الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شعب واحد

إكرام يوسف

2011 / 8 / 29
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


في الأسبوع الماضي، تناولت طعام الإفطار في كنيسة قصر الدوبارة بجاردن سيتي، وكان أجمل ما في الحفل أنه لم يضم رسميين، وإنما رموزا من المهتمين بالشأن العام؛ شباب الثورة وإعلاميين وممثلي أحزاب.. وتشرفت بأن جمعتني مائدة واحدة مع الإعلامي القدير احمدي قنديل، والمناضل المخضرم جورج اسحق، وممثل عن الكنيسة الإنجيلية، وكان هناك مقعد باسم الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح غير أنه لم يتمكن من الحضور. ورأيت، على مائدة قريبة، الإعلاميين ريم ماجد ويسري فودة،والدكتور عمرو حمزاوي وخطيبته الفنانة الجميلة بسمة؛ زالشاعر المبدع سيد حجاب، وعلى موائد أخرى عشرات من عشاق مصر وأنصار ثورتها؛ من ليبراليين وشيوعيين وناصريين وإخوان مسلمين.
ورغم أن المائدة كانت عامرة إلا أنني وجدت نفسي أبدي، في صوت واحد مع الأستاذين حمدي قنديل وجورج اسحق، الإعجاب بشوربة العدس الرائعة.. وقلت لنفسي مبتسمة إن لم تكن هذه هي الوحدة الوطنية تتجلى في أبسط صورها فماذا تكون إذا! ووسط هذا الجو الخالي من تكلف الرسميين، لم يكن حديث من تكلموا عن رابطة الأخوة بين أبناء الشعب الواحد إلا إقرارًا بواقع! وكان حديثي عن صلة الرحم الحقيقية التي تربطنا؛ نابعا من إيمان بأن جدي الذي أسلم قبل أكثر من الف عام، لابد وأنه كان مسيحيا في الأصل تربطه وشائج الدم ببقية أفراد اسرته الذين ظلوا على دينهم، وأحفادهم الآن ـ أولاد عمومتي ـ هم من دعونني إلى إفطار اليوم، كأي دعوة عائلية. وهي علاقة لايستطيع أن يفصمها مدع بأن المسيحيين أقلية أو أن المسلمين غزاة؛ فالأمر الذي لاشك فيه أن الجميع في نهاية الأمر مصريون أصلاء وأصخاب بلد حتى وإن اختلطت ببعضهم دماء عربية، وبالبعض الآخر دماء رومانية أو يونانية.
وكنت أرتدي طاقم الشعب الواحد المكون من قلادة وقرط وخاتم وسوار. وأنا أرتديه منذ أكثر من عام ونصف العام، بعدما استوحيت تصميمه من شعار ثورة 1919. وكان عضو مسيحي في منتدى حواري على الإنترنت اختار لنفسه اسم "سيزيف" يتخذه صورة رمزية له، وقلت له إننا الآن أحوج ما نكون لهذا الشعار منا قبل مائة عام؛ فوقتها كان الاحتلال هو صاحب سياسة "فرق تسد" أما الآن فهي سياسة يطبقها الطامعون من الداخل والخارج معا! وعقب حادثة نجع حمادي مطلع يناير 2010، شعرت بغضب عارم يمتزج بهلع حقيقي على هذا الوطن، مبعثه يقين أن الفتنة الطائفية أمضى سلاح يهدد أمنه بالفعل. وكتبت أنني لا أخشى على المصريين من الجوع، لأننا شعب جبل على التكافل وتقاسم اللقمة، ولا أخشى من الاحتلال، فتاريخ مصر يثبت أن شعبها متمرس على طرد المحتلين من أرضه والأراضي المحاورة؛ وإنما الخوف ـ كل الخوف ـ من محاولات فصم عرى الوحدة بين أبناء الرحم الواحد. وأردت أن أعبر عن هذا الغضب بعمل مظاهرة صامتة وحدي، فكلفت متخصصة في صناعة الحلي بصنع طاقما يحمل شعار الهلال يعانقه صليب مكتوب تحتهما "شعب واحد"، وظللت حريصة على ارتدائه في كل مكان. كما كلفت نفس المتخصصة بعمل نسخ من القلادة وزعتها هدايا على الصديقات وسلسلة مفاتيح تحمل الشعار ذاته أهديتها للمعارف من الرجال. وأعجب بالفكرة عدد من الزملاء والزميلات و سارعوا إلى اقتناء نسخ منها.. كنت أشعر أننا جميعا بحاجة إلى الاحتماء بهذا الشعار ليذكرنا دائما بأن مصر يسكنها بالفعل شعب واحد. وتمنيت أن يتم تصنيعه بخامات أقل ثمنا، حتى يستطيع الأطفال اقتنائه من مصروفهم الخاص، فتظل حلي البنات وسلاسل المفاتيح تنبههم، إلى حقيقة الشعب الواحد الذي ينتمون إليه. وعندما نصحتني الزميلة الجميلة أميمة كمال أن اعرض الفكرة في برنامج تليفزيوني، كان ردي أنني أفضل أن تنتشر بسلاسة من دون ضجة ، خاصة وأنني رأيت فتيات يستوقفنني في الشارع مبديات إعجابهن مع طلب تعريفهن بمن يصنع مثلها (لا شك أن صديقتنا صاحبة مشروع الفضيات حققت ربحا لابأس به من الفكرة!). وظللت طوال عام بعد ذلك أتحين المناسبات، لأهدي الأصدقاء قلادة أو سلسلة مفاتيح تحمل شعار الشعب الواحد. وفي مؤتمر للدكتور محمد البرادعي أهديته دبوسا للصدر يحمل نفس الشعار، قائلة له "حتى تتذكر دائما أن الشعب الذي تتصدر لتحمل مسئوليته شعب واحد، ولا بد أن يظل كذلك". وبعدها عرفني صديق على صاحب محل فضيات، قام بتصنيع نفس الحلى بصورة فنية أجمل. وبعد حادثة القديسين، وأثناء مرافقتي لوفد من الصحفيين في زيارة الكنيسة ومعاودة المرضى، لفتت الحلي نظر العديد من الزملاء، وحدث نفس الأمر أثناء وقوفنا كدروع بشرية لحماية الأخوة أثناء صلاة عيد الميلاد هذا العام، حيث أبدت الفنانة الجميلة عزة بلبع والزميلة نور الهدى زكي والفنان خالد أبو النجا وغيرهم إعجابا بالفكرة، وقلت لهم إنني أتمنى لو ارتداها النجوم حتى يقلدهم الشباب. وفي الاحتفال بعيد القيامة، التقيت والسفيرة ميرفت التلاوي مع أمين عام الجامعة العربية ـ وقتها ـ عمرو موسى والأستاذ حمدي قنديل في ضيافة كنيسة القيامة أيضا، وأبدوا جميعًا إعجابًا بالفكرة، وعلقت السفيرة بأن حليًا وسلاسل مفاتيح تحمل هذا الشعار يمكن أن تكون هدايا غير تقليدية في المناسبات الدبلوماسية.
تذكرت هذه القصة وأنا أقرأ عن مصممة حلي ألمانية تدعى فرانشيسكا دانكر، صممت مؤخرا شعارا يحمل الهلال والصليب ونجمة داود داخل دائرة في قلادة. وعلى الرغم من سعادتي بأن الفكرة التي دعوت إليها و الشعار الذي خرج من مصر قبل ألمانيا بأكثر من عام ونصف العام، بدأ ينتشر بين شبابنا وبدأت محلات الفضة تعرضه في فاترينات العرض؛ بعدما كان تصنيعه يتم بالقطعة حسب الطلب، وعلى الرغم ايضا من أن انتشاره يدخل إلى القلب اطمئنانا ويشعره بدرجة من الأمان؛ إلا أنني أحلم باليوم الذي لانحتاج فيه لأن نردد طوال الوقت أننا شعب واحد، أو نحتاج لرفع شعارات تذكرنا بذلك.. أتمنى أن يأتي اليوم الذي لا نحمل فيه جميعا سوى علم هذا الوطن تنصهر فيه هوية شعب واحد، في دولة مدنية تتولى تسيير أمور الحياة الدنيا ولا تتدخل في اختيار طريق الجنة لأفراده ، ويكون الدين شأنا خاصا بين العباد وبين ربهم، ونعود جميعا مصريين، وكفى!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اماني طيبة
جورج حزبون ( 2011 / 8 / 29 - 18:33 )
ابتداء كل عام وانت بخير
في رمضان شعرنا بما ابدعته من القول ، فقد دعيت للعديد من الافطارات ، وتحدثنا عن الوطن كثيرا ، حيث لا جامع الاهو ، الا ان المسافة لا زالت بعيدة خصة لدينا نحن الفلسطينين ، رغم اننا امضينا معا سنوات بالسجون ، لكن سنوات السلطة وتنامي الاسلام السياسي جعلت الكثيرين يشعرون بالغربية ، نحتاج الى ثقافة ثورية لانضاج رؤية شعب واحد
كل الاحترام

اخر الافلام

.. فيديو يتسبب بإقالة سفير بريطانيا لدى #المكسيك #سوشال_سكاي


.. فيديو متداول لطرد السفير الإسرائيلي من قبل الطلاب في جامعة #




.. نشرة إيجاز - مقترح إسرائيلي أعلنه بايدن لوقف الحرب في غزة


.. سلاح -إنفيديا- للسيطرة على سوق الذكاء الاصطناعي




.. -العربية- توثق استخدام منزل بـ-أم درمان- لتنفيذ إعدامات خلال