الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تسرب القيمة الزائدة وتجديد إنتاج التخلف

محمد عادل زكى

2011 / 8 / 29
العولمة وتطورات العالم المعاصر


الإفتراض المركزى فى مقالنا هذا هو: أنه لا يمكن فهم تجديد إنتاج التخلف، كعملية إجتماعية، بدون فهم التسرب فى القيمة الزائدة، لنعط مثلاًًً، على أحد أنواع التسرب فى القيمة الزائدة، وهو من النوع السافر من الخليج النفطى . . . . فدول الخليج العربى لا تقوم بإنتاج قيمة زائدة إلا فى قطاع النفط، على الأقل ذلك هو المشهور والمعروف والمعلََن، وتلك القيمة الزائدة منها جزء يُُستَخدم فى تجديد الانتاج، والاجزاء الأخرى (تهرب، بعيداًً عن رقابة الشعوب) إلى الخارج دون أى مشاركة منها فى عملية التنمية المستقلة والمعتمدة على الذات؛ إذ تقوم الدول النفطية بشراء تقريباًً معظم الاحتياجات من الاقتصاد العالمى، تحديداًً الاقتصاد الاوروبى، ومن ثم وحين تتحول القيمة الزائدة إلى ريوع مُُعطََلة داخلياًً، ومستثمََرة خارجياًً من خلال بلدان غير خليجية، نكون بصدد حالة من حالات"هروب"القيمة الزائدة وليس تسربها، أو ضخها، كما سنرى من أن كل من "التسرب" و"الضخ" لهما معنيان مختلفان.
القيمة الهاربة، والقيمة المتسربة، والقيمة المضَخة
بإيجاز شديد، يمكن القول بأن: الخليج العربى، المنتَج له النفط، لا يَشترى فقط إحتياجاته مِن أوروبا بل أيضاًً (يُوظِِف) أمواله لديها بشكل يَفوق ما يَشتريه منها وما يستثمره بداخلها، وإن ذلك ليَتضح بتتبع الأرقام الصادرة عن مكتب الاحصاء الأوروبى (يوروستات) وهو من التقارير ذائعة الصيت وتم نشره على نطاق واسع، فقد بينت الأرقام أن الاستثمارات الاجنبية المباشرة مِن الدول الاعضاء بمجلس التعاون الخليجى، إلى الاتحاد الاوروبى، قفزت إلى 63,2 مليار يورو فى عام 2008، مقابل 2.3 مليار يورو فى عام 2007، بينما سجلت الاستثمارات المباشرة الأوروبية فى دول مجلس التعاون الخليجى إرتفاعاًًً، فإنها لم تصل إلا إلى 18.9 مليار يورو فى عام 2008، مقابل 4.6 مليار يورو فى عام 2007 أى أن الفارق (بوجه عام) لمصلحة أوروبا هو 44.3 مليار يورو.
وكان أكبر إستثمارات دول مجلس التعاون الخليجى فى الاتحاد الاوروبى مِن نصيب لوكسمبورج (أحد دول البنلوكس: 455 ألف نسمة، لأرقام 2004) حيث وصلت إلى 59.3 مليار يورو، أى نحو 30% من قيمة رأس المال الاجنبى المضَخ فى الاستثمار المباشر فى أوروبا، وكان لدولة الامارات العربية المتحدة النصيب الاكبر مِن هذا المبلغ حيث بلغت قيمة إستثماراتها 58.5 مليار يورو، تليها قطر بقيمة 641 مليون يورو، والسعودية بقيمة 134 مليون يورو، والبحرين 110 ملايين يورو، والكويت بقيمة 23 مليون يورو.
وطبقاًً للتقرير، كذلك، فإن تدفقات الاستثمار الاجنبى المباشر مِن خارج الاتحاد الاوروبى كان مِن شأنها أن تُسجل المزيد مِن التراجع لولا إستثمارات دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية فى لوكسمبورج، عِلماًًً بأن إستثمارات دول مجلس التعاون الخليجى فى أوروبا كانت دائماًًً الاعلى حيث بَلغت 31.8 % مِن إجمالى تدفقات الاستثمار الاجنبى المباشر إلى الاتحاد الاوروبى فى عام 2008 لتحتل بذلك المرتبة الثانية فى التكتل الاوروبى، فيما بلغت قيمة إستثمارات أمريكا الشمالية (كندا والولايات المتحدة) فى دول الاتحاد الاوروبى 65.8 مليار يورو بما يُماثل 33.1% مِن إجمالى تدفقات الاستثمار الاجنبى المباشر فى التكتل، فما هو إتجاه (نقود الخليج العربى) فى أوروبا؟
قبل أن نذهب مع التقرير لمعرفة إلى أين تتجه تلك النقود النفطية، يتعين علينا أن نُزيل اللبس بصدد فكرة التسرب فى القيمة الزائدة فى هذا السياق(دون حاجة إلى إعادة تأكيد أن الامر الحاسم هو الضعف المزمن فى أليات إنتاج القيمة الزائدة) إذ من الواضح أن دول الخليج النفطى ليست فحسب هى التى قامت بتسريب القيمة الزائدة إلى الخارج، وإنما شاركها فى ذلك الأجزاء المتقدمة(الولايات المتحدة، وكندا) فهل معنى ذلك أن تلك الأجزاء(الولايات المتحدة، وكندا) تُُعد أجزاء متخلفة؟ لا على الإطلاق طبعاًً. إن تماهى التسرب مع التخلف مرتَهن بطبيعة التسرب نفسه. فالاجزاء المتقدمة تضخ القيمة الزائدة المنتََجة داخلياًً فى مسام الإقتصاد العالمى إبتداءًً من حالة تشبع داخلى من التراكم، ورغبة فى مد النفوذ المالى على الصعيد العالمى، إذ العالم بأكمله هو حقل عمل الرأسمال التابع للاجزاء المتقدمة، فحينما تََضخ الاجزاء المتقدمة القيمة الزائدة فى مسام الإقتصاد العالمى، فإنما هى ببساطة تقوم بعملية من عمليات تجديد الانتاج على نطاق متسع، على حين يكون هذا التسرب فى الاجزاء المتخلفة نتيجة عوز، وفى حين يكون هذا التسرب فى دول النفط الخليجى ذا طبيعة مختلفة، فلا هو هيمنة ولا هو عوز، وإنما مرجعه إلى عدم السماح تاريخياًً للفوائض أن تتحول إلى رأس مال حتى الان، ومن هنا نقول مجازاًً (تسرب القيمة الزائدة) ومجازاًً لأن قطاع النفط هو القطاع المنتِِج الوحيد فى تلك الاجزاء النفطية من العالم، على حساب باقى الفروع الإنتاجية، ومن ثم تشوه الهيكل الإقتصادى بقطاعاته الثلاثة (الزراعة، والصناعة، والتجارة).
التسرب فى القيمة الزائدة(ومن باب أولى حين التعامل مع ظاهرة التخلف بوصفها ضعف مزمن فى أليات إنتاج القيمة الزائدة) إذاًً يتعين أن يرتبط بتحليل طبيعة التسرب نفسه، فإذا كان تسرب من أجل الحاجة وضعف معدلات إنتاج القيمة الزائدة نتيجة ضعف أليات إنتاجها، ونقص المنتجات الأساسية، عُُد مرادفاًً للتخلف وتتركز أوجه معالجته فى العمل على منعه، وإنما من أجل تراكم رأسمالى ممكِِّّن من السيطرة على شروط تجديد الإنتاج، وحينئذ نكون بصدد" التسرب بالمعنى الفنى" الذى نقصده، أما فى حالة خروج نفس القيمة الزائدة من أجزاء مشبَعة بالتراكم وغزيرة الإنتاج، وتعمل على تدعيم وضعها دوماًً فى سوق المنافسة الإحتكارية على الصعيد العالمى، ولا تفتقر إلى المنتجات الأساسية، نكون بصدد "ضخ القيمة الزائدة" وهو ما تفعله الأجزاء المتقدمة المشبََعة برأس المال المركم منذ خمسة قرون.
ولنعد للتقرير كى نتعرف على الإتجاه العام للقيمة الزائدة "الهاربة بعيداًً عن الشعوب" من دول النفط إلى الخارج، التقرير لم يذكر ماهية القطاعات التى إستقبلت تلك (النقود) إلا أن ثمة تلميح أوضح من التصريح، فقد وصف التقرير لوكسمبورج، فى نفس السياق، بأنها صارت (مركزاًًً مالياًًً ومصرفياًًً) مهماًًً فى أوروبا، الأمر الذى ربما يعنى أن الجانب الأوروبى هو الذى إستحوز على (نقود الخليج النفطى)بعد أن أُُودعت مصارف لوكسمبورج، ومن ثم أصبح الجانب الأوروبى تحت يده الآن(نقود) يتعامل فيها كيف يشاء، وكل ما يقوم بدفعه هو فوائد الإيداع. ومعنى أن أوروبا قد إستحوذت على مبلغ (نقدى) معين، وليكن(60) مليار يورو؛ وهو ما يمثل نحو 32% تقريباًً من إجمالى تدفقات الإستثمار الأجنبى المباشر الداخلة، فى عام 2008 معنى ذلك أن هناك ثمة تسرب قدره(60) مليار يورو، كما يعنى أيضاًً أن أوروبا صارت تملك الآن إعادة ضخ، وتدوير(60) مليار يورو، التى أنتجتها شريحة عمال النفط ولكن، ولأن النظرية الرسمية لا تأبه بمسألة التسرب تلك، فلن يكون من الضرورى، من وجهة نظرها، مناقشة التخلف بوصفه تسرب فى القيمة الزائدة المنتََجة داخلياًً إلى خارج الإقتصاد القومى، نحو مسام الأجزاء المتقدمة من الإقتصاد الرأسمالى العالمى المعاصر، وذلك لانه وببساطة لا تهتم النظرية الرسمية بالتخلف اساسا إلا المنظور له من منظور الاجزاء المتقدمة، بما يفقد التصور أصالته ويفقد النظرية معناها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأميركيون العرب -غاضبون من بايدن ولا يطيقون ترامب- | الأخبا


.. اسرائيل تغتال مجدداً قيادياً في حزب الله، والحزب يتوعد | الأ




.. روسيا ترفع رؤوسها النووية والناتو يرفع المليارات.. | #ملف_ال


.. تباين مواقف الأطراف المعنية بمفاوضات وقف إطلاق النار في غزة




.. القصف التركي شمالي العراق يعطل انتعاش السياحة الداخلية الموس