامل مع جارها الاقرب، وكان الاجدر بأردوغان ولو من باب "جبر الخواطر" التحدث مع المسؤولين في بغداد واربيل قبل القيام بخطوته تلك واستخدام القوة عبر الحدود وان يكون هذا الحديث معلنا واذا كان هناك قبول عراقي بالخطوات التركية فأن المسؤولين العراقيين سيكونون هم الملامون ويبرئ اردوغان ذمته.
يمارس أردوغان بإفراط لعبة استبدال الاقنعة في حراكه السياسي حتى صرنا لا نميز وجهه الحقيقي عن أقنعته خاصة عندما يتعلق الامر بالعراق وبالاكراد فهو مرة يكاد يذرف الدمع خلال خطبه الحماسية ومرة أخرى يطلق النار ويقطع الماء، وبينما يبدو اردوغان داعية سلام وحوار في المنطقة يتحول مع الاكراد الى رجل حرب وقمع، وبينما يتقدم بمبادرات لحل أزمات الدول الاخرى هاهو يصم أذنيه عن أزمة داخلية تركية متفاقمة منذ عقود ولا يتردد في استخدام القوة حتى وإن طال أذاها جيرانه مستغلا ضعفهم وأزماتهم رغم إن الاسلام الذي يعتز به أردوغان ينهى عن هكذا إستغلال.
أمام هذا التناقض، يضطر المراقب الى تجاوز محظور الشأن الداخلي للاخرين والى التعمق في تأويل السلوك السياسي الخارجي للدولة التركية في عهد اردوغان وحزب العدالة والتنمية ويضطر بالتحديد الى اعتماد المقارنة ليصطدم بإن تركيا اليوم تريد القيام بدور البوابة الاسلامية لحلف الناتو وتحديدا للسياسة الامريكية وهو دور سبق ان قامت به مصر والسعودية وايران الشاه، وهو ما يفسر يد اردوغان الطويلة في التعامل مع العسكر التركي الذي كان دائما قريبا من واشنطن بينما هاهو يصبح لقمة سائغة في فم اردوغان وحزب العدالة والتنمية الذي يمهد الطريق لنفسه من أجل الاستمرار مطولا في الحكم وتتويج اردوغان سلطانا بصلاحيات واسعة عند استكمال المهمة الصعبة في تعديل الدستور.
لقد تخلت واشنطن عن جميع أصدقائها في تركيا من اجل الوجه الجديد الذي يراد تعميم نسخه على الاحزاب الاسلامية العربية في مرحلة سياسية جديدة سواء في لعبة التوازن الطائفي او في تقليص الدور السعودي الذي اصبح وجها مستهلكا وعبئا ثقيلا على واشنطن بسبب سجله الثقيل في حقوق الانسان وعلاقته الجانبية بالتطرف، لكن نجاح تركيا في القيام بدور البوابة الاسلامية سيصطدم بنفس العقبة التي واجهت مصر والسعودية وايران الشاه، إنها عقبة الازمات الداخلية وتعثر الديمقراطية وانتهاك حقوق الانسان، وهي عقبة تنهك حتى الدول التي تنعم بالثروة والاستقرار، وهي عاجلا أم آجلا ستنهك تركيا التي تأخرت كثيرا في حل ازماتها بل انها لا تريد التعلم من ازمات جيرانها حتى في العراق وسوريا تحديدا بعدما فشلت في الاعتبار من تجربتها المريرة فهاهي تستخدم القوة منذ سنوات مع القوى الكردية المسلحة والقمع والاقصاء مع القوى السياسية والمدنية الكردية في تركيا لكنها تستمر بالدوران في حلقة مفرغة واعتادت على حملات الصيف العسكرية وهي في كل الاحوال ليست نزهات في البرية بل هي حرب يسقط فيها ضحايا من الجانبين في تركيا وبعض الاكراد العراقيين ايضا، أنقرة لا تريد أن تتذكر ان ماتعده اكبر ضربة وجهتها لاكراد تركيا عندما اعتقلت عبدالله اوجلان لم تساعدها في انهاء المواجهة وتسوية القضية، بل ان اوجلان ومن سجنه في جزيرة آمرلي تحول الى شوكة في خاصرة السياسة التركية.
مثلما تطالب الحكومة التركية حكومات الدول الاخرى باعتماد الحوار والديمقراطية والاستماع لرغبات الشعوب، على الساسة العراقيين مطالبة تركيا باعتماد نفس تلك المبادئ وبنفس الدوافع الانسانية والدينية والحضارية التي تقول الحكومة التركية انها تتحرك بها، وكما تقول الحكومة التركية لجيرانها بأن استقرار دولهم جزء من أمن تركيا القومي على المسؤولين العراقيين ابلاغ الحكومة في انقرة بإن إستقرار تركيا جزء من الامن القومي للعراق خاصة وان تلك الازمات تعبر الحدود بصفة دورية لتقتل وتهجر وإن لعبة استبدال الاقنعة والحياة بروح مزيفة تدعي التماهي مع الخير المطلق ليس الا تقمص لدروشة مفتعلة لا مكان لها في السياسة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - يقتل شعبه ويتاجر بدماء الصوماليون
محمود الفرج ( 2011 / 8 / 30 - 01:52 )
النظام الاسلامي في تركيا والازدواجية والكيل بمكيالين حيث انه النظام التركي يقتل شعبه ويحارب شعب العراق ويذهب ليلغي معانات الصومال فاي سياسة يحملها الاسلام السياسي العفن اينما كان
وتحية للسيد الكاتب

اخر الافلام

.. على حلبة فورمولا 1.. علماء يستبدلون السائقين بالذكاء الاصطنا


.. حرب غزة.. الكشف عن نقطة خلاف أساسية بين خطة بايدن والمقترح ا




.. اجتماع مصري أميركي إسرائيلي في القاهرة اليوم لبحث إعادة تشغي


.. زيلينسكي يتهم الصين بالضغط على الدول الأخرى لعدم حضور قمة ال




.. أضرار بمول تجاري في كريات شمونة بالجليل نتيجة سقوط صاروخ أطل